ومن كتاب (الرعاية لأهل الرواية) تأليف أبي الفتح محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الفرغاني، رفعه بإسناده إلى فرات بن حيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا فرات بن حيان، كيف أنت عند راية المهدي؟ قلت: يا رسول الله، وما راية المهدي؟ قال: رايته بيضاء ترفع في ربيعة في آخر الزمان من أتبعها اهتدى، قلت: يا رسول الله، أنا يومئذٍ حي، قال: إن العرب [يومئذٍ] لقليل)).
ومن الجزء الأول من كتاب (الإستيعاب) تأليف الحافظ أبي عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر النمري في باب جابر، عن جابر الصدفي، عن النبي صلى الله عليه وآله [وسلم] أنه قال: ((يكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء أمراء، وبعد الأمراء ملوك، وبعد الملوك جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجلٌ من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً)).(1/181)
ومن كتاب (الملاحم) لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبدالله المنادي روى بإسناده عن الحكم بن أبان، عن أبي المليح بن أسامة، عن حذيفة بن اليمان، قال: يكون في آخر الزمان فتن الحرشاء والبرشاء والصيلم، فأما الحرشاء فتكون في عهد خلافة ولد العباس، وأمَّا البرشاء فتكون في عهد رجل منهم لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ثم مر في الخبر والخبر الطويل ذكرنا منه الحاجة، ثم قال: وأمَّا الصيلم فقوم يخرجون من المغرب يغيرون الحق بالباطل، يدعون إلى رجل من قريش، سيماهم ودعواهم إلى النكرة، ويطلبون ولد العباس، فمن أدرك ذلك الزمان فليكن حلساً من أحلاس بيته، وهو السفياني، فلا يزال الناس كذلك حتى يخرج محمد الحسني المهدي من بلاد اليمن، فيبايع له بين المقام وزمزم ثم يخرج في أربعين رجلاً عليه عباتان قطوانتيان، ثم أنه يسير إلى الشام، فيقتل السفياني، ثم إنه يسير إلى بلاد الروم فيفتح بأصحابه بإذن الله قسطنطينية وعمورية ورومية فيفترعون بنات الأصفر، وينصدع له حائط رومية عن مال كهيئة الرمل كثير، فيقسمون بالسوية، فبيناهم كذلك إذ أتاهم الخبر أن الدجال قد خرج، فيتركون ما في أيديهم، ويتجارون إليه، فعند ذلك ينزل المسيح عيسى بن مريم فيقتل الدجال.(1/182)
[خلاصة الكلام في هذه الأحاديث]
فهذا هو الكلام في أن لا بد من المهدي عليه السلام، وقد صرَّح في بعضها أنه من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وبيَّن في بعضها المدة، ولا بد من الكلام في ذلك على سبيل الإختصار، أمَّا أنه من أهل بيته، وفي بعضها من ولد الحسن عليه السلام فقد كفى النص مؤنة التخريج والإستدلال لأنه لا برهان أفضل من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا حجة أقطع من قوله، وقد ورد من الأخبار بالمهدي مطلقة ومقيده بالاسم، ولا نعلم أحداً من رواة الحديث خاصة أهل البيت عليهم السلام واتباعهم وعامَّة العلماء رضي الله عنهم ذكر المهدي باسمه إلاَّ وسماه محمد بن عبدالله، أو قال: محمداً، وقال: يواطي اسمه اسمي، وفي آخره: واسم أبيه اسم أبي، ولما صعب الأمر على الإمامية وحصَّل منها من له تدقيق ونظر قال: إن الراوي غلط من أبي إلى ابني، فأراد أن يقول: واسم أبيه اسم ابني يعني الحسن لأنهم يقولون: إن الغائب المنتظر محمد بن الحسن وهو المهدي عندهم، فقال أبي غلطاً وأراد الحسين عليه السلام، وهو يكنى أبا عبدالله، فعدل عن الاسم إلى الكنية، وهذا تخريج بعيد، والظاهر ما قدمنا لأن مثل هذا التخريج لا يعوز أحداً [أن] يقول: غلط الراوي أو سها أو أراد كذا وكذا.(1/183)
وكذلك لما جاءت الرواية بكونه من أولاد الحسن، قال علامتهم أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلي قال: إن الراوي وهم فأسقط حرف الياء وأراد أن يقول: الحسين، فقال: الحسن، وما المانع لمن روي [له] أنه من أولاد الحسين أن يقول وهم الراوي بزيادة حرف، فقال الحسين وهو يريد الحسن، وقد وردت الآثار بظهوره من ولد الحسن عليه السلام كما ذكر الأكثر من أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلماء الأمة وبعضهم أجمل الحال فيه وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذرية فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وسنذكر ما جاء في أنه من ولد فاطمة عليها السلام.(1/184)
[التوقيت]
وأمَّا ذكر التوقيت فإنا نحمله على أن مدة إقامته بعد خلوص الأرض في يده وإطباقها على طاعته وهو سبع سنين أو ثمان أو تسع، والكل خير كثير، فالحمدلله تعالى، وفي بعض الأخبار عشرين سنة فيحمل ذلك على [أن] أكثر الأرض يستقصر أمره فيها عشرين سنة وتكون السبع أو الثمان أو التسع لعموم ملك الأرض بين أقطارها، لأن الأخبار متظاهرة بأنه يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً والضمير في الهاء عائد إلى الأرض بلا خلاف في ذلك بين العلماء، والواجب الجمع بين الأخبار ما أمكن لأنها ترجع إلى واحد لا يجوز الكذب في خبره ولا الخلف في وعيده ووعده، وكما أن الإمامية لم تتمكن على كثرة سعيها وسعة رواتها وتدقيق الخائضين بحور الكلام من أهل مقالتها، كالشريف المرتضى الموسوي ونظراء عصره [وبعد عصره]، وعلامة عصرهم أبو الحسين يحيى بن الحسن لم يتمكنوا من إنكار أن الإمام المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يسمَّى محمداً، واحتالوا للكلام في اسم أبيه بما ذكرنا، ولا يمتنع أن يكون اسم المهدي عليه السلام القائم المنتظر محمداً يعلمه ضرورة من علم قيام المهدي، وقول الإمام إبراهيم بن عبدالله عليه السلام: المهدي عدةٌ من الله وعدها نبيه أنه يجعل من ذريته رجلاً مهدياً لم يسمه بعينه ولم يؤقت زمانه، ولا إشكال فيه، نقول: إنه لم يعينه فيقول هو محمد هذا ولا يقول إنه يخرج لسنة كذا، وكذا الحديث الذي فيه: إن اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي قد ظهر في الأمة واشتهر وكاد لا يجهله الأعمّ الأكثر.(1/185)