ورووا عن يحيى بن سالم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: صاحب هذا الأمر أصغرنا سناً، وأجملنا شخصاً، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: إذا سارت الركبان ببيعة الغلام فعند ذلك يرفع كل ذي ضعة لواءً فانتظروا الفرج، فهذا حديث كما ترى قد تقدمه من الأخبار ما قضى أن هذا الإمام الذي زعمت الإمامية لايقوم ولأحد في عنقه عهد، ولا بيعة، ولا ولاية، وهذا هو المتضمن معنى الإمامة ؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول في علي عليه السلام: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فأثبت له الولاية المقتضية معنى الإمامة، وقد أثبتوا في الأخبار المتقدمة أنه لايكون له عهد، ولا عقد، ولا بيعة، ولا ولاية، هذه الألفاظ قد وردت في الأخبار المتقدمة، وله اليوم ثلاثمائة وخمسون سنة، إن قام في عامنا هذا فكيف يصح روايتهم أنه أصغر الأئمة سناً، وهم يحتجون في صحة دعواهم في طول العمر، ويضربون له الأمثال، وكذلك قوله إذا سارت الركبان ببيعة الغلام. كيف يعد غلاماً من له ثلثمائة وخمسون سنة إن قام في عامنا هذا، فإن كان هذا الغلام، فكيف الشيخ أو من هو؟(1/211)


ورفعت إلى محمد بن إسماعيل، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: القائم من ولدي يعمر عمر إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة، ويظهر ابن ثمانين في صورة شاب مونق ابن ثلاثين سنة حتى يرجع إليه طائفة من الناس يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً، وجوراً، فهذا الخبر كما ترى تصريح بأمر قد بانت استحالته، فإن جوزوا فيه الإختلال جاز في أمثاله من روايتهم، وإن صححوه كان في تصحيحه بطلان مذهبهم قد عدا عشرون ومائة، [وعشرون ومائة]، ومائة وعشر إلى تأريخ كتابنا هذا، وقد اعتذروا في غير هذا الموضع بإنه لايعتمد على التوقيت، وإن التوقيت إن وقع فإنما هو لتطييب نفوس المراجين لئلا يعظم بأسهم، لقائل أن يقول: وما أنكرتم من ذلك القائم وأنه إنما ذكر لتتعلق قلوب المؤمنين بأهل بيت نبيهم، ولا يقطعون الرجا منهم، وإن كان لاحقيقة لشيء من أمره، ولا تحقيق لكونه، ولا ولادته، ولكن وضع ذلك لتطييب نفوس الشيعة، ولإرعاب الأعداء.
وفي الخبر تفصيل [في] مدة العمر، وتقدير وقت الخروج، فإنه يخرج وله ثمانون سنة، فكان خروجه على هذا التقدير يكون لأربعين سنة وثلثمائة سنة، وكان يكون وفاته لثلثمائة وثمانين سنة، فأي رأي رأيته أيها الناظر، وهل لمدعي هذه الدعوى في الجهل والضلالة عاذر.
وقد قالوا في بعض أقوالهم: إن التوقيت على جهة التقريب والتسكين للشيعة، ورووا من طريق أخرى: من روى عنَّا التوقيت فلا تصدقوه، قالوا: والواجب التسليم لأمرهم، والتصديق لقولهم، وهذا هو الواجب في الأئمة عليهم السلام، ولكن أي القولين نصدق [و]إذا قال الصادق: لاتصدقني، وقال قولين مختلفين أيهما أولى بالتصديق، والآخر بالتكذيب، وصدورهما عن صادق.(1/212)


والحديث الذي قدمنا ذكره لايمكنهم إنكار رواية شيوخهم له، وتفصيله على الوجه الذي روينا أن عمره مائة وعشرون، وأنه يخرج ابن ثمانين، مضت ثمانون، وثمانون، وثمانون، والكذب هو الخبر عن الشيء لاعلى ماهو به كما أن الصدق هو الخبر الذي إذا كان له مخبر كان على ماهو به.
ورووا في عدة الخارجين مع الإمام، رفعه رواية إلى الحارث الأعور، قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام على المنبر: إذا هلك الخاطب، وراع صاحب القبر، وبقيت قلوب تتقلب بين مخصب ومجدب، هلك المنتمون، واضمحل المضمحلون، وبقي المؤمنون، وقليل مايكونون ثلثمائة أو يزيدون، تجالد معهم عصبة جالدوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر لم يقتل، ولم يمت.
ورووا إلى مالك بن ضمرة قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: يامالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبك بين أصابعه، وأدخل بعضها في بعض؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير، فقال: الخير كله عند ذلك يامالك، عند ذلك يقوم قائمنا، فيقدم سبعون رجلاً يكذبون على اللَّه ورسوله فيقتلهم ثم يجمعهم اللَّه على أمرٍ واحدٍ، والمعلوم أن اختلاف الشيعة وقته من شهادة علي عليه السلام، ووفاته اختلفوا فيه كما قدمنا، واختلفوا في أولاده، فقالت الكيسانية: بإمامة ابن الحنفية ثم الخلاف الكبير الذي هو باق إلى الآن خلاف الزيدية والإمامية، والخروج لم يقع.
واعلم أن كلامه عليه السلام صدق، وحق لأنهم لايقولون من تلقاء أنفسهم، وإنما يقولون ماقاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فهذا طرف من أخبار القوم، ورواياتهم في الغَيبة ذكرناها تنبيهاً لأهل الدعاوي في مثل هذا الشأن، إن قبوله لاتصح مالم يقم به برهان، ويؤيده سلطان.
والكلام على جميع ماتقدم: أنا نقول: هل اعتقاد الغيبة، والإمامة، والإنتظار فرض خصكم اللَّه به معشر الإمامية، أم هو فرض من اللَّه تعالى على [جميع] المكلفين؟.(1/213)


فإن قالوا: خصهم اللَّه به، وهم لايقولونه، قلنا: فلا تلزموا العباد مالم يكلفوا به، وإن قالوا: فرض عام، قلنا: فلا بد أن ينصب اللَّه على هذا الفرض دليلاً معلوماً لايعلمه بعض المكلفين دون بعض، ولا يخالف في وقوعه، وإن خالف في معناه، وهذه الأخبار التي رووها على كثرتها لم تجمع شروط أخبار الآحاد فكيف توصل إلى العلم الموجب للإعتقاد.
وقد بيَّنا ما في بعضها من التناقض والإختلال، ولابدَّنا نذكر حججهم في تصحيح الغَيبة وننقض ماجاءوا به ليكون العاقل على بصيرة من أمره، فقد ذكرنا حججهم من قبل الأخبار عن الأئمة عليهم السلام، وأبطلنا ذلك بأنه لو كان حقاً ودليلاً على جواز ذلك لعلمته الأمة جميعاً، لأنه فرض يلزم الجميع، فوجب أن يعلم الكل دليله لتلزم الحجة، و[قد] بيَّنا مافيها من التناقض والإختلاف، وأنهم مع تجويزهم التقية على الأئمة عليهم السلام لانقبل قولهم، ولا روايتهم عنهم، لأنه يقال لهم: هذا من التقية، ولأنهم رووا عن الأئمة عليهم السلام روايات وجوزوا وقوع الأمر بخلافها، بل جوزوا ذلك على الأنبياء عليهم السلام، وتعدوا إلى رب العالمين، فأجازوا الكذب في وحيه على ألسنة ملائكته المقربين، وذلك ثابت فيما رويناه عنهم، وهم لاينكرونه لأنه برهانهم الذي اعتمدوه، وأصلهم الذي بنوا عليه، ولو اعتمدوا غيره لفارقهم أتباعهم لما ظهر لهم من تناقض الروايات.(1/214)


فروينا عنهم مامثاله: أخبرنا سلامة بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن داوود القمي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: سأل نوح ربه أن ينزل على قومه العذاب؟ فأوحى اللَّه تعالى إليه أن يغرس نواة من النخل فإذا بلغت وأثمرت، وأكل منها، أهلك قومه، وأنزل عليهم العذاب، فغرس نوح النواة وأخبر أصحابه بذلك فلما بلغت النخلة، وأثمرت، وأكل نوح منها فأكل وأطعم أصحابه، قالوا له: يانبي اللَّه، الوعد الذي وعدتنا، فدعا نوح ربه وسأله الوعد الذي وعده، فأوحى اللَّه إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ النخل، وأثمر، وأكل منه أنزل عليهم العذاب، فأخبر نوح أصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق: فرقة ارتدت، وفرقة نافقت، وفرقة ثبتت مع نوح عليه السلام، ففعل نوح ذلك حتى إذا بلغت النخلة، [وأثمرت]، وأكل منها نوح، وأطعم أصحابه، فقالوا: يانبي اللَّه، الوعد الذي وعدتنا فدعا نوح ربه، فأوحى اللَّه إليه أن يغرس الغرس الثالث فإذا بلغ وأثمر أهلك قومه، فأخبر أصحابه بذلك فافترقت ثلاث فرق: فرقة ارتدت، وفرقة نافقت، وفرقة ثبتت حتى فعل نوح ذلك عشر مرات، وفعل اللَّه مثل ذلك، وأصحابه الذين يبقون معه يفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك، فلما كان في العاشر جاء إليه من بقي من أصحابه الخلص المؤمنين فقالوا: يانبي اللَّه، فعلت بنا ماوعدت أم لم تفعل فأنت صادق، ونبي مرسل لانشك فيك، ولو فعلت ذلك مائة مرة، قال: فعند ذلك من قولهم أهلك اللَّه قوم نوح، وأدخل هؤلاء المخلصين معه في السفينة فنجاهم اللَّه عز وجل، ونجا نوحاً معهم بعد ماصفوا، وذهب الكدر عنهم.(1/215)

43 / 73
ع
En
A+
A-