قال ضرار: الأولى نصب العجمي دون العربي، والذليل دون العزيز لأن عزله متى أردنا عزله يكون أهون.
قلنا: هذا باطل لأنَّا لا ننصب الإمام لنعزله، ولا نقيمه لنقعده، ولأن الإمام يراد به جمع الجمهور، وسد الثغور، وظهور الهيبة، وإصلاح الكافة، فكيف تحمى السرح بالذليل، أو يجتمع الجمهور على المغمور، وهذا زيادة على ما قدمنا من الإستدلال على أن الإمامة لاتجوز إلا في ولد الحسن والحسين عليهم السلام، ولأنه بالإحداث يخرج عن الإمامة، وإن لم يخرجه أحد، ويكون حكمه حكم المتغلبين من الخوارج، ولأن الفارسي [كذلك]، وكذلك العجمي قد لايتمكن من عزله، وإزالته، [وأكثر] الممالك قامت بالأعاجم، ولأن الذليل إذا قويت شوكته كان شره وسطوته أعظم لأنه لايراعي حفظ قرائب أهل المراتب، فبطل ما علل به ضرار مذهبه الذي لم ينصب عليه دليلاً، ولا أوضح له سبيلاً.
وقد قدمنا الحديث على أن إجماع العترة منعقد على أن الإمامة محصورة في ولد الحسن والحسين عليهم السلام دون من عداهم من الخلائق، وأوضحنا البرهان على ذلك من الكتاب والسنة تأكيداً لحكم الإجماع ودلالة على صحته، وهذا قول أوائل العترة الحسني والحسيني عليهم السلام معلوم في علومهم لمن علمها.
فإن قيل: إن بعضهم لايلزم إمامته.
قلنا: والأمر ثابت على ذلك لأن العترة إمامية، وزيدية فقد [بطلت] دعوى الإمامية فتعين الحق في مقالة الزيدية لولا ذلك لخرج الحق عن أيدي العترة، وفارق الكتاب، وذلك لايجوز.(1/241)


[إبطال مذهب المعتزلة في الإمامة]
والدليل على إبطال مذهب المعتزلة: أنه لادليل عليه، وكل مذهب لادليل عليه فهو باطل.
فإن قالوا: قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((الأئمة من قريش)).
قلنا: هذا من أخبار الآحاد، والمعتمد في أصول الدين [على] ما يوصل إلى العلم، وهو لايحصل من الأخبار إلا في المتواتر، ولا تواترها هنا، ولأنه لو كان معلوماً لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة، ومعلوم أنه لم يذكره، ولا احتج به فدل على أنه كان غير معلوم في الأصل، ولأن روايته لو صحت لما كان به حجة لأن سعد بن عبادة، وأهل بيته نازعوا في الأمر، ولم يسلموا الخبر، وكذلك بنو هاشم قالوا: الإمامة لعلي بن أبي طالب عليه السلام دون غيره، وآحاد من الناس ذهبوا مذهبهم في ذلك فلو صح لهم الخبر لما نازعوا في ذلك إلا أن يكون المراد بالخبر أن من في الخبر للتبعيض فيكون تاكيداً لأدلتنا على إمامة علي عليه السلام، وأولاده من فاطمة عليها السلام لأنهم بعض قريش، ولأن روايتهم عن عمر ينقض ما رووا عن أبي بكر إنها في قريش، لأن سالماً مولى حذيفة ليس من قريش بالإجماع، ولأنه قال فيما روي: لو أدركت أعيمش عبد القيس لاستخلفته عليهم يعني الجارود.
وقد روى ذلك أبو عبدالله البصري، وقد روى عنه مثل ذلك في معاذ فإذا لم يعلم الخبر عمر مع ملازمته، وتقويته لأمور أبي بكر، واستقرار أمر أبي بكر الذي قاعدته عندهم الخبر فغيره [أن] لايعلمه أولى، وهذا لايغبى على منصف، وقد اعتذر قاضي القضاة بأن عمر ما أراد إلا أن يدخله في الشورى.(1/242)


قلنا: هذا ينافي لفظ الخبر لأنه قال: لاتخالجني فيه الشكوك، وقد علمنا أنه طعن في أهل الشورى، وزكى سالماً بأنه ممن لم يخالجه فيه الظنون فدل أنه عنده كان أولى بالإمامة، ولأنه لم يدخل في الشورى إلا من تصح فيه الإمامة عنده، فإذ قد بطلت هذه الأحوال كلها بما ذكرنا، فإنَّا نعلم تعين الحق في قول الزيدية ؛ لأنَّا لو قلنا ببطلانه لخرج الحق عن أيدي الأمة وذلك لايجوز.(1/243)


[زعم الإمامية أن إجماعهم حجة والرد عليه]
واعلم أنا قد قطعنا علائق دعوى الإمامية بكل وجه مما ذهبوا إليه، وظنوه دليلاً، وقد بقي من دعوى تصحيحهم لمذهبهم في زعمهم أن إجماعهم حجة، وهم ينفون الإجماع، وإنما قالوا لأن الإمام فيهم، وهو معصوم، فكل قول قالوه قالوا هو حق، وهذا قد بطل بما أبطلنا به قولهم في العصمة، ولأنَّا نقول بما علمتم أن الإمام في جملتهم وهو غائب لا طريق لكم إلى العلم به إذ لاطريق للعقل إلى ذلك، ولا في السمع ما يدل عليه، ولا المشاهدة تؤدي إليه، ولا الأخبار المتواترة عنه.
فإن قالوا: إن الأخبار المتواترة توصل إلينا عنه.
قلنا: هذا باطل من وجوه: أحدها إنه لو وصل إليكم التواتر [منه] لوصل إلينا ؛ لأن الناس في العلم بمعلومات الأخبار المتواترة سواءً بدليل أنه لو جاز أن يدعي العلم بها البعض دون البعض لكانت كل فرقة تدعي في أخبارها التواتر، ومعلوم خلافه، ولأن القطع على [أن] الإمام في المجمعين لا طريق إليه إلا التواتر فلو حصل ذلك لكان الإمام معلوم العين، والأثر، ومعلوم خلافه، ولأن الطريق لو حصلت إليه لما وقع الإختلاف من الإمامية، وقد علمنا وقوع الإختلاف بينهم.
أما أنه لو حصلت طريق إليه توجب العلم لما اختلفوا فلأن الظاهر من حالهم أمتثال أمر الأمام، وتكفير من خالفه، وأما علمنا بوقوع الإختلاف بينهم فذلك مالا يمكنهم إنكاره.(1/244)


[طرف من اختلاف الإمامية]
ولا بدَّنا من ذكر طرف من ذلك ليكون كالمبين المغني، والمفهم إذا الأمر فيما حققناه واضح جلي لا ينكره أحد من العلماء من الإمامية ولا غيرهم، وإن كان بعض علمائهم قد حاول التلفيق بين أقوالهم، وسد ما تباين من خلالهم، ورد ما عجز عن تلفيقه، ولم يتمكن من تحقيقه، والحكم فيه وفي الذي قبله واحد، لأن رواة الخبرين رجال الإمامية ومشاهيرها، فما جاز في أحد الخبرين جاز في الآخر [مثله].
ذكر أبو جعفر القمي في [نوادر الحكم]: عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسئلة فأجابني، قال: ثم جاء رجل فسأله عنها فأجاب بخلاف ما أجابني، ثم جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني، وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يابن رسول اللَّه، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قد جاءا [سائلان]، فأجبت كل واحد منهما بخلاف ما أجبت صاحبه، قال: فقال: [يازرارة]، هذا خيرٌ لنا، وأبقى [لنا] لكم، ولو اجتمعتم على أمر واحدٍ لصدقكم الناس علينا، وهذا أولى لبقائنا، وأبقى لكم، قال فقلت لأبي عبدالله: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا فهم يخرجون من عندكم مختلفين قال: فأجابني مثل جواب أبيه.
فإن اعترفتم بصحة هذا الخبر [الأمر] فقد اعترفتم أنه لايمكن معرفة الحق لأن الحق لايختلف، وهو لايعرف إلا بقول الأئمة لأنه لايدرى لأي غرض قالوا، وقد قالوا أقوالاً مختلفة، وأقوالهم عندهم بمنزلة النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنص لايختلف في الحكم الواحد.
وإن أنكروا الرواية فقد رواها شيخهم ورئيسهم، فإن [حكم الواحد، وإن أنكروا الرواية] ردوا روايته لزم [رد] جميع ما يرويه، والكتاب مشهور، والرواية بين الإمامية ظاهرة.(1/245)

49 / 73
ع
En
A+
A-