وبإسناد المرشد بالله عليه السلام رفعه إلى الشريف أبي عبدالله، قال أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن حاجب قراءة عليه قال: حدثنا محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا اسماعيل بن اسحاق الراشدي قال: حدثنا يوسف بن كليب عن سليم عن كليب عن عبدالملك قال: سألت الحسين بن علي بن الحسين فقلت: أحِبُّ أن تعطيني موثقاً من الله أن لا تجعل بيني وبينك تقية، فقال: يا كليب لا تثق بقولي حتى تأخذ مني يميناً، سل عمَّا بدا لك، قال: قلت له: أخبرني عن هذا الأمر أول الناس إسلاماً أبوك علي، وأشد الناس نكايةً في عدوالله وعدو رسوله أبوك علي، وخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبوك علي، فكيف صار الأمر حتى صار يعطي المال على بغضه ويقتل الرجال على حبه؟ قال: لأن العرب كانت في شر دار، وذكر قصة قال في آخرها ثم ولُّوا عثمان ثم نقموا عليه، فقتلوه، ثم بايعوا علياً طائعين غير مكرهين، ثم نكثوا بيعته من غير حدث، ثم قام علي عليه السلام بالكتاب، فَقُتل علي وبقي الكتاب، ثم قام به الحسن بن علي، فَصُنع بالحسن ما قد بلغكم وبقي الكتاب، ثم قام الحسين فَقُتِل وبقي الكتاب، ثم قام به زيد بن علي فَقُتل زيد [بن علي] وبقي الكتاب، ثم قام به يحيى بن زيد فقتل يحيى [بن زيد] وبقي الكتاب، ثم قام به محمد بن عبدالله، فَقُتِل محمد وبقي الكتاب، ثم قام ابراهيم بن عبدالله فَقُتِل ابراهيم وبقي الكتاب، فنحن مع الكتاب، والكتاب معنا لا نفارقه حتى نرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحوض، حجةً من الله على هذا الخلق كما كان النبيون حجةً على من بعثوا إليهم.(1/81)
فهذا رأي أئمة أولاد الحسين عليهم السلام وفقهائهم في زيد بن علي، وذلك رأي أولاد الحسن عليهم السلام، قد روينا بالأسناد الموثوق به إلى عبدالله بن الحسن عليه السلام، وهو الكامل في آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه كان يُقال من أفصح الناس؟ فيقال: عبدالله بن الحسن، فيقال: من أصبح الناس؟ فيقال: عبدالله بن الحسن، فيقال: من أعلم الناس؟ فيقال: عبدالله بن الحسن، فيقال: من أحلم الناس؟ فيقال: عبدالله بن الحسن.
وكان جميع أهل عصره لا يعدلون به من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً، فكان يختصهم هو وزيد بن علي عليهما السلام في أوقاف علي صلوات الله عليه، فإذا فرغا من خصمتهما، وقاما إلى دابتيهما وثب عبدالله بن الحسن فلزم ركابه وسوَّى ثيابه، فيعرف الناس بذلك تفضيله له على نفسه.
وروينا بالإسناد الموثوق به إلى المرشد بالله عليه السلام: رفعه إلى علي بن عثمان قال: سألت علي بن عبدالله بن الحسين، [قلت:] جعلت لك الفداء أكان جعفر إماماً؟ قال: نعم في الحلال والحرام، قال: فقلت: فكان زيد إماماً؟ قال: أي والله إمامنا، وإمام جعفر.
ومما رويناه بالإسناد إلى الحسين بن علي بن الحسين الذي يقال له الحليم عليهم السلام قال: سمعت أبي علي بن الحسين عليهما السلام يقول: من دعى إلى الحق فأجاب إلى ذلك الداعي الذي دعاه إلى الحق، فقد نصر الله ونصر رسوله، ونصر الداعي الذي دعاه إلى الحق، ونصر الحق، وكفى بها شهادة للداعي والمجيب، قال الحسين بن علي بن الحسين: وكان أخي زيد بن علي قائلاً بالحق، داعياً إلى الحق، ناصراً للحق [جاهداً]، جاهد والله أعداء الله، وأعداء رسوله، واستشهد على ذلك.
فهذا كما ترى شهادة أفاضل آل الحسين عليهم السلام لزيد بن علي عليه السلام بالإمامة، فكيف يدعي الجهال لهم ما لم يدعوا لأنفسهم لولا الخذلان، نعوذ بالله منه.(1/82)
[خروج الإمام زيد بن علي عليه السلام]
وكان زيدٌ عليه السلام قد وعد أصحابه للخروج ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، فخرج قبل الأجل لمبادرة القوم له بالطلب، فخاف أن يوقف عليه وهو على غير أهبة، فخرج ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم، في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن اسحاق، فرفعوا الهرادي فيها للنيران ونادوا بشعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ديوانه قد انطوى من أهل الكوفة على خمسة عشر ألف مقاتل، غير أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان، والرَّي وجرجان، فلم يف له إلاَّ القليل، وسلك أهل العراق معه مسلكهم مع جده الحسين [بن علي] عليه السلام، فلما ظهر واجتمع إليه من اجتمع، وأقبلت إليه جنود أهل الشام، وكانوا في اثني عشر ألف مقاتل من أهل الشام سوى جند العراق، فحمل عليهم عليه السلام في أصحابه كأنه الليث المغضب فَقُتِلَ منهم أكثر من ألفي قتيل بين الحيرة والكوفة، وظهرت آيات النصر له ولأوليائه، ولكن الناس إختاروا الذل على العزّ، والعذاب على المغفرة، فنعوذ بالله من سوء الإختيار. وعمل يوجب الخلود في النار، واستقبل زيد عليه السلام الناس فقال أين الناس؟ فقيل: إنهم حشروا إلى المسجد وحبسوا فيه، فقال ما يسعنا عندالله خذلانهم فهزم عليه السلام جنود أهل الشام حتى أتى المسجد فصاح بأهل المسجد: الخروج وما كان معهم من يقدر على منعهم، ولكن أخلدوا إلى الدنيا وخذلوا من وجب عليهم نصره، وصاح بهم نصر بن خزيمة العبسي رحمه الله فقال: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز، اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة، وأدخل أصحاب زيد الرايات من عقود أبواب المسجد على القوم حجة عليهم، فتغافلوا عن ذلك لشقاوتهم، فلما كان يوم الخميس اشتد القتال، فحمل عليهم زيد بن علي عليه السلام وأصحابه فَقُتِلَ من أهل الشام أكثر من مائتي فارس، فلما كان يوم الجمعة باكروه بالقتال، فحاربهم يومه، وقد انصرف(1/83)
أكثر الناس عنه.
وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى العقيقي رحمه الله، قال: حدثني جدي قال: حدثنا عباد قال: حدثنا سعيد بن خيثم قال: لما تفرق أصحاب زيد عنه، وحصرت دار الرزق، ولم يبق من الناس إلاَّ ثلاثمائة رجل، جاءنا يوسف بن عمر في عشرة آلاف مقاتل قد صفهم صفاً خلف صف، حتى لا يستطيع أحد يلوي عنقه فجعلنا نضرب فلا نرى إلاَّ النار تخرج من الحديد، فظهرنا عليهم وقتلنا منهم مقتله عظيمة، وجاء سهم فأصاب جبين زيد، فأنزلناه وانحزنا به إلى دار امرأة من همدان، وقد ظنوا أن انصرافنا على جاري عادتنا في المبيت، وقد كرهونا وهابوا قربنا ويئسوا من الظهور، فلما صار في بيت المرأة، كان رأسه في حجر محمد بن سلمة الخياط، ورجلاه في حجر أخٍ له، فقال: أين يحيى؟ فجاء يحيى فأكبَّ عليه، وقال: ابشر يا أبتاه تَرِد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: أجل يابني، ولكن ايش تريد أن تصنع؟ قال أريد والله أن أقاتلهم ولو لم أجد إلاَّ نفسي، قال فافعل يا بني فوالله إنك لعلى الحق وأنهم لعلى الباطل، وإن قتلانا في الجنَّة، وقتلاهم في النار، ثم قال: قين قين، فجئناه بحداد فنزع السهم وكانت نفسه معه فهذه مدَّة زيد عليه السلام ثلاثة أيام، فيالها من أيام ما أشرف وأنفع أثرها في دين الله، فتحت باب الجهاد للمجاهدين، وكشفت الغطاء عن أعين الغافلين، وميَّزت بين المحقين والمبطلين، وصدَّقت قول الله سبحانه [في قوله] ?وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ?[النساء:95]، كيف يكون إماماً من أغلق بابه عن نصرة المستضعفين، وأرخى ستره فرقاً من سطوة الظالمين، فلقد جاءت الرافضة شيئاً إدَّاً، وبعدت عن الصواب جِّداً، إذ رامت هدم قواعد الدين الصليبة بواهن فرعها، وهزم صلاب ثوابت الأدلة بمتذاب جمعها، نفخت في غير ضرام، ورامت قلع ركني شمام، وفرقت بين الذرية الزَّكية، كما فرقت اليهود والنصارى بين أهل(1/84)
النبوة.
ولم يختلف أحدٌ من أهل العلم الحافظين أصوله [في] اتفاق الذرية الزَّكية على تصحيح إمامة المستحق [من] الذرية، وقد روينا من كتاب الأنوار الذي قدمنا سنده ما وصلنا به إلى أبي السدير قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فأصبنا منه خلوة فقلنا اليوم نسأله عن حوائجنا كما نريد، فبينا نحن كذلك إذ دخل زيد بن علي عليهما السلام، وقد لثقت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر بنفسي أنت ادخل فأفض عليك من الماء، ثم اخرج إلينا قال: فخرج إلينا متفصّلاً، قال الشريف أي مبتذلاً، قال: فأقبل أبو جعفر يسأله، وأقبل زيد يخبره بما يُحتجُّ عليه، والذي يحتج به [قال] فنظروا إلى وجه أبي جعفر يتهلل، قال: ثم التفت إلينا أبو جعفر فقال: يا أبا السدير هذا والله سيد بني هاشم إن دعاكم فأجيبوه، وإن استنصركم فانصروه، وإذا قد أتينا على هذا القدر، فإنما الغرض الدلالة على بطلان قول الإمامية ومن سلك مسلكها من الروافض في التفريق بين الذرية، وإنكار قيام القائمين من العترة المرضية، وإثباتهم إمامة من لا يدعي الإمامة لنفسه، ولا يجاهد الظالمين بسيفه، ولسنا نريد في [كتابنا] هذا الإستقصاء على الآثار الواردة في زيد عليه السلام وأتباعه فهي تستغرق كثيراً لا يحتمله الكتاب، فلنذكر خبراً واحداً نختم به قصة زيد عليه السلام، ثم بعد ذلك نرجع إلى الكلام على الرافضة، ومن سلك مناهجها.(1/85)