ومنها: خبر الأمة لأنهم لا يجمعون على ضلالة، ومنها خبر واحد بمشهد خلق عظيم فيدّعي عليهم مشاهدة أمرٍ من الأمور فلا ينكرونه، فنعلم بالإستدلال صدقه؛ لأن العادة في مثلهم، لتباين أغراضهم أنه لا يصح عليهم التواطئ على الكذب، ولا تصديق الكاذب، ولا الترك والفعل لأمر يدل على صدقه، وهو في أمر مشاهد لا يصح دخول الإلتباس فيه، بخلاف ما لو ادعى في باب الإعتقاد وصدَّقوه؛ لأن الإعتقاد مما يصح فيه الإلتباس.
ومنها لو قدرنا حصول إخبار مخبِر بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو ادعى على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحضرته العلم بأمر أخبر به فإنَّا مثلاً نعلم بالإستدلال صحة هذا الخبر.
ومنها خبر تلقته الأمة بالقبول كما قلنا في خبر الثقلين الكتاب والعترة، فإنَّا نعلم بالإستدلال صحته؛ لأنا لا نعلم وجهاً نصرف إليه قبول الأمة له إلاَّ علمها بصحته، لأن أغراضهم متباينة، وهو حجة على بعضهم، ولولا علمهم بصحته لكفاهم [من] أن يقولوا لا نعلم صحة هذا الخبر.(1/91)


ومنها أن تعمل الأمة بموجب خبر بعد اختلافها قبله، فإنَّا نعلم بالإستدلال أن عملها بموجبه لأجل علمها بصحته عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا الإخبار يحصل به العلم من طريق الإستدلال، كأن نقول: هؤلاء عدد لا يجوز على مثلهم التواطئ في مجرى العادة وإن جرى التواطؤ ظهر في مجرى العادة لتباين أغراضهم، وينقلون خبراً سالماً من الإحتمال ينتهي إلى المشاهدة، وما لا يجوز فيه اللبس ولا بد من حصول العلم به، وإلا انتقضت العادة، وانتقاضها لايجوز فلا بد من حصول العلم، وبهذه الطريق حصل لنا العلم بكثير من أصول الشرائع كالنص على أمير المؤمنين وعلى ولديه عليهم السلام، وهذا على أبلغ وجهٍ سلمناه للخصم، وإن كنَّا ندعي في خبر الغدير والمنزلة حصول الضرورة، وكالعلم بكثير من أحكام الصلاة والزكاة والحج والصيام إلى غير ذلك، وأحكام قتال البغاة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى غير ذلك.(1/92)


فأمَّا القسم الثالث: وهو ما يحصل به غالب الظن من الأخبار، فهذا المسمى بأخبار الآحاد وهو ما يجمع ثلاث شرائط، أحدها أن يكون سليم الإسناد من المطاعن، سليم المتن من الإحتمالات، متخلصاً من معارضة الكتاب والسنة، فمتى حصل على هذه الشرائط صح العمل به في الأحكام دون الإعتقاد والأصول، وفي كل نوع من هذه الضروب الثلاثة التي ذكرناها خلاف كثير وفروع يبتني عليه فاضربنا عن ذكرها خشية الإطالة، ومتى أختل شرطٌ من الشروط الثلاثة، إمَّا أن يطعن في رجال سنده أو في أحدهم أو يكونوا مجاهيل أو أحدهم، فإنه لا يصح، وكذلك إذا كان محتملاً لوجوهٍ بعضها صحيح وبعضها فاسد، لم يكن من يريد تصحيحه بحمله على الوجه الصحيح أولى ممن يريد إفساده بحمله على الوجه الفاسد، فتتساوى صحته وفساده فيسقط، أو يكون معارضاً للكتاب العزيز وهو معلوم، أو للسنة الشريفة وهي معلومة، فكيف نترك المعلوم للمظنون؟ فهذه قاعدةٌ بنينا عليها ولا يمكن الخصم نقض شيءٍ منها، لكونها ثابتةٌ بالأدلة.
فينبغي أن يرد إليها كل خبرٍ ورد فيما يدعى في الإمامة أوفروعها أو أحكامها ليكون العاقل على معلوم من أمره.(1/93)


[فصل في فرق الإمامية]
فلنرجع إلى ذكر فرق الإمامية قبل الكلام عليها، فأول فرقة بعد من قدمنا ذكره، انفردت باسم الجعفرية زعموا أن الإمام بعد محمد بن علي الباقر، جعفر بن محمد عليهما السلام، ثم افترقت الجعفرية ست فرق، وإنما نذكر فرقهم لننبه الغافل ؛ لأن كل فرقةٍ منهم روت فيما ذهبت إليه روايةً أسندتها إلى جعفر عليه السلام، وأوجبت على خصمها قبول ما روت، فأيها بالإتباع أولى؟.(1/94)


[الناووسية]
فمنهم (الناووسية) زعموا أن جعفراً عليه السلام حيٌ لم يمت، وهو القائم المهدي، الغائب المنتظر، ولا بد من رجوعه ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت [ظلماً وجوراً]، ولقبوا برئيسٍ لهم يقال له ابن ناووس من البصرة.(1/95)

19 / 73
ع
En
A+
A-