قلنا: فقد كان فضلهم لطفاً في هلاكهم، ومعصية الظالمين فيهم فلم يرتدع الظالمون لهيبتهم بل ظلموهم مع من ظلموا لأن ما رمي به [فضلاء] أهل البيت عليهم السلام بجيوش الظالمين، وشرورهم إنما هو لفضلهم، وكمالهم، وتميزهم على غيرهم كما فعل بموسى بن جعفر، وبعلي بن موسى الرضى، وغيرهما عليهما السلام، وكان الحسن بن علي العسكري عليه السلام معهم في حكم الحبس، والإعتقال، والقيود، والأغلال، وذلك معلوم لمن علم أحوالهم، وكذلك أباؤه إلى علي بن الحسين عليهم السلام فهل ارتدع المعاند، وانتصف من الظالم بهم، بل ظلمهم الظالم من جملة غيرهم فاحتاجوا على هذا القول إلى الإمام ينتصف لهم، ويردع معاندهم، ويؤدب الجاني عليهم، فأما أن تقول الإمامية بنفي إمامتهم، وليس ذلك من قولها، وأما أن ينتقض الإستدلال، وينفى ما اعتمدت عليه من المثال فذلك أولى بها.
وإن كان تعويلها على نفي ما قَدَرت على نفيه من المعاصي فذلك معلوم من الكافة من القائمين من ولد الحسن والحسين عليهم السلام من لدن زيد بن علي عليه السلام إلى يومنا هذا، ويعلمه ضرورة من اختبر أحوالهم، وشاهدها، وقد ارتدع منهم الظالمون، وهابهم الفاسقون، وأدبوا من ظهروا عليه من الجناة، وعلم ذلك ضروري لمن عرف السير والآثار.(1/231)


وأن يحيى بن عبدالله عليه السلام لما ظهر بالديلم رفض هارون شرب الخمر، ولبس الصوف، وافترش اللبود، وأظهر النسك، وغير ذلك مما ذكره يؤدي إلى الإسهاب، ويخرجنا عن الغرض المقصود بالكتاب، فما المانع، والحال هذه من اعتقاد إمامة المستحق من ولد الحسن، ومن رفضوا من ولد الحسين عليهم السلام، ولا يفتقر إلى أشراط العصمة لأن ظاهر المعاصي تزول به مع القدرة إن سلك مسلك الذرية الطاهرة، والأئمة الهادية، وباطن المعاصي [ما لايتمكن] من إزالته لايزول به كما علمنا من الحوادث، والمعاصي في وقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن عصمته معلومة للجميع، وفي أيام علي [بن أبي طالب] عليه السلام، وولديه سلام اللَّه عليهم أجمعين.
وأما قولهم: العلم به ضروري على الشرط الذي ذكروه فلم يقع الشرط كما [قدمنا، وهو الإستظهار في أئمتهم إلى يومنا هذا، فبطل المشروط على قولهم، فهم بإستدلالهم الجناة على مذهبهم.
فإن قالوا: إنما قلنا معصوماً لأنه يقوِّم الأمة، ويمنعها من المعاصي فلو لم نقل بعصمته لاحتاج إلى ما احتاجت إليه من الإمام المعصوم.
قلنا: قد ثبت أن الأمة معصومة متى اجتمعت كما قدمنا ذكره في الآية لأن اللَّه تعالى أوجب اتباع سبيلها كما] أوجب اتباع سبيل النبي المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم فلولا أنها معصومة لما أوجب اتباعها لأنه تعالى حكيم، والأمر باتباع العاصي قبيح، والله تعالى لايفعل القبيح على ماذلك مقرر في كتب أصول الدين، فيكفي في ذلك أنا نطيع الإمام ما استقام لنا ظاهره، فإن زاغ أو قسط وجب علينا رفضه، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق)) فإن قاهرنا وغلبنا كان حكمه حكم المتغلبين من الظالمين، وخرج عن باب الإمامة.
فإن قيل: إتباع المعصوم أولى، وأمرهُ في القلوب آكد، والنفوس إليه أسكن.(1/232)


قلنا: وذلك لايوجب العصمة لأن النفوس إلى قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسكن، والقبول للأوامر منه أقرب، والأمة له أطوع، ولذلك شغبوا على أمير المؤمنين، بل [ولوا] الأمر [من] دونه ولم يعلم منهم مثل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعضه، فهذه العلة كانت توجب بقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن اللطف على أبلغ الوجوه واجب على اللَّه تعالى لعدله، وحكمته، ولأن النفوس للأمور الظاهرة الجلية أشد قبولاً منها لما فيه بعض الإجمال والإحتمال، كما يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو قال يوم غدير خم: من كنت نبيه فهذا علي إمامه بعدي، ولا إمام لكم سواه، ومن ادعى الإمامة من أصحابي غير علي فاقتلوه، أو لاتتبعوه لكان هذا أوضح، ووضوحه معلوم ضرورة لكل عاقلٍ لأن العلم بمقاصد المخاطبين من تمام العقل، فلما علمنا هذا، وعلمنا أن اللَّه تعالى خاطب بالمجمل كما خاطب بالمبين، وخاطب بالخفي كما خاطب بالجلي، وخاطب بالمجاز مع إمكان الخطاب بالحقيقة علمنا أن التشهي في الدين لايجوز.
ولأنا نقول لهم: ما الدليل على عصمة من ذكرتم من الأئمة عليهم السلام؟.
فإن قلتم: سلامة الظاهر.
قيل: ما ادعيتم موجود في آل الحسن عليهم السلام، وما [به] فضيلة، ولا علم يصح بدليل حصوله، ولا عبادة، ولا صلاح إلا ولهم فيه أو فَى نصيب، وفضيلة الجهاد مضافة إلى ذلك.
فإن قلتم: سلامة الظاهر والباطن، وهذا يخص من ذكرنا إمامته من أولاد الحسين.
قلنا: ما الدليل على ذلك من كتاب أو سنة، أو دلالة عقل على أن هذا الشخص المعيَّن معصوم في الباطن.
فإن قال: نستدل على وجوب العصمة على الجملة، ولم يدعها أحدٌ لأحد من شخوص الأئمة إلا نحن يا [معاشر] الإمامية.(1/233)


قيل: إن ذلك غير مُسَلم لأن من الزيدية من ادعى العصمة لأئمة الزيدية من ولد الحسن والحسين عليهم السلام، وهو أبو العباس الحسني عليه السلام، ومن قال بقوله، وقال: لو جاز أن يعمل معصية في السر لوجب على اللَّه إظهارها فكان من سَلِم ظاهره إلى موته وجب القول بعصمته يعني من أئمة الزيدية.
ولأن الدليل على أنه لابد من إمام معصوم قد قدمنا الإحتجاج على بطلان اشتراط العصمة، وبطل ما ابتني عليه لأنها إذا كانت دلالة التصديق وجب أن تكون لكل صادق كما قلنا في المعجز، والله تعالى أصدق الصادقين، ولا يجوز أن يوصف بالعصمة، ومن حق الأدلة الإطراد.
وقولهم: لأن يقوِّم الأمة ولا تحتاج إلى مقوم، فيكفينا في ذلك سلامة ظاهره، ويجب علينا إتباعه، وطاعته ما أطاع اللَّه، ولم يتغير ظاهره، فإن زاغ اعتزلناه، وسقط عنَّا فرضه فلا فساد للحق في هذا، كما يلزمنا الإنقياد لأوامر أمرائه، وأحكام قضاته بالإجماع، والصلاة خلف أئمة مساجد خلافته، وإن لم نقطع بعصمتهم، وجوزنا خيانتهم فيما قاموا به.
فإن قالوا: إنهم لو أبطنوا ذلك لعلمه فأصلحه.
قلنا: هذا باطل بالمعلوم ضرورة من اختلال كثير من أمراء علي عليه السلام، وخيانة عُبيدالله بن العباس الحسن بن علي عليه السلام بانفصاله إلى معاوية، وهو مقدمة جيشه حتى كان ذلك أقوى أسباب استظهار معاوية الموجبة لتخلي الحسن بن علي عليه السلام عن الأمر، ولسنا ندع المعلوم لِوهومكم التي سميتموها عُلوماً ؛ لأن الحسن عليه السلام لو علم خيانته وولاه لقَدَحَ في عصمته، ولبطلت إمامته، وحاشاه من ذلك، وقد قال تعالى: ?وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا?[الكهف:51]، ولا شك في كون من خان أئمة الهدى من أكبر المضلين.(1/234)


وأما اشتراطهم أن يكون أفضل الخلق وذلك يشترط أن يكون أفضل من تعلم، ويتمكن من الإئتمام به لأن القطع على أنه أفضل الأمة من علمنا ومن لم نعلم يؤدي إلى سد باب الإمامة الذي قد وجب القيام به، فما أدى إليه يجب أن يكون باطلاً لأنَّا لانتمكن من القطع مالم نختبر جميع أحوال من يصلح للإمامة، وذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نشَرَهم استيثار الأمة عليهم في أقطار الأرض من طولها والعرض، وفي استقصاء ذلك ذهاب الأعمار، وهلاك الدين، ولكن متى اخترنا الأفضل وقام بالأمر، علمنا أنه بعد قيامه أفضل الأمة لتحمله أعباء الإمامة، وعموم تكليفه بالأمور الطامة فيكون بذلك أفضل لأن النص قد ورد بتفضيل المجاهدين على القاعدين فيجب القضاء بصحته، وإنما يعتبر كونه أفضل في ظاهر الحال كما قدمنا في قولنا في مانعلمه لأن اللَّه تعالى لايتعبدنا بما لانعلم، وإنما قلنا: يجب أن يكون أفضل ؛ لأن الأمة أجمعت على طلب الأفضل، ولم يقل أحد منهم، ولم يطلبون الأفضل فادعت الأنصار الإمامة لهم لأن دار الهجرة دارهم، والإسلام عزَّ بهم، وهذا من الفضائل، فقالت قريش: نحن آل اللَّه، وأقارب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، بل قال أبو بكر عترتهم فخاطبهم بالمجاز لما كانت الحقيقة لغيره، وقالت بنو هاشم: نحن [الأولى] برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لأنَّا أهله، وقرابته، ومالها إلا علي، وكان علي [عليه السلام] يذكر فضائله في المقامات.(1/235)

47 / 73
ع
En
A+
A-