وروى بإسناده عن يزيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: إنَّ صاحب هذه الأمر فيه شبهٌ من يوسف، ابن أمةٍ سوداء يصلح الله له أمره في ليلة واحدة، فهذا نصٌ من أصحابنا الإمامية رَووه عن إمام صادق إن القائم ابن أمةٍ سوداء، وابن الحنفية ابن عربيَّة سمراء، والنفس الزكية ابن قرشية زهراء، ويحيى بن عمر ابن جعفرية قمراء، ولو شرحنا فيهم لطال الشرح، والحسين بن القاسم عليه السلام ابن رومية بيضاء، فأي هؤلآء يقطع بصحة روايته، وأيهم يُردّ قوله، ولا أحد منهم إلاَّ وظاهره الصلاح، فلا أرجى لنا، ولا أرضى لربنا إلاَّ أن نرجع إلى الأدلة الموصلة إلى العلم، فمن جاءنا بشيء منها قبلنا قوله، ومن لم يأت ببرهان لم يقبل شيئاً من قوله، وعملنا بما دلَّت عليه الأدلة الموصلة إلى العلم، لأنَّ الدِين أكبر الشهادات، والله تعالى يقول: ?إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ?[الزخرف:86] فلا تجوز الشهادة بدون العلم، لأنَّ الله تعالى يقول: ?إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ?[الحجرات:12].
وروت الواقفة بإسنادها عن أبي حصين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول في صاحب هذا الأمر شبهٌ من أربعةٍ من الأنبياءِ: شبهٌ من موسى، وشبهٌ من عيسى، وشبهٌ من يوسف، وشبهٌ من محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وما شبه موسى؟
قال: خائف يترقب.
قلت: فما شبه عيسى؟
قال: يقال فيه ما قيل في عيسى.
قلت: فما شبه يوسف؟
قال: السجن والغيبة.
قلت: فما شبه محمد؟
قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاَّ أنه يبين آثار محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يضع السيف يمينه أشهر هرّجا هرجا، حتى يرضى الله تعالى [عز وجل].
قلت: وكيف يعلم رضى الله عزوجل؟
قال: يُلقِي الله في قلبه الرحمة، فهذا خبرٌ كما ترى وإن تضمن ذكر الغَيبة فهو يبطل قول القطعية بذكر السجن، لأنَّ الذين يدعون حياته لم يسجن.(1/201)


وذكر في سيرته الهرّج، والهرج: سفك الدماء من غير بصيرة ولا توقف، وهذا مخالف لدين آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل دلالة رضىَ الله وقوع الرحمة في قلبه، وليس هذا من العلم في شيء بل دلالة رضىَ الله تعالى العمل بمقتضى أمره، والوقوف دون مناهي زجره، وقد تبَّين ذلك في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ورفع إلى زرارة قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، فقلت: ولمَ؟ قال: يخاف، وأومى بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه ولا خلف له، ومنهم من يقول: حُمل، ومنهم من يقول: غائب، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله تعالى يحب أن يمتحن قلوب الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال فقلت له: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ فقال: يا زرارة، من أدرك ذلك الزمان فليدعُ بهذا الدعاء: اللهم، عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك. اللهم، عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك. اللهم، عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، ثم قال: يا زرارة، لا بد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك، أوَ ليس الذي يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة، لا يدري الناس في أي شيء جاء، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم، فعند ذلك فتوقعوا الفرج، فقد رأيت هذا الخبر ما أعجبه !! لأنَّه روَى عن أبي عبدالله عليه السلام أن المنتظر هو الذي يشك في ولادته، ولا يشك إلاَّ من لم يتيقن، فكيف يلزم الحجة مع الشك والإمامة فرضها بحصول العلم، ولا يثبت بالشهادة، ولا ما يجري مجراها من أخبار الآحاد، وهذا معلوم من موضوعات العلماء وعليه قامت الدلالة، لأنَّ الإمامة من باب الإعتقاد، والاعتقاد يجب المصير فيه إلى العلم، لأنَّه(1/202)


مالم يعلم أن معتقده على ما هو عليه لم يتمكن من القطع، وما لم يقطع فهو شاك، والشك لا يكون ديناً.
ورفع بإسناده إلى عبدالله بن عطاء المكي، قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن شيعتك بالعراق كثير، والله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبدالله بن عطاء، قد أخذتْ بفرش أذنيك النوكا والله ما أنا بصاحبكم، قلت: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عَميت عن الناس ولادته، فذلك صاحبكم، إنه ليس منَّا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلاَّ مات غيظاً أو حتف أنفه، فهذه روايتهم عن أبي عبدالله عليه السلام على أن الإمام المنتظر من عَمت عن الناس ولادته، وإذا صح أن ولادته عميت للناس بشهادة الإمام الذي لا مرية في قوله، فكيف تلزم حجته مع أنه قد شهد بأن ولادته عامية على الناس، فإمَّا أن يصحح الخبر فيسقط فرض الحجة، وإمَّا أن لا يحقق الخبر فيرجع إلى دليل ثاني، لأنَّ الولادة تنتهي إلى المشاهدة، ولا بد من حصول العلم الضروري لمن لزمه فرض ذلك، وإلاَّ كان ساقطاً، والاستدلال لا يتعلق حكمه بالمشاهدات.
ومثله رَوَاهُ عنه عليه السلام إلاَّ أنه قال في آخره: لا والله، ما أنا بصاحبكم، ولا يشار إلى رجلٍ منَّا بالأصابع، ولا يمط إليه بالحواجب إلاَّ مات قتلاً أو حتف أنفه، قلت: وما حتف أنفه؟ قال: يموت غيظاً على فراشه حتى يبعث الله من لا يؤبه لولادته، قلت: ومن لا يؤبه لولادته؟ قال: انظر من لا يدري الناس أنه ولد أم لا فذلك صاحبكم، وهذا كما ترى شبيه بالأول، وفيه زيادة أنه لا يؤبه، وفسّره بأنه لا يدري الناس ولد أم لا، فلا يخلو إمَّا أن يكون فرض اعتقاد إمامته واجباً على الجميع، أم لا، فإن قال بوجوبه وهو قولهم، قيل: فهل تعبَّدنا الله بإعتقاد إمامة من لا نعلم ولادته فضلاً عن اعتبار أحواله؟ فما هذا الغلط الفاحش والضلال البعيد والزيغ الشديد، فنسأل الله تعالى الثبات في الأمر.(1/203)


وروى عن أبي مريم الأنصاري، عن عبدالله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن القائم، قال: والله ما هو أنا ولا الذي تمدون أعناقكم إليه، ولا يعرف ولا يؤبه له، قلت: فَبِما يسير؟ قال: بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هَدر ما قبله واستقبل.
والكلام على هذا الخبر على نحو ما تقدم، لأنهم رووا عنه عليه السلام أنه قال: لا يعرف ولا يؤبه له، ومتى لم يعرف لم يلزم فرضه الكافة، لأنَّ الله لا يتعبَّد الخلق بما لا يعلمون، إذ التعبد بما لا يعلم قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه، وغناءهُ عن فعله، وعلمه باستغنائه عنه.
وقال عليه السلام على روايته لأهل عصره: ما أنا بصاحبكم، ولا الذي تمدون أعناقكم إليه، فإن أراد لست بإمامكم، فهذا خلاف مذهبهم، لأنَّه إمامهم، وإن أراد بالقائم المهدي فليس هو عليه السلام بصاحب لأهل ذلك العصر، لأنهم ماتوا قبله، ولا أصحابه إلاَّ من يقوم فيهم، والمراد تبيين وَهَن الحديث وضعفه، لأنَّ متن الحديث مالم يسلم من الإحتمالات فهو مختل لا يعمل به عند أهل العلم في باب العمل.
فأمَّا باب العلم فهو شيء آخر لا يقبل فيه إلاَّ ما يوصل إلى العلم فتأمَّل ذلك.
وروى بإسناده إلى إسحاق بن عمار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: للقائم غيبتان: إحداهما: طويلةٌ، والأخرى: قصيرة.
فالأولى منهما: يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته.
والأخرى: لا يعلم بمكانه [فيها] إلاَّ خاصة من موالي دينه.(1/204)


فهذا رواية كما ترى لا تصح مالم يقم الدليل على جواز الغيبة وصحة الإمامة معها، ثم يقع الحديث في ذلك بسقوط الفرض عن الأمة باعتقاد إمامته، لأنه لايجوز لهم اعتقاد مالم يعلموا، ولا يلزم ذلك إلا من علمه من شيعته أولاً، ومن مواليه ثانياً، ولا قائل بذلك إلا أن تكون الجماعة من الشيعة، والموالي عدة يلزم بخبرهم العلم فإن من بلغه ذلك لزمه فرضه، ومن لم يحصل له العلم سقط عنه، ولا قائل بهذا فإذاً الحديث مختل لمناقضة الأدلة، والأدلة لاتتناقض.
وروى عن إبراهيم بن عثمان الكناسي قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: لصاحب هذا الأمر غيبتان، وسمعته يقول: لايقوم القائم، ولأحد في عنقه بيعة.
وهذا الحديث الجواب فيه يتعين على الذي يقولون بغيبة الأئمة الذين عقدت لهم البيعة في أعناق الناس لأنهم عينوا أنه لايقوم ولأحد في عنقه بيعة.
وأما كلامنا عليهم فإنا نقول: طاعة الإمام بالإجماع فرضها وعصامها البيعة فعلى الإمام الدعاء إلى البيعة، وعلى المأموم الإجابة، فما لم يدعُ الإمام فبماذا تلزم الإجابة، والله تعالى يقول: ?يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ?[الأحقاف:31]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من سمع واعيتنا أهل البيت ولم يجبها كبه اللَّه على منخريه في نار جهنم))، والواعية هي الدعوة، وقد قال تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ?[يوسف:108].(1/205)

41 / 73
ع
En
A+
A-