مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
ضمن مشروعنا المتواضع في الاهتمام برصد وتسجيل وتحقيق كتب التراث الإسلامي في اليمن، وقع اختيارنا على مكتبة أحد أعلام الفكر الإسلامي وأئمة الآل الكرام الإمام الأعظم المجدد عبد الله بن حمزة عليه السلام، الذي كثر حوله الجدل كما هو الحال مع الشخصيات ذات التأثير العميق في الفكر وفي أحداث التأريخ ومن إيماننا بأن أفضل السبل لمعرفة وإنصاف مثل هذه الشخصيات هو قراءة واستيعاب نتاجها الفكري من خلال الآثار التي تركتها والمصنفات التي ألفتها، بذلك نستطيع التعرف على الحقيقة إن كان الغرض الوصول إليها، والبحث عنها بتجرد، وقد كثرت الكتابات عن هذا الإمام العظيم في عصرنا بين قادح ومادح، ومنتقد ومؤيد، وكانت هذه الكتابات مع الأسف الشديد غير مستندة على حقائق علمية كافية وشواهد تاريخية وافية، هذا مع افتراض حسن النية والتجرد.
كما أن غياب الحقائق الشرعية والفقهية المدونة في تراث الإمام الخطي والتي انطلق منها واستند إليها في كل تصرفاته وأعماله والجهل بها كان سبباً رئيسياً في عدم دقة وموضوعية الأحكام والدراسات التي كتبت عنه، لذلك كان إخراج تراث هذا الإمام إلى النور من الأولويات التي حرصنا عليها وسعينا إلى تقديمها بين يدي القارئ الكريم، نسأل الله جل وعلا أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وفيما يلي لمحة موجزة جداً عن المؤلف والمكتبة التي نحن بصدد تحقيقها ونشرها.(1/11)


المؤلف
الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن علي بن الأمير حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن، وبقية نسبه تقدمت مع نبذة شافية عنه في تقديم المولى العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي.
ولد هذا الإمام العظيم في أواخر شهر ربيع الآخر من سنة561 للهجرة، ونشأ في ظل أسرة علوية كريمة فاضلة، وكان مولده بعيشان من ظاهر همدان، ختم القرآن صغيراً وأخذ عن أبيه حمزة بن سليمان، والشيخ المحقق الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ عمران بن الحسن الشتوي، والشيخ علي بن أحمد الأكوع، والشيخ حميد بن أحمد بن الوليد القرشي، والشيخ حنظلة بن الحسن، والشيخ أحمد بن الحسن بن المبارك.
وبكر إلى دراسة العلوم فحصلها بهمة عالية، وعزيمة صادقة، ونهل أكثر فنون العلم بفكر صائب وذهن وقاد حتى أصبح من أئمة العلم والأدب والبلاغة والجهاد.(1/12)


طلب العلم في زمن كان فيه العالم الإسلامي ممزقاً شر تمزيق، تحكمه دول الجور والطغيان، وتتناهبه الدويلات والممالك المتشرذمة. واليمن وهو الجزء الصغير من هذا العالم الإسلامي الواسع ممزق أيضاً، تتنازعه دويلات وقبائل شتى فقد كانت بلاد عدن وأبين وتعز تحت حكم آل زريع، وبلاد ذمار ومخاليفها تحت سلطة مشائخ جُنب، وصنعاء وأعمالها حتى حدود بلاد الأهنوم تحت سلطان علي بن حاتم اليامي الهمداني، وبلاد الجوف وما إليها في يد السلاطين آل الدعام، وصعدة وما إليها في يد الأشراف أحفاد الهادي يحيى بن الحسين، وشهارة وبلادها تحت قبضة أولاد الإمام القاسم العياني، والجريب وما إليه من بلاد الشرف في يد أولاد عمرو بن شرحبيل الحجوري، وتهامة الشامية إلى حدود حرض مع الشريف وهاس بن غانم بن يحيى السليماني، وبلاد زبيد إلى حدود حرض في دولة عبد النبي بن علي بن مهدي الرعيني الحميري، هكذا نشأ الإمام المنصور إلى الثامنة من عمره، وهذه حالة اليمن، ثم جاءت دولة الأيوبيين فقضت على كل هذه الدويلات لتستبدل الجور بالجور، والطغيان بالطغيان، والتسلط بأضعافه وذلك شأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها.
ذلك هو الواقع السياسي، أما الواقع الفكري والديني فحدث ولا حرج، المجبرة والمشبهة والحشوية في كل زاوية، والباطنية تتمركز في أهم مناطق اليمن وتتحالف مع هذا السلطان أو ذاك، والمطرفية تكاد تسيطر على كل الهجر وتمد قبضتها إلى كل المدارس، وبقايا الأفكار والمذاهب تنجم من هنا وهناك تحت مسميات شتى فيها الحق والباطل، والناس (شذر مذر) كما يقال (اتباع كل ناعق).(1/13)


وفي هذا الجو المليء بالمتناقضات نشأ الإمام وقرأ، وخَبِرَ العصر والمصر ورأى ما هاله فانطلق إلى الجهاد في سبيل الله، وكانت دعوته الأولى سنة583هـ في بلاد الجوف، ومنها انطلق إلى صعدة فتلقاه الأميران العالمان الكبيران عماد الدين يحيى وبدر الدين محمد أبناء يحيى بن أحمد بن يحيى يحيى، فبايعاه، وبدأ جهاده لكن دولة الأيوبيين بقيادة السلطان طغتكين كانت في أوج قوتها، وما هي إلا فترة بسيطة وقد استولت على كل مناطق اليمن، ووجد الإمام نفسه بلا نصير بعد ما خاض مع هؤلاء معارك حامية، ولكنه لم يستسلم بل عكف على العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى كانت سنة593هـ، انطلق من جديد في دعوته العامة الثانية بعد موت السلطان طغتكين، وبدأ في السيطرة على مناطق اليمن منطقة بعد أخرى، وانضم إليه قادة الأيوبيين الفارين من ظلم وطغيان المعز إسماعيل بن طغتكين، فتمكن من بسط نفوذه على صنعاء وذمار سنة594هـ، ثم ما لبث أن خرج منها ليعود إليها من جديد بعد ذلك، ويبقى في كر وفر، يسيطر على هذه المنطقة تارة ويفقدها أخرى، إلا أن دعوته وصلت إلى الجيل والديلم وطبرستان وأطراف الحجاز، ووصل إليه من هذه البلدان جماعات وأوصلوا إليه كافة الحقوق، وكاتب الملوك، وأخاف العباسيين في بغداد، فأرسلوا إلى مناوئيه الكثير من المؤن، ونفقات القتال كي يتمكنوا من القضاء عليه، وهو في كل هذا، وفي خضم هذه الأحداث الفارس البطل الشجاع، العالم، العامل، المجاهد، إلى أن توفاه الله سنة614هـ.(1/14)


مصنفاته
زادت على أربعين مصنفاً، من أشهرها كتاب (الشافي) في أربعة مجلدات، يتضمن الرد على صاحب الرسالة الخارقة، وكتاب (حديقة الحكمة النبوية في شرح الأربعين السيلقية) وعشرات الكتب والرسائل التي تضمها مكتبته التي طبع منها ما سلف ذكره، وتحت الطبع الكثير ضمن مشروع تحقيق وإخراج مكتبة هذا الإمام إلى النور، وقد تم بحمد الله الانتهاء من تحقيق أغلب كتب الإمام الذي يمثل الكتاب الذي بين يديك أولها وهي:
أولاً: المجموع المنصوري وسمي في مخطوطة آل الوزير الذي عثرنا عليها في هجرة السر باسم (العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين).
والحقيقة أن (العقد الثمين) كتاب واحد من كتب المجموع المنصوري التي انتهينا من تحقيقها والتي ستصدر تباعاً ويشتمل على قرابة من خمسين كتاب ورسالة وبحث هي كالتالي:
1- كتاب العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، وهو هذا الكتاب العظيم الذي بين يديك والذي يشتمل على تثبيت دعائم مذهب آل البيت والرد المفحم على من يحاول الانتماء إليهم وهو على غير طريقتهم في أهم الأصول.
2- كتاب الرسالة الهادية بالأدلة الباقية في بيان أحكام أهل الردة، وقد خصصه الإمام للكلام على المطرفية وأورد فيه الأسس والأحكام التي استند إليها في التعامل معهم، وفيه الكثير من المسائل التي تفسر تصرفات الإمام حيال هؤلاء.
3- كتاب الرسالة الموسومة بالدرة اليتيمة في تبيين أحكام السبا والغنيمة وهي جواب مسائل وردت من ناحية قطابر حول أحكام ديار الحرب والمحاربين الذين في دار الإسلام وبعض أحكام المجبرة والمشبهة، وتغيير المنكر وعدمه على حسب الأحوال، وبعض أحكام الردة وحوادث الارتداد في التأريخ الإسلامي، ثم مبررات وأحكام تكفير بعض الفرق وتبيين بعض ما جرى على آل البيت عليهم السلام إلى غير ذلك.(1/15)

3 / 73
ع
En
A+
A-