[ختام الخبر عن زيد عليه السلام]
فنقول: ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى الإمام المرشد بالله رفعه إلى عبدالله بن عباس قال بينا علي عليه السلام بين أصحابه إذ بكى بكاءً شديداً حتى لثقت لحيته فقال له الحسين عليه السلام: يا أبت مالك تبكي؟ فقال: يا بني لأمور خفيت عنك انبأني بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما أنبأك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: يا بني لولا أنك سألتني ما أخبرتك لكيلا تحزن ويطول همك أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر حديثاً طويلاً، قال يا علي كيف أنت إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض، من طولها والعرض؟ قلت يا رسول الله من هو؟ قال يا علي رجل أيَّده الله بالإيمان، وألبسه قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابةٍ يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير الأعوان، فيقتله الأحول ذو الشنئان، ثم يصلبه على جذع [من] رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسيان، حتى يكون رماداً كرماد النيران، ثم يصير إلى الله عزوجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان.(1/86)
[حديث الرافضة]
وذكر الحديث يطول إنما المقصود منه الزبدة في أمر زيد بن علي عليه السلام، وقد روينا بالإسناد الموثوق به أنه عليه السلام لما قام ودعا جاءته فرقة من الشيعة الرافضة، فقالوا له: لست الإمام، قال ويلكم فمن الإمام؟ قالوا ابن أخيك جعفر بن محمد، قال إن قال هو الإمام فهو صادقٌ، قالوا الطريق خائف ولا نتوصل إليه إلاَّ بأربعين ديناراً، قال هذه أربعون ديناراً، قالوا: إنه لا يظهر ذلك تقية منك وخوفاً، قال: ويلكم إمامٌ تأخذه في الله لومة لائم إذهبوا فأنتم الرافضة، أخبرني بذلك أبي، أنتم عدوي في الدنيا والآخرة.(1/87)
[مذهب الإمامية في ولد علي عليه السلام]
فهذا ما تقرَّر عليه مذهب أهل الحق من العترة الطاهرة عليهم السلام، ومن اتبعهم من علماء الإسلام، وذهبت الإمامية إلى أنَّ الإمام بعد الحسين بن علي عليه السلام علي بن الحسين عليه السلام، ثم ابنه محمد بن علي عليه السلام، ثم من بعده من ولد محمد بن علي إلى أن ينتهي قول القطعية منهم، و[هم] عدَّدهم ورجالهم إلى اثني عشر إماماً، منهم تسعة من ولد الحسين عليه السلام، وعلي والسِّبطان تمام الإثنى عشر، وآخرهم بزعمهم الغائب المنتظر، على رواياتهم من كتبهم الكثيرة أنه لا يصح العلم بولادته، ولا صحة كونه موجوداً في الدنيا فضلاً من تصحيح ما يدعى له، وجعلوا النفي دلالة الإثبات، قالوا لأخبار رووها: إنه لا يعلم مولده، وربما قالوا: ولا يعلم اسمه ثم سمُّوه بعد ذلك، وهي أمور عجيبة لا بد أن نذكر طرفاً منها ليستدل العاقل على صحة ما ذهبنا إليه، ومنهم فرق قبل ذلك لا بد من ذكرهم وتعيينهم وتحقيق أقوالهم وإبطالها إن شاء الله تعالى وتعيين أكثر رجالهم وتحقيق طرف من أحوالهم.(1/88)
[نقض نص الإمامية ودعواهم]
واعلم أن عمدة أمرهم هو النص الذي بنوا عليه مقالتهم، فإن صح النص سلمنا لهم، وإن بطل النص بطل ما بنوا عليه من أقوالهم، وعلى أن مقالتهم لها فروع، نحن نذكر طرفاً منها منبهين على بطلانه بما يكفي من الأدلة دون الإستقصاء في أمره والإنتهاء إلى غايته، إذ الغرض المقصود تصحيح ما ذهبنا إليه بإبطال ما سواه، ولا بد من إبطال شبههم التي اعتمدوها وجعلوها أدلة، وكذلك [لا بد من إبطال] دعواهم في الأئمة عليهم السلام من العصمة، وعلم الغيب وظهور المعجز، وجواز التقية، وجواز الغَيبة، ولا بد من رواية بعض ما يعرض في ذلك من أهل البيت عليهم السلام الذين هم القدوة في الدين، ويكون الإعتماد في ذلك أصلاً نبني عليه على الأدلة الموصلة إلى العلم ؛ لأن الإمامة من إصول الدين المهمّة، وأركانه القوية، فكيف يوقف من أمرها على ظنون ووهوم وأخبار آحاد أو على أخبارٍ تنافي الكتاب الكريم وظاهر السنة الشريفة، وما تقضى به [من] دلالة العقل من البراهين الواضحة والأعلام اللاّئحة، ولولا ميلنا إلى الإختصار لذكرنا إمامة الحسن بن الحسن عليه السلام في مقابلة دعواهم في علي بن الحسين عليه السلام، ولذكرنا بيعة ابراهيم بن الحسن عليه السلام وما [كان] يمكن آل الحسين عليهم السلام أن يتوصَّلوا به إلى دعوى النص على أئمة منهم في نسق مطرد وتكون الشبهة في ذلك أقوى، ولكن الحق أحق أن يتبع ومن الله نستمد التوفيق والهداية، ومتى أردنا أن نتكلم في النص فلا بد من تقديم فصلٍ في الأخبار وأحكامها؛ لأن أكثر مدار الإمامية ومن يتكلم في الإمامة، والغَيبة، والإنتظار، والتقية، والمعجز، والعصمة، وتكفير مخالفهم ونجاة مواليهم، وإن ركب الكبائر إلى غير ذلك على الأخبار.(1/89)
[فصل في الأخبار]
فنقول وبالله التوفيق، ومنه نستمد الهداية: الأخبار على ثلاثة أضْرُب منها ما يوجب العلم الضروري، ومنها ما يوجب العلم الإستدلالي فيحتاج إلى بحثٍ وتأمل، ومنها ما يوجب غالب الظن ولم نقسم إلاَّ الأخبار التي يصح استعمالها في الأمور الدينية، ولم نذكر حد الخبر ولا حقيقته، ولا المخالفين في أحكامه واختلافهم لأن غرضنا الإختصار.
فالعلم الضروري: كالعلم بالملوك والبلدان وما جرى مجرى ذلك فإنه يحصل لنا لا من طريق معينة، ولا ينتفي عنَّا بشك ولا شبهة، بل من أنكر العلم بذلك خرج من حد العقلاء كمن ينكر وجود مكة، وبغداد في الدنيا، وينكر بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعواه النبوة، وأنه ما كان في الدنيا ملك يقال له كسرى، ولا مَلِك يُقَال له قيصر، إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى، فهذا هو القسم الأول.
وأمَّا القسم الثاني: الذي يعلم صحة مخبره بالإستدلال فينقسم إلى وجوه كثيرة، فمنها الخبر من الله سبحانه، فإنَّا نعلم صدقه، لأنا قد علمنا عدل الله سبحانه وحكمته وغناه عن القبيح مع علمه بقبحه، فلا يجوز عليه القبيح، والكذب من أكبر القبائح، فنعلم صدق ما أخبرنا به تعالى، وإن كان بعض الإمامية قد أجاز على الباري تعالى التقية، فجوَّز عليه الكذب، وهذا كفر من قائله فلا يعتد به، ولا يعَدُّ في فرق الإسلام، وخلافهم فما جاء عن الله تعالى من الإخبار علمنا صدقها بهذا الإستدلال، وهو أن الكذب لا يجوز عليه تعالى، ولا التعمية لحكمته وغناه.
ومنها خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتى علمناه بالتواتر، أو سمعناه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علمنا صدقه لأن المعجز الظاهر على يديه من قبل الله تعالى بمثابة التصديق له، والله تعالى لا يجوز لعدله وحكمته أن يصدّق الكاذب؛ لأن تصديق الكاذب كذبٌ، والكذب لا يجوز على الله.(1/90)