[أصولهم في الإمامة والغيبة]
وأصول مذهبهم إن الإمامة تجب عقلاً وإن الحاجة إلى الإمام ماسّة في الدين والدنيا، وإنه بمنزلة اللطف، ومنهم من قال: بمنزلة التمكين، ومنهم من قال بمنزلة المسهل، ومنهم من قال منبه، ومنهم من قال مبين إلى غير ذلك، مما سنذكره إن شاء الله تعالى، ولا يجوز تعري العقلاء منهم عن التكليف في دار الدنيا، والتكليف مداره على الإمام كما قدمنا وهم لا ينازعوننا إنه لا إمام موجود يشافهه المكلفون ولا يراسلونه من ثلاثمائة وأربعين سنة، فلا يخلو إما أن التكليف ساقط عن المكلفين من ذلك اليوم إلى يومنا فلا قائل به، وأما أن التكليف يحسن مع فقد اللطف والتمكين والتسهيل والتبيين على اختلاف قولهم فيه، وهم لايقولون بذلك والدليل يمنع منه، ولأنهم لم يجعلوه بمثابة اللطف والبيان إلى سائر ما قالوه إلاَّ ليبينوا إمامته للزوم الحاجة إليه، ولأن الله تعالى يجب عليه إزاحة [علة] المكلف ليلزمه أحكام التكليف ويحسن [فهو] قادر على ذلك كما فعل في عصمة الأنبياء قبل التبليغ حتى تلزم بهم الحجة، ولله الحجة البالغة فلو عاقها عائق لكانت قاصرة، ولم تكن بالغة وقد شاركهم كثير من الشيعة في ادعاء الغيبة لإمام منتظر وهو المهدي الذي بشر الله به. في الشيعة من ادعى غيبة محمد بن القاسم صاحب الطالقان عليه السلام ومنهم من ادعى غيبة يحيى بن عمر عليه السلام، ومن أصحابنا من ادعى غيبة الحسين بن القاسم عليه السلام، وأنه الإمام المهدي الذي بشر الله به.(1/106)
[مبررات الرد على الإمامية]
وإنما خصصنا الإمامية بالكلام لوجوه منها أنهم [أنكروا] منصب الإمامة وخصوا بها أولاد الحسين لا لأجل النسب، ولكن لأجل النص حتى لو أن النص ورد في غيرهم لما قالوا بثبوتها فيهم، وهذا كلام المحصلين منهم، وإن كان بعضهم قال منصبها ولد الحسين وثبوتها بالنص للأخبار الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [عليهم] في ذلك.
ومنها [أنه] لم يصنف أحد في صحة دعواه، وروى مثلهم ولا تشدد فيها تشددهم، ومنها لانتقاصهم القائمين من أئمة الهدى عليهم السلام، وافترائهم عليهم وأذيتهم لهم وتخذيل الناس عنهم، فكانوا أقوى عون للظلمة الجبارين، حتى أنهم لو انفقوا أموال الدنيا في عداوة الذرية ما بلغوا بجلدهم وقتالهم وإنفاق أموالهم ما بلغت الإمامية بجهلهم وضلالهم، لأن بني العباس قدرتهم لا تجاوز في الصرف عن الذرية ظواهر الناس، وهؤلآء باعتقادهم الفاسد صرفوا الظواهر والبواطن عن مودة القائم على الظالمين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ولد الحسن والحسين عليهم السلام، ومن النصرة له.
ومنها أنهم جوزوا التقية على المؤمنين ثم على الأئمة، ثم على الأنبياء، ثم منهم من أجازها على رب العالمين تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومنها أنهم اليوم أكثر فرقة في الدنيا تدعي غيبة الإمام، ومنها أن غيبة الإمام الذي زعموا غيبته كانت قبل صحة العلم بوجود غيبته في الدنيا، فكانت دعواهم فيها أعجب الدعاوي، فلهذا خصصناهم بالرد ووجهنا الخطاب إليهم، وكل ما بطل [به] قولهم بطل ما شاكله من أقوال من يدعي الغيبة في الإمامة على الوجه الذي ذكروه.(1/107)
ولا بدنا نروي ما صح لنا بالأسانيد الصحيحة في أمر المهدي عليه السلام من طريق الإمامية خاصةً ليكون أقطع لشغبهم، وأبلغ في الإحتجاج عليهم، وإلاَّ فهو روايتنا من غير طريقهم بأكثر من طريق، فعلى المكلف أن ينظر لنفسه بعد أن يوفي شروط النظر من أن ينظر في الدليل، وفي وجه دلالته، ويكون مجوزاً غير قاطع، فمن نظر في صحة شيء وقد قطع على خلافه لم يثمر نظره علماً، وإنا لنرجو متى نظر العالم على الوجه الذي ذكرنا فإنه يصيب سبيل الرشد لأن الخطر جسيم، والأمر مهم عظيم، ولو كان الخلاف في باب الإمامة فضلاً عن هذه التوابع من حياة أوغيبة إنما يتعلق بباب الشهادة في الأموال التي ألزمتها الأحكام الشرعية في ربع الدينار فما فوقه ودونه، لكان على العاقل الإهتمام في ذلك والإحتياط والنظر حتى يكون على بصيرة من أمره، فقد جاء الشاهد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن الشهادة، فأراه الشمس، وقال: ((على مثلها فاشهد وإلاَّ فدع))، فإذا كان هذا التشدد في الأشياء التافهة فكيف يقع الإسترسال في سبيل النجاة، ومنهاج السلامة، وأصلٍ قوي كبير من أصول الدين، فنسأل الله تعالى الثبات في الأمر والتوفيق لما يحب ويرضى.(1/108)
[دعواهم ثبوت الإمامة بالنص في شخوص معلومة، والعصمة، والتقية، والرجعة]
اعلم أن الكلام مع الإمامية يتعلق بوجوه كثيرة، إلاَّ أنا نذكر المهمَّ منها، فما عداه يرجع إليه في المعنى وإن خالفه في اللفظ فمتى بنينا على سقوط قولهم في أصول مقالتهم سقط ما ابتنى على ذلك، الأول دعواهم ثبوت الإمامة بالنص ظاهراً، جلياً، معلوماً، ضرورياً لشخوص معلومة علي بن أبي طالب عليه السلام، وولدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين.
ومنها أنَّ ذلك المنصوص عليه لا بد أن يكون معصوماً حتى ربما رفعوا حاله عن الأنبياء بأن جعلوه معصوماً عن كل صغير وكبير.
ومنها أنه لا بد من ظهور المعجز على يديه، ومنها أن لا بد من علمه بجميع المعلومات من الغيوب والشهادات، ومنها أن الإمام ممن ورد عليه النص، والنص يكفي في كونه إماماً وإن أغلق بابه وأرخى ستره ولم يبل عذراً في جهاد أعداء الله وإعزاز دينه.
ومنها أن التقية دين الأئمة والأنبياء عليهم السلام، وربما تعدوا إلى رب العالمين، ومنها أن المهدي لدين الله هو ولد الحسن بن محمد العسكري فمنهم من يقول محمد، ومنهم من يقول لا يسمَّى ولا يدرى ما اسمه، واجمعوا على غيبته وعلى ظهوره مع تجويزهم على الله تعالى البداء.
ومما أجمعوا عليه الرجعة، ولا بد من الكلام في كلٍ وجهٍ من هذه الوجوه مما يقتضيه الحال على وجه الإختصار.(1/109)
[النصوص والكلام في بطلانها]
أمَّا الكلام على النص فلا يحسن أن نتكلم في بطلانه مالم نذكر كلامهم فيه حتى نتكلم على شيء معين فلهم في النص مذاهب [كثيرة] نذكرها جملةً ونذكر من كل شيء منها ما تيَّسر، فأما ذكرها على سبيل الجملة بعد اتفاق كلمتهم على أن الإمامة لا تصح إلاَّ بالنص، فاختلفوا في ذلك فبعضهم قال جاء النص باثني عشر خليفة من قريش، ولا نجد من يصلح [أن يكون] إماماً إلاَّ هؤلاء الإثني عشر الذين سميناهم، ومنهم من قال: ورد النص بأن الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام، قالوا فأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأئمة من ولده بعدد نقباء بني اسرائيل، وهذا قول [سقط] من مقام رجل قائله لأنهم عدوا تسعة من ولد الحسين لا غير، ومنهم من ذكر النص مفصلاً بالأسماء والشخوص، ومنهم من اعتمد اللوح، وروى فيه ما يرويه، ومنهم من أوصل النص إلى الباقر عليه السلام وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد ابني محمد تكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين، وبقيت لهم بعد ذلك أقوال إلاَّ أنها في حكم ما لا يعتمده أهل التحصيل منهم، فأضربنا عن ذكرها.(1/110)