عليهم السلام مستحيلة، لأنا قد روينا عليهم خلاف ما روت الإمامية، وليس بأن تصح رواياتهم وتبطل روايتنا أولى من العكس، فلا يرجعون إلاَّ إلى التقية وسنتكلم عليها كما وعدنا.
ونقول في هذا الموضع: من الأمور ما لا يجوز فيه التقية من ذلك التلبيس في الدين لأنه مما لا يمكن تلافيه ولا من الإمام لأنه يكون هادياً لاملبساً كما قال تعالى: ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7] فلو لبس على أي وجه كان، كان بأن يسمى ملبساً أولى منه بتسميته هادياً، ولو صحت عندنا أخبار آحاد لتكلمنا على كل واحد منها، وكما أن النص صريح صحيح على ولديه عليهما السلام لم يتمكن أحد من الأمة من النزاع في نفس الأخبار، وإنما تأولها من نازعنا فيها وتأول صرفها عن وجوهها، وأردنا بما ذكرنا من آثار الإمامية حجة عليهم وتنبيهاً لغيرهم، بأن الآثار [إذا] رويت في الأمور التي يلزم الكافة تعرفها، فإنها لا تقبل وإن كثرت [وكثرت] رواتها ما لم تصح بأدلة صحيحة قوية، عقلية أو سمعية، فتفهم ذلك أيها الناظر موفقاً إن شاء الله تعالى.(1/126)


[عصمة الإمام والكلام في ذلك]
وإمَّا أنه لا بد من كونه معصوماً، فالدليل على بطلان ما ذهبوا إليه فيه، [أنه لا بد من دليل عليه]، وما لا دليل عليه من الإمور الدينية قضي ببطلانه، أما أنه لا دليل عليه، فلأن من خالفهم في ذلك يطالبهم بالدليل إلى يوم الناس هذا، فلم يتمكنوا من ذلك من كتاب ولا سنة ولا دلالة عقل ولا إجماع.
أمَّا الكتاب والسنة فلا يطمعون بذلك منهما، ودلالة الإجماع هم ينفونها إلاَّ أن يكون الإمام في المجمعين، فكيف يكون إجماع الإمام دليلاً على الإمام أو أحواله، وإن راموا الدليل فنحن في طلبه، ومن حقه أن يكون معلوماً، وإنما تعلقوا بشبهة نحن نذكرها وندل على بطلانها، قالوا: إنما نقول بعصمته لأن يبلغ إلينا الأحكام فما لم يكن معصوماً لم نقطع بصحتها.
قلنا: الأحكام قد علمناها من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا نحتاج بعد عصمته إلى عصمة غيره.(1/127)


[أدلتهم على وجوب العصمة والرد عليها]
والأحكام على وجهين: ما يجب علمه، فقد علمناه بالتواتر، وما لا يجب علمه فتعبدنا فيه بغالب الظن، وقولهم يجب المصير في جميع الأحكام إلى العلم قول باطل، لأن كتبهم مشحونة بالإختلاف، وذلك معلوم لهم وللناس، ولا يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بشيء إلاَّ ويجعل لنا الطريق إليه، وقد بحثنا كما بحثوا، وطلبنا العلم من آبائنا عليهم السلام ولد الحسن والحسين عليهم السلام جميعاً، فحصل لنا العلم في المعلوم، والظن في المظنون، ولأن غيبة الإمام مانعة لنا من حصول العلم بما ذكروا أن العلم فيه معه، فإما أن يسقط عنا التكليف ولا قائل به، وإما أن يكلفنا الباري ما لا سبيل إلى علمه، والتكليف بما لا يعلم قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح، وإمَّا لأنه حافظ للشريعة هذا قول بعضهم، قلنا إن الله تعالى [عليه] حفظها، ليلزم المتعبدين فرضها، وإلاَّ فما يوجب ذلك عليهم، وهو سبحانه لعدله وحكمته لا يكلف إلاَّ ما يطاق، ولا يكلف إلاَّ ما يعلم، وإما أن النفوس إليه أسكن، فالنفوس إلى النبي أسكن منها إلى الإمام، وإن كلَّمنا تعالى ولا واسطة بيننا وبينه فالنفوس إليه أسكن، ومنزلته أرفع، ولكن التعبُّد إنما يرد على قدر ما يعلم الله تعالى من المصلحة، والمصالح غيوب لا يعلمها إلاَّ الله تعالى، ولهذا خاطبنا سبحانه بالجلي كما خاطبنا بالخفي، وقال تعالى:?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...? إلى قوله: ?وَهُمْ رَاكِعُونَ?[المائدة:55]، وأجلى من ذلك إنما إمامكم علي بن أبي طالب بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز لأحد التقدم قبله بالإمامة، ويجعل ذلك بلفظ القرآن يتلى في المساجد والصلوات.
فإن قالوا: قد كان وحذف، وبُدّل وغُيّر وزِيد في القرآن، ونقص، وكتم بعضه.(1/128)


قلنا: لا يجوز ذلك لأن لقائلٍ أن يقول ما أنكرتم أنَّ القرآن قد عورض بمثله ولكن كُتم ذلك، وما أنكرتم من ورود التعبد بصلاةٍ سادسة والحج إلى بيتٍ آخر، وصيام شهرٍ مع رمضان إلى غير ذلك، وإنما كتم ذلك وكان في المحذوف من القرآن، وهل يتكلم بذلك عاقل، وهذا كتاب الله تعالى يشهد بالحجج الظاهرة على كل مخالف، والمعلوم ضرورةً أنَّ منه ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?[الحجر:9]، وقد ورد الخبر بحفظه ودخول الكذب لا يجوز في خبره، وأمَّا أنه تنبيهٌ للغافلين فإنما التنبيه تحذيرٌ، والتحذير يحصل من كل محذِّر، لأنَّ دفع الضرر المعلوم يستوي العقلاءُ في علم وجوبه، ودفع الضرر المظنون يجب فيما يغلب في الظن صدقه.
فإن قيل: لكلام الإمام مزية.(1/129)


قلنا: لكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مزيةٌ عليه فهلاَّ أبقى الله نبيه، ولأنه ينتقض بزمان الغيبة لأنه لو تعلق تكليفنا به، لأحضره الله إلينا وعصمه من الناس فلا يصلون إليه ببلغة كما جعل لنبيه، ولأنه لا يتمكن من مشافهة جميع أهل الآفاق بنفسه، وإنما يكفي في ذلك رسله وولاته وقضاته ولم يشترط أحدٌ عصمتهم، فكما كفى ذلك في لزوم التكليف من لم يشافهه، كذلك يكفي في لزوم التكليف لنا تذكير من يذكرنا من المسلمين، وجواز الخطا على المذكر لا يسقط حكم التذكير، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ائتمن أمناءَ فخانوا فلم يقدح ذلك في أمره، أمر نهار بن الحارث إلى أهل اليمامة ليرشدهم في الدين فشهد لهم بنبؤة مسيلمة، وأمر الوليد بن عقبة يجبي الصدقة فرجع إليه يخبره بالكذب وأنَّ القوم منعوا حتى همَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغزوهم، فنزل إليه الوحي بفسقه وجاء القوم في أثره يطلبون المصدق فقال تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ?[الحجرات:6] وغير ذلك، وكذلك فإنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ائتمن عبدالله بن العباس وولاه البصرة فاحتمل مالها وارتحل به إلى الطائف، ولو عددنا من خان من عمال عليٍ عليه السلام لطال الشرح وإنما نذكر نكتةً، والحسن بن علي عليه السلام قدَّم على مقدمته عبيدالله بن العباس فباع دينه من معاوية، وهرب إليه وخلى عسكره فكان من أكبر النوازل على الحسن [بن علي] عليه السلام الملجئة له إلى التخلي عن الأمر، والحسين بن علي عليه السلام خانه أهل العراق وغروه حتى خرج بأهل بيته وحريمه فَقُتِل هو وأهل بيته عليه السلام، وكان في حريمهم ما كان، ولكن قد نصب للمكلفين من معلوم الأدلة من العقل والسمع ما يلزمهم الحجة، [فإن خانوا فلله عليهم الحجة] البالغة، ولأن سائر(1/130)

26 / 73
ع
En
A+
A-