قال: بينا نحن عند محمد بن علي الباقر عليهما السلام إذ قال له رجل يقال له: سعد من الأنصار: إن قوماً يأتوننا من قبل المشرق فيخبروننا بأحاديث، فإما نحن قومٍ ضللنا وإما قومٍ كتمنا فالحجة على من كتمنا، قال: وما هي ياسعد؟ قال: هي أعظم من أن أستطيع أن أواجهك به يا بن رسول الله، قال: فإني أعزم عليك بحقي إلاَّ جئت بها، قال: أما إذا عزمت عليَّ فسوف أخبرك، يزعم قوم أنك تعرف شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم، قال: أيه يا سعد، ما أظن من يستحل دماءنا وأموالنا يقول فينا هذا، قال: ويزعم قوم أنك تركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهباء فتصلي بهم يوم الجمعة بالكوفة ثم ترجع إلينا بالمدينة، ويزعم قوم أنكم ترجعون أنتم وعدوكم إلى دار الدنيا فينتصف الله لكم منهم بأيديكم، ويزعم قوم أنكم تأمرون نساءكم الحيض إذا هن طهرن أن يقضين ما جلسن عنه في حيضهن من صلاة، قال: ايه يا سعد، قال: حسبي أخرجني عن هؤلآء يا بن رسول الله قال: أمَّا قولك أني أعرف شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم فهذا بيتي له باب سوى هذا الباب ومنه يدخل أهلي، والله ما أدري من يدخل إليهم ولا من يخرج من عندهم، وما الذي يتحدثون به بينهم؟ فكيف أعلم ما نأى عني، وأمَّا قولك أني أركب بغلة رسول الله الشهباء فأصلي بهم يوم الجمعة بالكوفة ثم أروح إليكم إلى المدينة فوالله ما رأيت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قط، وما رأيت الكوفة في نومٍ ولا يقظة، وأمَّا قولك أنا سنرجع نحن وعدونا إلى دار الدنيا فنقتص منهم ما أتوا إلينا قبل يوم القيامة، فكفى بعقوبة الله نكالاً، والله لو نعلم ذلك ما خلفنا على نسائهم ولا أقتسمنا أموالهم ولا نكحنا نساءهم، والله إن كانت وصية الحسن إلى الحسين عليهما السلام أن قال: يا أخي، إن تحتي ثلاث نسوة فقد رضيت لك تتبعلهن، فاخلف عليهن بعدي فخلف(1/161)


على امرائتين منهن يا سعد، وإذا رجع الحسن والحسين عليهما السلام فلأي الرجلين تكون المرأتان، وقد كانت أسماء بنت عميس تحت جعفر بن أبي طالب فمضى شهيداً ثم خلف عليها أبو بكر من بعده، ثم خلف عليها علي [بن أبي طالب] من بعدهما، فإن رجع القوم فلأي الثلاثة تكون إذاً.
وأمَّا قولك: إنا نأمر نساءنا الحيَّض إذا طهرنَّ أن يقضين ما جلسنَّ عنه في حيضهنَّ من صلاتهنَّ فقد خالفنا إذاً كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، إذا كنَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين ترى ما ترى من النساء فكنَّ يقضين الصوم ولا يقضينَّ الصلاة، وقد كانت أمنَّا فاطمة عليها السلام ترى ما ترى النساء فتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولكنَّا نأمر نساءنا الحيض إذا كان عند وقت كل صلاة أن يضعن الطهور ويستقبلن القبلة من غير أن يدخلنَّ مسجداً ولا يتلون قرآناً فيسبحنَّ، وهذا كما ترى يشهد بخلاف ما انتحلته هذه الفرقة على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يرد في هذا الباب سوى هذا الخبر لكان كافياً مقنعاً، والحمد لله، فلنقتصر على ما ورد فيه إذ كان ميلنا إلى التنبيه لا إلى الإكثار.(1/162)


[الكلام عليهم في البداء]
ومما ذهبوا إليه البداء، والكلام عليهم فيه أن يطالبوا بالدليل، ولن يجدوه أبداً، لأن البداء من صفات المخلوقين، ويتعالى عنه رب العالمين، لأنه لا يبدو إلاَّ لمن يجهل الحوادث في مستقبل الأمور فيبدو له ما لو علمه في الإبتداء لم يقل ما قال أو لم يفعل ما فعل، والله يتعالى عن ذلك، فلو كان كذلك لم يثق بشيء من أخباره ولا أخبار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيؤدي ذلك إلى سوء الظن بالله تعالى، وإن أخباره عما يكون يجوز أن لا يكون فيكون ذلك كذباً، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين، فإن قيل فهذا قبح عليكم في أمور العاصين والمطيعين إذا أخبر تعالى بدخول هؤلآء النار وهؤلآء الجنة.
قلنا: الأخبار عمَّن هذه سبيله [مشروط] بالإستمرار على الطاعة، أو الإستمرار على المعصية، أو إقامة الموصوف على تلك الصفة بخلاف من يخبر بشيء على وجهٍ ثم يكون مخبره على غير ما هو عليه وهو على ذلك الوجه والحال، فاعلم ذلك.
قال شاعر العرب:
وليس تحجبني الأخلة إن بدا لي .... الرأي بعد الرأي أن أتقلب
فلما بدا له الخلاف ما كان يعلم تقلب، وقال آخر:
لو أن صدور الأمر يبدين للفتى .... كإعجازه لم تُلْفِه يتندم
ومثل هذا لا يجوز على رب العالمين، لأنه علام الغيوب ولأنه إذا بدا للخالق فالمخلوق أقرب إلى أن يبدو له فلا يوثق بوعد الأئمة ولا وعيدهم، لأنه يقال: بداء للإمام، فأخلف الوعد أو الوعيد فهذا ذم في سائر الناس، فكيف في صفوتهم، ويؤدي إلى أن لا يوثق بوعد الله تعالى ولا وعيده ولا إخباره عن الثواب والعقاب وجميع تفاصيل أمور الأخبار، ومن اعتقد ذلك خرج عن الدين عند المحقين من أهل الدين لأنه إلحاقٌ للنقص برب العالمين.(1/163)


واعلم أن للإمامية تخليطاً كثيراً قد ذكرنا صدراً منه في صدركتابنا هذا، من لدن عليٍ عليه السلام إلى أن وقف منهم من وقف على من يدعون أنه ولد الحسن بن محمد المسمى بالعسكري، ومنهم من ذكر أن الله تعالى نصَّ على اسماعيل بن جعفر على لسان جعفر بن محمد عليهم السلام، ثم بدا له تعالى عن ذلك، ونصَّ على موسى بن جعفر، فلذلك ذكرنا ما ذكرنا من الدليل على بطلان قولهم في البداء، ثم ذكروا أمر موسى بن جعفر عليه السلام، فكان فيه ما قدمنا من وقوف الواقفة عليه، وذكروا في ذلك أخباراً كثيرة نحن نذكرها، ليستدل العاقل بذلك على بطلان روايتهم فيما بعدها ببطلانها لأن الحال في الأمرين واحد ولا مخصص لتصحيح أحدهما دون الآخر، هذه أخبار روتها الإمامية، وهذه أخبار روتها الإمامية لأنهم لو طعنوا على غيرهم من الفرق لم يطعنوا على أنفسهم، وأما ما رووا أن موسى بن جعفر عليه السلام الإمام الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جَوراً وظلماً، وأكثروا في ذلك الرواية بالأسانيد، وكان من أمر موسى عليه السلام ما علمه الناس من قتل هارون الرشيد له، وأمر بذلك النصارى لعنهم الله، فلفوه في لحاف سمور وسدُّوا طرفيه، وقيل: غمَّوه، وقيل: بسطوا عليه وداسه الفراشون من النصارى لعنهم الله حتى مات إلى غير ذلك، ثم أحضروا الشهود على موته وبرائته من الجرائح وأخرجوه للناس فشهد عليه الخلق الأكبر.
اضطربت الإمامية اضطراباً شديداً، فبعضهم قال: إن الله تعالى بدا له كما قلنا فأمات موسى، ومنهم من قال: هو غائب ولا حقيقة لما علم من موته ضرورة، ولما أعجز النوبختي أبا سهلٍ تأويل الأخبار التي كانوا أوسعوا فيها لجأ إلى القول بالبداء، قال ذلك في الكتاب الذي أملاه علي بن الحسن بن موسى في الرد على الواقفة، وقال: يجوز أن يقول الله عزوجل إني أبعث زيداً ثم لا يبعثه، والأخبار التي رووها كثيرة وأسانيدها طويلة وإنما نذكر أسانيدها من مشاهير رواتها.(1/164)


فمن ذلك: ما رواه أبو محمد الموسوي، حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثني الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي، قال: حدثني جعفر بن سماعة، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن يسار، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: القائم أبو الحسن، قال: وأخبرني عن رجل من الأنماطي، قال: حدثني عبدالله بن وضاح عن يزيد الصائغ، قال: لما ولد لأبي عبدالله أبو الحسن عملت أوضاحاً وأهديتها إليه، فلما أتيت أبا عبدالله بها، قال لي: يا يزيد، أهديتها والله لقائم آل محمد.
قال: وحدثني أحمد بن الحسن التميمي، عن أبيه، عن أبي سعيد المدائني، قال: سمعت أبا جعفر يقول: إن الله تعالى استنقذ بني اسرائيل من فرعونها بموسى بن عمران وإن الله مستنقذ هذه الأمة من فرعونها بسميه.
قال: وحدثني يحيى بن زياد الطحان، عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر، قال: قال له رجل: جعلت فداك إنهم يروون أن أمير المؤمنين قال بالكوفة على المنبر: لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم [واحد] لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني يملأؤها عدلاً وقِسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فقال أبو جعفر..ثم قال: فأنت هو، قال: لا، ذاك سمَّي فالق البحر.
قال: وحدثني محمد الصيرفي، عن حسين بن سليمان، عن ضريس الكناسي، عن أبي خالد الكابلي، قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام وهو يقول: إن قارون كان لبس الثياب الحمر، وإن فرعون كان لبس الثياب السود ويرخي الشعور، فبعث الله عليهم موسى، وإن بني فلان لبسوا السواد وأرخوا الشعور [وأيم] الله ليهلكنهم الله بسميه، قال: وحدثني الحسن بن هاشم، عن محمد بن الحسن بن هارون، عن أبيه الحسن بن هارون، قال: قال أبو عبدالله: إن ابني هذا هو القائم، وهو من المحتوم، وهو الذي يملأوها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(1/165)

33 / 73
ع
En
A+
A-