أمَّا الذي قال باثني عشر خليفة من قريش فروى فيه آثار كثيرة ترجع في المعنى إلى القضا باثنى عشر خليفة على الجملة، وذكر الإسناد ما يؤدي إلى الإطالة فإنما نذكر الرجل الذي اسندوا إليه الرواية، ونذكر متن الحديث لأنه بزعهمهم الحجة من ذلك ما أنهاه إلى جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش))، ومن ذلك ما بلغ به أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثنا عشر قيِّماً من قريش)) وروايتهم بإثبات الألف في الأثني عشر، ومثله وصل به جابر بن سمرة قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، ثم تكلم بشيء لم أفهمه، قال بعضهم سألنا القوم عنه، فقالوا: قال: كلهم من قريش، وطرَّقوه من جابر بن سمرة بطرق كثيرة في ألفاظ الحديث اختلاف، وهو يرجع إلى معنى واحد ورفعوه إلى أبي جحيفة، قال محمد بن عبيد وهو يخطب وعمي بين يدي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش))، قال فنكت في كتفه يعني عمه فقلت: أي عمّ ما الذي قال؟ قال، فقال: كلهم من قريش، ورووه عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يكون بعدي اثنا عشر خليفة، ومن روايتهم إلى عبدالله بن مسعود رفعوه إلى مسروق قال جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود فقال: أحَدَّثكم نبيكم عليه السلام كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال نعم، وما سألني عنها أحد قبلك، وإنك لأحدث القوم سناً يكون بعده عِدَّة نقبا بني اسرائيل، ورووه بطريق أخرى إلى عبدالله بن مسعود قال كنَّا جلوساً إلى عبدالله بن مسعود يقرئنا القرآن، فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن، سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق، سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اثنا عشر عدة نقبا بني(1/111)
اسرائيل.
ورووا ذلك إلى عبدالله مكرراً بألفاظ متقاربة، ورووا عن علي عليه السلام أحاديث كثيرة في ذلك نروي منها في ذلك ما يكون دليلاً على ما وراءه فهو جنسه. من ذلك ما بلغوا به علياً عليه السلام أنه قال لطلحة: ألست تشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة معه ولا تختلف؟ فقال صاحبك ما قال: أن رسول الله يهجر؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركها؟ قال: [بلى] وشهدته؟ قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليه العامة وأن جبريل أخبره أن الله عزوجل قد علم بأن الأمة تختلف وتفترق ثم دعا بصحيفة فاملا عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة [رهط] سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذي أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة فسمَّاني أولهم، ثم ابني هذا حسناً، ثم ابني هذا حسيناً، ثم تسعة من ولد ابني هذا حسين كذلك يا أبا ذر وأنت يا مقداد قالا نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(1/112)
ومن ذلك رواياتهم أن علياً عليه السلام لما جرت المراسلة بينه وبين معاوية أيام صفين على يدي أبي هريرة وأبي الدرداء في حديث طويل زبدته قال فيه هذه الآيات نزلت فيَّ، وفي أوليائي خاصَّة ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ....?[المائدة:3]، إلى آخر الآيات فهي فيَّ وفي أوصيائي هذه رواية علي عليه السلام قال: فقال سلمان: يا رسول الله فسمهم قال: ((علي أخي [ووصيي ووزيري] ووارثي وخليفتي في أمتي ومولى كل مؤمن بعدي وأحد عشر إماماً من ولدي أولهم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه حتى يردوا عليَّ الحوض))، فهذا طرف مما رووه على بعض الإجمال، وروينا منه قليلاً من كثير في هذا الباب، وإنما ذكرناه على وجه التنبيه على ما وراءه والحكم في الجميع واحد.(1/113)
فأمَّا ما رووه على وجه التفصيل فشرحه يطول، وله غررٌ من العجائب وحجول، فمن ذلك حديث الصحيفة، وفيه بعض الطول، ونحن نذكر أكثر مما يليق بهذا الموضع منه، رفعه [روايه] إلى أبي عبدالله عليه السلام قال قال لي جابر بن عبدالله الأنصاري لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فيها فأسألك عنها، فقال جابر: في أي الأوقات أحببت فخلا به يوماً، فقال يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعما أخبرتك [به] أمي فاطمة مما في ذلك اللوح مكتوب، قال جابر أشهد بالله لا شريك له إني دخلت على أمك فاطمة صلى الله عليها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهنأتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يدها لوحاً اخضر ظننت أنه زمردة، ورأيت [فيه] كتاباً أبيض شبيه نور الشمس فقلت لها بأبي وأمي أنت ما هذا اللوح؟ فقالت هذا لوح أهداه الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيه اسمي واسم ولدي وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليبشرني بذلك، قال جابر فدفعته إليَّ عليها السلام فقرأته ونسخته، [فقال له أبي] عليه السلام فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ، قال نعم فمشى معه أبي إلى منزله، فأخرج أبي عليه السلام صحيفة من رق، وقال يا جابر انظر في كتابك حتى أقرأ أنا عليك فقرأ أبي عليه السلام عليه فما خالف حرف حرفاً، قال جابر أشهد أني رأيت ذلك هكذا في اللوح مكتوباً: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لمحمد نبيه ونوره، وحجابه وسفيره ودليله، [به] نزل الروح الأمين من عند رب العالمين، يا محمد عظم أسمائي وأشكر نعمائي ولا تجحد آلآئي، إني أنا الله لا إله إلاَّ أنا، قاصم الجبارين، ومُديل المظلومين، وديان يوم الدين، وإني أنا الله لا إله إلاَّ أنا، فمن رجا غير فضلي، وخاف غير عذابي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فإيَّاي فاعبد وعليَّ فتوكل، إني لم أبعث نبياً(1/114)
فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاَّ جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمت سليليك وسبطيك الحسن والحسين، فجعلت الحسن معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت الحسين جاري وحبي فأكرمته بالشهادة، وختمتُ له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد فيَّ، وأرفع الشهداء درجةً عندي، وجعلته كلمتي التَّامة، وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أوَّلهم سيد العابدين وزين أوليائي الماضيين وابنه سمي جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرَّاد عليه كالرادّ عليَّ، حق القول مني لأكرمنَّ مثوى جعفر، ولأسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجت بعده فتنةٍ عمياء، إلاَّ أن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، فأوليائي بالكائن الأوفى، يسقون أبداً، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليَّ، فويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، المكذب به كالمكذب بكل أوليائي، فهو ولي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وامتحنه بالإضطلاع بها وبعده خليفته علي بن موسى يقتله عفريت مستكبر، ويدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين خير خلقي إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده، ووارث علمه، وهو معدن علمي، وموضع سري وحجتي على خلقي، جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين ألفاً من أهل بيته كلهم قد استوجب النار، واختم بالسعادة لابنه علي ولييّ وناصري، والشاهد في خلقي واميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى، يستذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما يتهادى رؤس الترك والديلم، سيقتلون ويحرمون، ويكونون خائفين وجلين مرعوبين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويغشو الويل [والزنه] في نسائهم أولئك بحق علي أن أدفع عنهم كل عمياء(1/115)