[التأكيد على التناقض]
[فهذه أخبار كما ترى] متناقضة، وقد أوَّلَهَا على أن المراد بما لايوجب الوضوء النوم الذي لايغلب العقل، وما يوجب الوضوء النوم الذي يغلبه، وهذا نوع استدلال يخالف [ظاهر] نصوص الأئمة عليهم السلام لأن نصوصهم هي موضع البيان، فمتكلف البيان لها يكون إماماً عليهم.
فهذا مالا يصوغه ذو معرفة، لأن هذا التفسير وقع بعد ورود النص بزمان طويل، وصاحب الفتوى لعله قد مات، وعمل بتلك الفتوى إلى أن مات، لأنه قال له في بعض ماقدمنا: هل عليَّ وضوء في النوم؟ قال: نعم، ثم قال، أو قال آخر: هل علي وضوء في النوم؟ قال: لا، ومن حق كل واحد من الرجلين أن يعمل بما قال الإمام، لأن الفتوى وقعت في حال الإستفتاء لإستبانة حكم الحادثة، وكان في امكان الإمام، وعلمه رفعه الإشكال بأن يقول النوم الغالب للعقل ينقض الوضوء، والذي لايغلب لاينقض الوضوء، فلا مخلص من كون هذه الأخبار متناقضة بوجه من الوجوه.(1/271)


[عود إلى رواية الإمامية المتناقضة ونقدها]
وهذه رواية الإمامية كما ترى، قال: أخبرنا الشيخ أيده اللَّه، عن أحمد بن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد محمد بن عيسى، والحسين بن الحسن بن إبَّان، جميعاً عن الحسين بن سعيد، عن [ابن] أبي عُمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبدالله، قال: لايوجب الوضوء إلا من الغائط، أو بول، أو ضرطة، أو فسوة يجد ريحها.
وأخبرني الشيخ رحمه اللَّه قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن مولويه، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، جميعاً عن صفوان، عن يحيى، عن أبي الفضل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ليس ينقض الوضوء إلا ماخرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم اللَّه بهما عليك.
فقد رأيت قوله في الخبر الأول يجد ريحها، فعلل انتقاض الوضوء بوجدان الريح فدل على أن الريح إن لم يوجد لم ينتقض الوضوء، وأطلق في الخبر الآخر أن الوضوء ينقضه ما خرج من السبيلين.
قال: وأخبرني الشيخ أيده اللَّه، قال: أخبرني أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والحسين بن الحسن بن إبَّان، جميعاً عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن جرير، عمن أخبره، عن أبي عبدالله: عن الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة؟ قال: يمضي في صلاته، ولا ينتقض وضوءه.
[و]روى الحسين بن سعيد، عن أبي عمير [عن ابن أخي فضيل، عن أبي عبدالله]، قال: قال: [في] الرجل تخرج منه الريح مثل حب القرع؟ قال: عليه وضوء.(1/272)


قال: أخبرني الشيخ أيده اللَّه، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسين بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المداري، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى، عن أبي عبدالله قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال: إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شيء، ولم ينتقض وضوءه، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاة قطع الصلاة، وأعاد الوضوء والصلاة.
قال: وأخبرني الشيخ [أيده اللَّه]، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن طريف يعني بن ناصح، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبدالله بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ليس في حب القرع، والديدان الصغار وضوء، ما هو إلا بمنزلة القمل.
فهذه أخبار كما ترى متناقضة، وهي من غير واحد، والإمامية لاتقول بتجدد طريقة الإجتهاد، فيكون الإمام عليه السلام أفتىفي كل وقت بما أداه إليه اجتهاده، وصح عنده علمه، وعندهم أنهم لايقبلون أخبار الآحاد، ولا يقبلون إلا المتواتر فكيف يقع هذا الإختلاف في المتواتر، ولايصح أن يقال: إن الآخر نسخ الأول لأن شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاتنسخ، وذلك معلوم من دينه ضرورة، ولأن التأريخ لم يذكر، ولابد في النسخ من علم التأريخ، ولأن النسخ لايقع إلا لتغير المصلحة، والمصالح غيوب لايعلمها إلا اللَّه تعالى، والوحي منقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإجماع، والمناجاة لادليل عليها، ولو صحت لكانت أبلغ من الوحي، ولكن كان لا يصح بها النسخ لأن المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ملته نسخت سائر الملل، وأنها لاتنسخ ما بقي التكليف لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء عليهم السلام، وشرعه خاتم الأديان.(1/273)


فمن أين يتصور وقوع هذا الإختلاف؟ وهلا خرج الإمام لكشف هذه اللَّبسة في الدين؟ التي هي [في] أهم أركانه التي هي الصلاة؟ وما ذهب [إليه] من التلفيق [و]هو مذهب أهل الإجتهاد، وهو غير مذهب الإمامية، وقد ذكر في إستدلاله وقوع الإجماع على مسائل، وليس الإجماع من اعتمادهم لأن العمدة قول الإمام فلا معنى لذكر الإجماع، والأخبار المتواترة في الحكم الواحد لايجوز ورودها متناقضة لأنها توصل إلى العلم في أمرٍ واحد، والعلم لايتناقض.
قال: أخبرني الشيخ أيده اللَّه، عن أحمد بن محمد بن الحسين بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسين الصفار، عن موسى بن عمر، عن علي بن النعمان، عن ابي سعيد المكاري، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله: المذي يخرج من الرجل، قال: أجد لك فيه جداً، قال: قلت نعم، جعلت فداك، قال: فقال: إن خرج منك شهوة فتوضأ، [و]إن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء.
الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عن المذي أينقض الوضوء؟ قال: إن كان من شهوة نقض.
أخبرني الشيخ أيده اللَّه، عن أخيه محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبدالله قال: ليس في المذي من الشهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مس الفرج، ولا من المضاجعة وضوء، ولا يغسل منه الثوب، ولا الجسد.
محمد بن الحسن الصفار، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن علي بن الحسن الطاهري، عن ابن رباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المني، والودي، والمذي، فأما المني: فهو الذي تسترخي له العظام، ويفتر منه الجسد وفيه الغسل، وأما المذي: الذي يخرج من الشهوة فلا شيء فيه، وأما الوذي: فهو الذي يخرج بعد البول، وأما الودي فيخرج من الإداوة، ولا شيء فيه.(1/274)


فهذه أخبار متناقضة كما ترى، وقد رام صاحب الكتاب تلفيقها بأن الودي يكون كثيراً، ولا معنى لقوله كثير لأنه قد فصل بين المني والودي فلا معنى لقوله كثير، ولأن الإمام قد [علله، وذكره] بأنه الذي يخرج مع الشهوة، وسائر ما عللوا به لايقع بمثله الإنفصال لأنه لايقتضي من ظاهر اللفظ، ولا من معناه ؛ لأن المذي جنس قائم بنفسه لغة وشرعاً، فتأويله على غير هذا الوجه إخراج له عن بابه فلا يصح أن يقع تأويل على ما لايقتضيه حقيقة اللغة، ومجازها، وعرفها، ولا يجوز تأويل يخالف هذا الإسلوب لأنه يلحق بتأويل الباطنية الخارجين عن الدين، بإستعمال هذه الطريقة في العلم الذي يجب بناءه على أصل صحيح، ولأن الفتاوي عن الإمام أسندت إلى رجال متغايرين فعمل كل واحد بخلاف ما عمله الآخر، والمعنى واحد لأنه يعمل بظاهر اللفظ، وما يقتضيه عرف اللغة، أو حقيقتها، أو مجازها كما تجري به أحكام خطاب اللَّه عز وجل، وخطاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تنقض الفتوى [الفتوى] بظاهرها، ومقتضاها.
ورفع بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد، عن إبَّان بن عثمان، عن أبي مريم قال: قلت لأبي جعفر: ما تقول في الرجل يتوضأ ثم يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد، وأن من عندنا يزعمون أنها الملامسة؟ فقال: لا والله، ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعنى بهذا ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? إلا المضاجعة دون الفرج.
وروى عن الحسن بن سعيد، عن عثمان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله قال: إذا قبَّل الرجل المرأة من شهوة، أو مسَّ فرجها أعاد الوضوء.(1/275)

55 / 73
ع
En
A+
A-