[كلام في الخبر المتواتر]
قلنا: وما المؤمن أن يعصوا ويخالفوا الإمام، فالعصمة فيهم على مذهب الكل غير معتبرة، فلا يصح التواتر ولا النقل [إلا] على هذا الوجه، ولأنا نقول لهم: إن كان لايعلم صحة النقل إلا من علم أن الإمام يحضهم على النقل ليحصل التواتر فيقع العلم، والأكثر لايعلم الإمام ولا يدين به فعلى هذا لايحصل العلم بشيء من النقل لأحد من الناس سوى الإمامية، وهذا خلاف أحكام الأخبار المتواترة بين الأمة، ويؤدى إلى أن العلم غير حاصل لنا بنفي خليفة عظيم الخطر بين الأمين والمأمون، وأن لايحصل العلم لنا قطعاً بنفي وجوب الحج إلى بيت آخر غير بيت مكة المحروس، وهذا يؤدي إلى إبطال أصول الدين، ورد ماعلم من دين خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، ولأنَّا لانعلم أن الإمام من ورائهم يحضهم على النقل إلا بالتواتر فيلزم فيه ما لزم أولاً، ولأن شرط المتواتر أن ينقل بغير أمر، ويظهر وإن حصل الناهي، لأنَّا نعلم أن كثيراً من الأخبار المتواترة يرويها من هي عليه مضرة، ولايتمكن من إنكارها، ولأن اليهود لايمكنهم نفي إدعا نبينا صلى الله عليه وآله [وسلم] للنبوة، وأن المعجز يظهر على يديه، وإن كان لهم عن النقل أكبر صارف، فلما نقلوا ذلك ولم يتمكنوا من كتمانه، ولا المراجعة عنه علمنا أن هذا حكم المتواتر، ولا يعلم هذا في شيء مما روته الإمامية، بل إنها في أنفسها مختلفة في روايتها كما قدمنا، وكما نذكره فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى مما لايمكنها.
فإن قال: معنى قولنا: إن الإمام من ورائهم [إن] أخلوا بالنقل أظهره الله تعالى [يبين] ما أخلوا به أو ليأخذهم بالنقل.(1/256)


فإنا نقول لهم: جوزوا أن لايكون الإمام موجوداً، ويعلم أن النقل متواتر لتجويزنا أنه لو لم يتواتر لخرج الإمام أو خلقه اللَّه تعالى إبتداء ليبين ما عدلوا عن نقله، أو ليأخذهم بالنقل ثم أنَّا نقول لهم: لم يجب إذا خلوا بالنقل أن يظهر اللَّه تعالى الإمام فمن قولهم ليبين لنا مصالحنا.
فإنا نقول لهم: أليس ظهوره منبسط اليدين قاهراً للكل نفس الحجة على وجوب وجوده، وأن لايخلو منه عصر لكونه لطفاً ملازماً للتكليف، ولم يظهر مع ذلك، ولم يقبح التكليف لأنه لاقائل بسقوط التكليف عنَّا، ولا يستقيم ذلك على الأدلة.
فإن قال: إنما حسن تكليفنا، ولم يظهر لأنَّا أتينا في ظهوره من قبل أنفسنا لإخافتنا له.
فقلنا: جوزوا أن يتعبدنا اللَّه تعالى بالأخبار التي أخل النقل بشروطها، ولم يبلغوها حد التواتر، ولا يظهر الإمام لمخافته من الأمة، ويجوز التكليف لنا بها لأن الإمام أيضاً أتى من قبلنا في الظهور لأن المخافه يخالها، فلما أخفنا الإمام لم يتمكن من الظهور ليبين لنا أن أمرها مختل فإن الناقل أخل بشروطها.
فإن قالوا: هذا يؤدي إلى أن لايوثق بشيء منها.
قلنا: والأمر كذلك.
فإن قالوا: كان يجوز أن يخرجه اللَّه تعالى في السحاب حتى يبين لنا، ولا يتمكن أحد من المكلفين من مساوته.
قلنا: فجوزوا مثل ذلك في مدة هذه الغَيبة، وأن يظهر في السماء لإقامة الحجة، والقاء البراهين للأولياء والأعداء، ولأن ينقطع هذا الاختلاف أو تقوم الحجة.
فإن قالوا: لايمتنع أن يكون ذلك مفسدة.(1/257)


قلنا: فجوزوا أن يكون خروجه في الهواء ليبين حكم الأخبار مفسدة لأن التقدير في الحالين على سواء، ولأنهم قد ذكروا في كتبهم أن التحريف في القرآن والنقصان منه كثير جداً كما قدمنا ذكره، وهذا من أهم الأمور أن يحرف كتاب اللَّه، وينقص ولا يثبته الإمام لأوليائه ليرشدهم، ولأعدائه ليكون حجة عليهم كما فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [وسلم] فإنه كان يغشى المحافل، ويطأ دهماء القبائل، ويتلو عليهم كتاب اللَّه تعالى فلا يقبله منهم قابل، وإنما كان يفعل ذلك لإبلاغ الحجة، ولما تعلق به التكليف عصمه اللَّه تعالى من الناس، فكذلك كان ينبغي أن يعصم الإمام ليبين الشرع، ويوضح التكليف، ومن رواياتهم أن سورة الأحزاب كانت أكثر من سورة البقرة، وأن كثيراً من قريش عُينوا في كتاب اللَّه تعالى باللعن، والسب بأعيانهم إلى سبعين رجلاً فحذف من الكتاب رأساً، ولو سألناهم عن نقصان القرآن فهم بزعمهم شيعة الإمام لما أنبأونا بشيء من ذلك.
فإن تكلف متكلف منهم اليسير فعلى غير أسلوب القرآن، وفصاحته، ومثل ذلك لايعجز المدعين للنبوة، والمفترين على اللَّه، وقد حصَّنه اللَّه من الزيادة بإعجازه، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله، وعن النقصان بحفظه في قوله: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?[الحجر:9].(1/258)


[عودة إلى الرد عليهم في نقصان القرآن]
[روايتهم أشياء غير صحيحة عن أهل البيت]
ومن جملة ما نذكره في هذا الموضع تنبيهاً على اختلاف رواياتهم عن أئمة الهدى عليهم السلام أشياء يدل العاقل على أنهم غير محقين في دعواهم على ذرية الرسول، وسلالة البتول صلوات الله عليهم لأن شهرتهم بالعدل، والتوحيد، ونفي الجبر، والقدر، والتشبيه أشهر من أن يفتقر إلى بينة، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، فإنهم رووا عن أهل البيت عليهم السلام الذين ادعوا أنهم أئمة سابقون، وأهل البيت عليهم السلام لذلك نافون، كما قدمنا أشياء تدل على التشبيه الذي نزههم اللَّه عنه، واشياء تدل على أنهم فسروا كتاب اللَّه تعالى بما لايوافقه تحقيقه اللسان العربي، ولا بمجازه، ومثل ذلك لايعجز العادلين عن اللَّه، والمحرفين لكتابه، وإلى [مثل ذلك] ذهبت [الباطنية] الملاحدة، وكفرها بذلك جميع الزيدية،وكافة الأمة، وأهل المعرفة من علماء الإمامية اعتمدوا تفاسير علماء العدلية كأبي علي، وأبي القاسم، وأبي مسلم، والزجاج، وغيرهم.(1/259)


[نماذج من تفسير الإمامية]
هذا كتاب [الغرر والدرر] للشريف المرتضى، وكتاب [تنزيه الأنبياء] والتفسير الذي صنفه عبدلي، وأبو جعفر الطوسي، وغيرهم من المحصلين منهم لايوجد في هذه التفاسير إلا حكاياتهم عن هؤلاء العلماء الذين سميناهم، وكان ينبغي أن تكون تفاسيرهم مضافة إلى أئمتهم، وحكاياتهم عنهم، ولا سيما أنهم يقولون إن التفسير لايجوز أن يكون من غير الأئمة عليهم السلام، فأما ماهو مذكور في كتبهم التي صنفها المتقدمون منهم، وحكوها عن الأئمة فلا يرجعون إليها، ولا يعتمدون عليها.
ونحن نذكر من ذلك طرفاً يستدل به على ما وراءه:
قد صنف التريقي تفسيراً سماه كتاب [التحريف والتنزيل] فكل ما في القرآن من ذكر الظالمين جملة على ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل خير جعله الولاية، وكل شر جعله أبا بكر، وعمر إلا القليل.
وكذلك في [نوادر الحكمة] لأبي جعفر القمي، وما ينسب إلى رواية الجعابي، يرويه بإسناده عن سليمان بن إسحاق بن داوود المهلبي، عن عمه عبد ربه إلى عمرو المهلبي، عن أبي حمزة الثمالي، وسدير بن حكيم الصوفي، وكثير بن سعد، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، وهذا التفسير غير ما يرويه الناس عن أبي جعفر، وفي هذا التفسير الذي زعموا أنه يرويه المهلبي في قول اللَّه تعالى: ?فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ?[البقرة:55]، قال: نزلت في علي يوم بدر.(1/260)

52 / 73
ع
En
A+
A-