وبهذا الإسناد عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن جعفر، قال: كان أبي يوتر بثلاث ركعات يقرأ فيهن بسورة الإخلاص، وهذا الخبر يخالف رواياتهم أن الوتر ركعة واحدة.
وبهذا الإسناد، عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر: أخبرني عن القنوت؟ قال: أما في الوتر فبعد الركوع.
وبهذا الإسناد عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن [جعفر]، عن آبائه، عن علي عليهم السلام: إنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع، فهذا كما ترى مختلف بلا إشكال.
وبهذا الإسناد، عن محمد بن منصور قال: سألت عبدالله بن موسى عن الصيام في السفر؟ قال: حدثني أبي، عن أبيه: إنه كان يصوم في السفر، ويقضي في الحضر، ولا يوجبه على غيره، ويقول: إني لأستوحش أن آكل في رمضان، وفي بعض الرواية: ولا يقضي في الحضر، وهذا يخالف رواياتهم أنه لايجوز الصيام في السفر.
وبهذا الإسناد، عن محمد بن منصور، قال: حدثنا محمد بن جميل، عن إسماعيل بن مسح، عن عمرو بن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل أجنب في شهر رمضان ثم نام حتى أصبح وهو جنب؟ قال: يغتسل ثم يصلي ويتم صيامه ذلك، [وهذا] مخالف رواياتهم أن من أصبح جنباً فسد صومه.
وروى الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، عن أبيه، [عن] القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، عن رجل يثق به، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه كان يقول: فيمن طلق ثلاثاً في كلمة واحدة أنه يلزمه تطليقة واحدة، يكون له على زوجته الرجعة مالم تنقض العدة، وهذا ينافي رواياتهم أن طلاق الثلاث لايقع به شيء.
وروى الناصر عليه السلام في كتاب [الصلاة]، قد روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام: إنه كان يمسح على رجليه، ويغسلهما بعد المسح.(1/251)
وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يمسح، ويغسل رجليه إلى أنصاف ساقيه، فقيل له في ذلك فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((تحشر أمتي يوم القيامة غراً من آثار السجود، محجلين من آثار الوضوء، فأنا أحب أن تطول حُجلتي يوم القيامة)) وهذا يخالف رواياتهم في النهي عن المسح، والغسل.
قال الناصر للحق عليه السلام: حدثني أخي الحسن بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين، عن علي بن جعفر، عن أخيه قال: رأيت أبا جعفر يتوضأ، ورأيته غسل رجله اليمنى، وخلل أصابعه، وفعل باليسرى مثل ذلك.
قال الناصر للحق عليه السلام بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام: أنه قال لشيعته: أنتم رعاة الشمس، والقمر، والنجوم، وقال أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخره إلى أن يبلغ الظل بعد ظل الفاية ذراعاً أو قدمين، قال: ووقت العصر من بلوغ الظل بعد ظل الفاية [ذراعاً أو] قدمين إلى أن يبلغ أربعة أقدام، قال: قد روينا عنه أربعة أذرع، أو ثمانية أقدام، وهاتان روايتان رواهما الناصر للحق، وهما تخالفان روايات الإمامية إن وقت الظهر والعصر يدخلان معاً إلا أن العصر مرتب على الظهر.
واعلم أن هذا الذي ذكرناه مجة من لجة، وقطرة من مطرة، وإنما جعلناه كالمنبه لمن أراد علم ذلك.
فإن قالوا: مثل ذلك يوجد في كتبكم فلم عبتموه علينا؟
قلنا: ولسنا ننكر ذلك بل نحن نعلمه، فأردنا أن نبين لكم أن الروايات عن الأئمة عليهم السلام مختلفة برواياتكم، ورواياتنا، وهي منقولة بطريقة الآحاد، فإذا كان كذلك فلا بد من طريقة الاجتهاد، وطلب الترجيح والتلفيق.(1/252)
[نماذج مما اعتمدته الإمامية وتنكره]
ولا بدنا نذكر طرفاً مما أعتمدته الإمامية في ذلك، وهي مع ذلك تأباه، وتنكره، ومع هذا الإختلاف لا يمكن أن يُدَّعَى في هذه الشرعيات المعينات طريقة التواتر دون الآحاد فأما أن تقبلوا أخبار الآحاد، وأما أن تنسد عليكم معرفة الشرعيات، على أنه لايصح لهم التعلق بما يروى عن أئمتهم من وجه آخر، وهو أنهم جوزوا عليهم التقية.
ورووا عن الصادق عليه السلام أنه قال: على أي وجه ذكره على وجه الحق أو على وجه التقية، وقد قدمنا روايتهم، عن الصادق عليه السلام، أنه أفتى في مسئلة على ثلاثة أوجه فسئل عن ذلك؟ فقال: هو أبقى لنا ولكم، لأن روايتكم لو اتفقت عنا لصدقكم الناس علينا.
ومما يزيد ذلك بياناً مارواه الشيخ العالم الدَّين أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد الزيدي، قال: أخبرني والدي رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو يعلى يحيى بن سليمان الزيدي العلوي بقزوين، قال: حدثني أبو القاسم عبد العزيز [بن] إسحاق بن جعفر المعروف بابن البقال، قال: حدثني أبو الحسين علي بن العباس بن الوليد، قال: حدثنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا علي بن [أبي] حذيفة، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود قال: قال لي زيد بن علي عليهما السلام: إني أتعجب من حُمقكم يا معشر الشيعة تأتون الرجل منَّا وتسألونه فإن سكت، ولم يشهد أنه يعلم قلتم: لو شاء أن يخبرنا لأخبر، فإن هو تكلم قلتم: نشهد أنه يتقي، فمتى تعلمون!!!.(1/253)
[معنى التقية]
فإن قيل: فما معنى الخبر المروي عن جعفر بن محمد: أن التقية من ديني ودين آبائي، وما جانس ذلك؟.
قلنا: فمعناه التقية من اللَّه جل ذكره بطاعته فمن لم يتق اللَّه تعالى ويراقبه فلا دين له.
فإن قيل: فما قولكم في التقية؟
قلنا: إنها عندنا تجوز لمن خاف أن تضرب رقبته أو يهتك ماله وأهله، فيكره على إظهاركلمة يتأول فيها، ويدفع بها [عن] نفسه، لايكون فيها إضلال لأحد، ولا إهلاك لمسلم، ولا هتك لحرمة، ولا فتوى بغير الحق، وإنما يكون ذلك فيما دليله واضح، فلا يكون كلام المتقي فاتناً لمن سمعه لأنه يتمكن من الوصول إلى العلم بنظره، كمن يكره مثلاً على القول بأن اللَّه تعالى ثالث ثلاثة فيقول هذه الكلمة وفي ضميره عندكم وعلى قولكم، والدليل واضح بإبطال التثليث والشهادة بالوحدانية.
وروى صاحب [المحيط في الإمامة]، عن الحسن بن الحسن عليهما السلام أنه قال: التقية باب رخصة، وليست بباب فضيلة إنما التقية أن يخاف امرؤ على نفسه، ويضعف عن أمر اللَّه، والفضل في القيام بأمر اللَّه والدعا إليه، ويحك أنت تزعم أن إمامك يهدي في السر، ويضل في العلانية، والله ما يسرني أن لي ما طلعت عليه الشمس، وما غربت عليه من شيء، وأني أضللتُ نفساً واحدة، لأني سمعت اللَّه عز وجل قال: ?مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا?[المائدة:32].(1/254)
وقد اختارت السحرة رحمة الله عليهم التائبون في أيام فرعون لعنه اللَّه الموت على النطق بالتقية فمدحهم رب العالمين، وأثنى عليهم ثناءً جميلاً باقياً إلى يوم الدين، وكذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [وسلم] بعث رجلين إلى مُسيلَمة ففتن أحدهما فافتتن واتقى، وثبت أحدهما على الإيمان وصبر حتى قتل، فقال النبي صلى الله عليه وآله [وسلم]: ((إنه جاري في الرفيع الأعلى)) ولأن الكثير من أئمة الهدى جاهروا أعداء اللَّه تعالى، وباينوهم في مقامات كثيره، ولأن اللَّه تعالى مدح من لايخاف فيه لومة لائم، وهذا خلاف حكم التقية، وقد بيَّنا أن التقية لاتجوز في تبديل الأحكام، ولا الفتوى بما لايجوز في الدين، ولا بما يتعلق به الإضلال كما قدمنا ذكره، لأن ذلك من الفساد العظيم في الدين، وقد توعد اللَّه تعالى عن الفساد في الأرض بالقتل، فكيف يدفع القتل بما يستحق عليه القتل؟ وعلى مقتضى مذهبهم لايمكنهم معرفة الشرائع جملة، وإن سلمنا لهم ما قد بيَّنا أنه لايصح فتسليمنا على وجه الإستظهار فنقول: هب أنا نسلم لكم أن رواياتكم كلها متواترة، ألستم تجوِّزون أن المخبرين يغضون في شروط التواتر، وينقل بعضهم بعض ما سمعوه ويتركون بعض شروط عبارة التواتر، فلا يثق من بعدت داره عن دار الإمام أو غاب عنه ينقل جميع العبارات إليه؟
فإن قال: لايجوز أن يتركوا فإن الإمام من ورائهم بأحدهم ينقل كل ما سمعوا، ولو أخلوا ببعضه لحثهم على نقله.(1/255)