حدثني جعفر بن سماعة، عن محمد بن الحسن، عن أبيه الحسن بن هارون، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إن ابني هذا - يعني أبا الحسن - هو القائم، وهو من المحتوم، وهو صاحب السيف، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قال: وحدثني يحيى بن زياد، عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر، قال: لما كان يوم الحسين عليه السلام وأحاطت به الخيول والرجال والسيوف ضج آدم وضجت الأنبياء من السماوات والأرض والجبال والبحور، وقالوا: يا رب، يصنع هذا بوليك وابن نبيك أفتأذن لنا فيهم، فأمر الله تعالى أن يُرْفَع سبعون ألف حجاب فإذا في جوفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين، فمثل إليه أبا الحسن قائماً، فقال: سأنتصر منهم بهذا القائم ولو بعد حين فأسكنوا.
قال: وحدثني عبدالله بن سلام بن عبدالله بن سلام بن شيبان، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إن من المحتوم إن ابني هذا قائم بهذه الأمة وصاحب السيف، وأشار بيده إلى أبي الحسن.
قال: وحدثني عبدالله بن جبلة، عن صالح بن أبي سعيد النماطي، قال: حدثني أبو عبدالله بن غالب، قال: أنشدت أبا عبدالله هذه القصيدة:
فإن كنت أنت المرتجى للذي نرى .... فتلك التي من ذي العلى منك نطلبُ
فقال: لست أنا صاحب القصة، ولكن هذا صاحبها، وأشار إلى أبي الحسن، قال: وحدثني أحمد بن محسن، قال: حدثني يحيى بن إسحاق العلوي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبدالله فسألته عن صاحب هذا الأمر من بعده؟ قال: صاحب البهيمة، قال: وأبو الحسن في ناحية الدار ومعه عناق مكية وهو يقول: اسجدي لله الذي خلقك، ثم قال: أما أنه الذي يملأوها قِسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
قال: وأخبرني سليمان بن داود، عن [علي] بن أبي حمزة، عن أبي نصرة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في صاحب هذا الأمر أربعة أشياء من أربعة أنبياء: شبهه من موسى، وشبهه من عيسى، وشبهه من يوسف، وشبهه من محمد عليه السلام.(1/166)
أمَّا موسى فخائف يترقب، وأمَّا يوسف فالسجن، وأمَّا عيسى فيقال: مات ولم يمت، وأمَّا محمد عليه السلام فالسيف، وهذا القدر الذي ذكرنا قليل من كثير مما رووه عن كل من توقفوا عنه وأضافوا إليه دعواهم فيه من أهل بيت النبوة عليهم السلام فإنهم رووا فيهم ولهم ومنهم من الروايات ما يجانس ما قدمنا، فأردنا أن ننبه ليميز العاقل بعقله ما يلزمه أن يعمل به، لأن هذه الواقفة روت ما قدمنا عن أبي جعفر ورجالهم في روايتهم رجال الإمامية ووجوههم كما ترى، فإن تصح هذه الرواية بطل قول القطعية، وإن بطلت هذه الروايات فبماذا تتوصل القطعية إلى إثبات ماتروم إلاَّ بمثل هذه الروايات، وقبول الجميع لا يصح، وكذلك يكون الكلام على من ادَّعى مثل دعواهم من الشيعة [و]جميع الفرق الذين وقفوا على إمام، وقالوا: هو غائب منتظر، فإنا نسألهم عن الدليل؟ فمتى جاءوا بمثل هذا قلنا: وأي رواياتكم نصحح؟ وأيها نقضي ببطلانه؟ وقد قدمنا ذكر من ذهبت طائفة من الشيعة إلى بقائه وأنه الإمام المنتظر، وما [به] فرقة منهم إلاَّ وهم يروون في صحة دعواهم أضعاف ما روينا عن الواقفة فذكرنا ما ذكرنا تنبيهاً على ما يجانسه.
والكلام عليهم جميعاً أنا نقول لهم: أعلمونا ما تذهبون إليه من حياة من ذكرتم من أهل البيت عليهم السلام وأنه الإمام الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أهو فرض خصّكم الله به فلا يعلمه إلاَّ أنتم؟ أم هو فرض من الله سبحانه على جميع المكلفين من بريته؟
فإن قالوا: هو فرض خاص وليس من قولهم.
قلنا: فالحمدلله على تخفيف الفرض عنَّا.
وإن قالوا: هو فرض على الجميع.
قلنا: أجعل الباري لنا إليه طريقاً أم لا؟
فإن قالوا: لم يجعل.
قلنا: فكيف يجوز مع عدله وحكمته أن يتعبدنا بما لا طريق [لنا] إليه.
وإن قالوا: جعل لنا طريقاً.(1/167)
قلنا: وما تلك الطريق عقل أم سمع، ولا طريق في العقل إلى ذلك ولا في السمع الذي هو الكتاب الكريم والسنة الشريفة المعلومة والأخبار المتواترة ليست حاضرة، بل روايتهم هذه عن الآحاد قاصرة.
فإن قالوا: أخبارنا هذه توصل إلى العلم. فلكل فرقة أن تقول لصاحبتها مثل ما تقول لها من أن أخباري هذه توصل إلى العلم، فأي الفرق أولى بالإتباع؟ ولأنا نعلم من نفوسنا خلاف ما قالوه مع البحث الشديد، والطلب الملح فإنا لانعلم شيئاً مما قالوه بل لا نظنه، والإمامة من أصول الدين فيجب المصير فيها إلى العلم اليقين، فتفهم ذلك موفقاً، [إنشاء الله تعالى].(1/168)
[الكلام في غيبة المهدي]
وقد ادعى كثير من الفرق غَيبة واحدٍ وهو المهدي بزعمه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجَوراً، فلا بد لنا أن نذكر ما بلغنا في أمر المهدي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة الهدى سلام الله عليهم، ونذكر ما تدعيه القطعية لأنها أكثر فرقة ممن يدعي غَيبة الإمام وأكثر من صنَّف في هذا الباب وروى، فببطلان ما ذهبوا إليه يبطل ما يجانسه ويبنى عليه، ومن الله نستمد التوفيق.(1/169)
اعلَّم أيدك الله أن الشيعة على اختلاف أقوالها بل الأمة إلاَّ الشاذ منها قالوا لا بد من المهدي، وهو إمامٌ يخرج في آخر الزمان، يملك الأرض بين أقطارها، ويخضع له أهل الأديان، ولا ترد رايته، ولا تدرك غايته، وتُخرِجُ الأرض له أفلاذ كبدها وهي كنوزها، ويفيض المال على الخلائق حتى لا يجد من يأخذه، وتنزل بركات السماء، وتخرج بركات الأرض، ويُخرِج أنهاراً لم تكن في مروج أرض العرب، ويديل الله به الحق على الباطل، وفي أيامه يقتل عيسى بن مريم عليه السلام الدجال لعنه الله، والرواية في بابه واسعة جداً، وإنما نذكر ما يتسع له هذا المكان، ومن الله تعالى نستمد التوفيق، فنروي من ذلك ما رويناه من كتاب (المحيط بالإمامة)، رواه الفقيه أبو الحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي رحمه الله، عن مصنفه علي بن الحسين بن محمد الزيدي شياه سريحان رحمة الله عليه، قال: حدثني والدي رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبو العلاء بن أبي سليمان العلوي بقزوين، قال: أخبرنا عبدالعزيز بن إسحاق المعروف بابن بقال، قال: أخبرنا أحمد بن حمدان بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن الأزهر، قال: حدثنا محمد بن كثير، عن أبي خالد، قال: سألنا زيد بن علي عليهما السلام عن المهدي أكائن هو؟ فقال: نعم، فقيل له: أمن ولد الحسن أم من ولد الحسين؟ فقال زيد عليه السلام: أما أنه من ولد فاطمة صلوات الله عليها، وهو كاين ممن شاء الله من ولد الحسن أم من ولد الحسين صلوات الله عليهم.(1/170)