ورفع بإسناده إلى عمرو بن مسعدة قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:(لا تقوم الساعةحتى تفقا عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء تلك دموع حملة العرش على أهل الأرض وحتى تظهر عصابة لا خلاق لهم، يدعون لولدي وهم برآءٌ منه، تلك عصابة ردية لا خلاق لها، على الأشرار مسلطة، وللجبابرة مفنية، وللملوك مبيرة، تظهر في سواد الكوفة يقدمهم رجل أسود القلب رثّ الدين لا خلاق له مهجن زنيم عُتل، قد تداولته أيدي العواهر من الأمهات من شر نسل، لا سقاه الله المطر من سنة إظهار غيبة المغيب من ولدي صاحب الراية الخضراء والعلم الأخضر إلى يوم الحسين بين الأنباء وهيت، ذلك يوم فيه ظلم الأكراد والسراة، وخراب دار الفراعنة، ومسكن الجبابرة، ومأوى الولاة الظلمة، وأم البلاء وأخت العار تلك ورب علي ياعمرو بن مسعدة بغداد، ألا لعنة الله على العصاة من بني أمية، وبني فلان الخونة، الذين يقتلون الطيبين من ولدي، لا يراقبون فيهم ذمتي، ولا يخافون الله عزوجل فيما يفعلونه لحرمتي، إنَّ لبني العباس يوماً كيوم الطهيوج، ولهم فيه صرخة كصرخة الحبلى، الويل لشيعة ولد العباس من الحرب التي تنتج بين رباوند والدينور تلك حرب صعاليك، شيعة علي يقدمهم رجل من همدان اسمه على اسم النبي منعوت موصوف، اعتدال الخَلق وحسن الخُلق، ونضارة اللون، له في صوته صخل، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع أقرن الشعر مفلج الثنايا، على فرسه كبدر تجلى عند الظلام يسير بعصابة خير عصابة أدت وتقربت ودانت لله بدين، تلك الأبطال من العرب، الذين يلحقون حرب الكريهة والدائرة يومئذ على الأعداء. إن للعدو يوم ذلك الصيلم والإستيصال، فهذا خبر صريح فيه بذكر الغيبة.(1/196)


ورفع بإسناده إلى رشيد بن ثعلب، عن أم هاني قالت: قلت لأبي جعفر عليه السلام محمد بن علي الباقر ما معنى قول الله عزوجل: ?فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ?؟[التكوير:15،16] فقال لي: يا أم هاني، إمام يخنس نفسه حتى ينقطع علمه عن الناس سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينك.
وروى مثل ذلك، رفعه إلى المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام في مجلسه ومعي غيري، فقال لنا: إياكم والتنويه، يعني باسم القائم فوالله ليغيبنَّ، سنيناً من الدهر وليخملنَّ حتى يقال: مات أوهلك في أي واد سلك، ولتفيضنَّ عليه أعين المؤمنين، ولينكفون كنكفي السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيَّده بروحٍ منه، ولترفعنَّ اثنتا عشر راية مشبهة لا ندري أي رأي رأيها.(1/197)


أمَّا الحديث الأول الذي رووا في تفسير قوله تعالى: ?فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ?[التكوير:15]، وإنه إمام يخنس فنقول: لا تستقيم لأن التفسير لا يكون إلاَّ من العقل أو النقل أو اللغة، فأمَّا العقل فلا دليل فيه على هذا ولا غيره، وأمَّا النقل فهو ما جاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه يأتي به من الله تعالى، وأمَّا اللغة فبحرها مسجور، وعلمها مشهور، في المنظوم والمنثور، فلا يسمَّى الإمام خنساً لغة ولا عرفاً ولا شرعاً، ولأنه تعالى قال: ?الْجَوَارِ الْكُنَّسِ?[التكوير:15]، فجعله بلفظ الجمع، ولو كان واحداً لقال: الخانس أو الخنَّاس، وهذه صفة الشيطان شَرُفَ عنها أولياء الرحمن، وكذلك في قوله: [و]الجوار جمع جارية الكنس لازمات الكناس، وقد قيل في تفسير الآية: إن المراد بها النجوم، وكنوسها غيبوبتها في النهار كما تغيب بقر الوحش في الكناس، وبعضهم قال: إنها بقر الوحش وهي [خنس الأنوف] وهنَّ موصوفات بالجري وتشبه العرب بها المهَارى وهو في الشعر كثير، ولزومهنَّ للكناس معروف، وفائدة القسم بهنَّ ما يتضمن خلقهنَّ وأحوالهنَّ من الدلائل على الله تعالى، لأن في خلقهنَّ عجباً عجيباً يدل على الصانع الحكيم كل لبيب، وكذلك في تعيينه لغيبته سنة ستين وما ئتين هو فرع على وجوده، والخلاف واقع في أمره على ما يذكره في موضعه، ولإن الإمام لا يجوز له أن يخنس عن الأمة، لأنه يريد تقويمها، فكيف يقومها ويصلحها مع الخنوس عنها، فهذا مما يدل على ضعف الخبر لأنه معارض للكتاب والسنة، لأن الله تعالى أمر الأئمة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر المسلمين عامَّة، وأمر الأئمة خاصة دون غيرهم بإقامة الحدود، وحفظ البيضة، وسياسة الجمهور، وسد الثغور، والغيبة تنافي ذلك [كله]، وفي الحديث نهى عن التنويه باسمه، والتنويه باسمه من فرائض الله في أمره لأنه لا يخاف من التنويه باسمه مضرة عليه، لأن الله تعالى حكى عن نبيه وخليله(1/198)


إبراهيم: ?وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ?[الشعراء:84]، فأراد أن يُذَكِّر ولا مخافة عليه على قولهم في انكتامه.
وأمَّا الرايات المشبهة، فإن أرادوا القائمين من ولد الحسن والحسين عليهم السلام سوى الذين عينتهم الإمامية فهذه عدّة كثيرة تدنو من الأربعين هؤلآء الأئمة السابقون عند الزيدية، ومن قال بقولهم من أهل العدل، فأمَّا من سواهم من القائمين فإنهم يدنون من المائة، وإن أراد من يدعي الإمامة من الغير فهم عدةٌ كثيرة، فما المعنى في تخصيص [الأثني عشرة] راية.
ورفع بإسناده إلى علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السلام، قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكم عنها أحد فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه، قال: فقلت: يا سيدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بني، عقولكم تضعف عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركوه.
ورفع بإسناده إلى المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبدالله: ما علامة القائم؟ قال: إذا استدار الفلك، فقيل: مات أو هلك، أو أي وادٍ سلك؟ قلت: جعلت فداك، ثم يكون ماذا؟ فقال: لايظهر إلاَّ بالسيف.
وذكر مصنِّف الكتاب: إن أبا عبدالله سُئِل عن استدارة الفلك؟ فقال: هو اختلاف الشيعة، وهذا تفسيرٌ لا يليق بالعلماء، فكيف بأئمة الهدى، لأن الشيعة لا تسمى فلكاً، فإن قيل: على وجه المجاز، فقل: لا يجوز العدول عن الحقيقة إلاَّ لمانعٍ، ولا مانع نعلمه هاهنا.
وذكر صاحب الكتاب: إن طوائف الشيعة مخالفة للشرذمة القطعية المقيمة على إمامة الخلف ابن الحسين بن علي عليهما السلام، لأن الجمهور قال من الشيعة يقول في الخلف أين هو؟ وأنَّى يكون هذا؟ وإلى متى يغيب؟ وكم يعيش هذا؟ وله الآن نيف وثمانون سنة.(1/199)


قال: فمنهم من يذهب إلى أنه ميت، ومنهم من ينكر ولادته ويجحد وجوده بواحدة، ويستهزئ المصدق به.
ومنهم: من يستبعد المدة، ويستطيل الأمد، وهذا قول مصنِّف كتاب (الغيبة)، وقد حكى فيه الإختلاف بل الخلاف من جمهور الشيعة في ثبوت ولادته ووجوده، ولا بد أن يكون الإمام معلوماً بحيث لا اختلاف فيهم لتقوم الحجة على من أنكره، لأنَّ من أنكر المنكور فهو عند الأحرار معذور، والإختلاف في استحقاق الإمامة فرع على العلم بالإمام، فتأمَّل ذلك، لأنَّ الذي ينكر وجوده يطلب إقامة الحجة على وجوده ؛ بحيث لا يمكن الإنكار ؛ لأنَّ الواجب على الله تعالى من طريق الحكمة أن يعرفنا ما تعبدنا به، وإلاَّ سقط عنَّا فرض ذلك.
وروى ما بلغ به مسلمة الثقفي، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: إذا فقد الناس الإمام مكثوا سبتاً لا يدرون آياً من أيٍّ ثم يظهر الله عزوجل لهم صاحبهم.(1/200)

40 / 73
ع
En
A+
A-