الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
ولم نذكر سند هذا الخبر بهذه الطريق إلاَّ تبركاً بذكر من ذكرنا فيه من الصالحين من أهل البيت عليهم السلام، وأشياعهم، ومن طريق العامة وشيوخهم، وإن كان لا حاجة إلى ذكر شيء من طرقه لظهوره واشتهاره، وتلقي الأمة له بالقبول جميعاً، فرقة متأولة له، وفرقة عاملة بمقتضاه في أمرِ الدين، فلحق بالأخبار الواردة في أصول الدين، فلا حاجة إلى ذكر طرقه، والحال ما ذكرنا، فهذا هو الكلام في باب صحته.(1/76)
[الإحتجاج بالحديث]
وأمَّا ما يتعلق ببيان الإحتجاج به، فقد ثبت في ظاهر الخبر ثبوتاً لا يمتري فيه أهل صحة النظر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساوى بين العترة والكتاب في وجوب الإتباع، وذلك ظاهر في لفظه، وقد ثبت عند الكآفة وجوب اتباع القرآن، وأن من نبذه وراء ظهره منسلخ عن الدين جملة، فكذلك العترة عليهم السلام، وقد تقرر أن العترة من أهل البيت عليهم السلام منهم بما قدمنا من خبر الكساء الذي روته العامة والخاصة، فإنهم أهل بيته عليهم السلام دون الجميع.
فإذا تقرر ذلك وقد ثبت وجوب اتباعهم فهذا لا يكون إلاَّ في عمومهم، لعلمنا بمعصية بعضهم وخروجهم عما يجب في باب الصلاح، فإذا كان ذلك كذلك كان الخبر مصروفاً إلى التمسك بالأئمة منهم عليهم السلام وأتباعهم الصالحين.
وقول من يقول بالإمام المعصوم قول لا دليل عليه فيجب أن لا يلتفت إليه، ولا مخصص في لفظ الخبر لولد الحسن على ولد الحسين ولا لولد الحسين على ولد الحسن عليهم السلام، ولا معنى للتخصيص، وقد ثبت كون القرآن إماماً، وكذلك العترة عليهم السلام، والإمامة لا تكون فيهم في كل وقت لأكثر من واحد، وهذا خبر قد بلغ حد التواتر، وكاد يلحق بالضروريات، وقد ورد في حديث آخر من طرقٍ شتى، ورواه الناصر عليه السلام أنه قال: تركت فيكم الخليفتين من بعدي، واحتج به على إثبات الخلافة لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الخلافة، ورواه أبو برده، وإذ قد تقرر ذلك، وصحت بدلالته الإمامة في ولد الحسن والحسين عليهم السلام، وكما أنا نستدل به لهم على ثبوت الإمامة نستدل به على أن إجماعهم حجة ؛ لأن الحجة لا تكون أكثر مما يجب اتباعه ويحرم خلافه، وقد ثبت بما] قدمنا وجوب اتباعهم، وتحريم خلافهم، فكان إجماعهم حجة لذلك، ومن إجماعهم أن الإمامة فيهم دون غيرهم من أجناس الأمم، ويعلم ذلك من دينهم من علم أحوالهم ضرورة.(1/77)
[إثبات إمامة الإمام زيد عليه السلام]
ومتى أردنا إثبات الكلام في إمامتهم، وإبطال ما ذهبت إليه الفرق المخالفة من الشيعة والعامّة، فلنبدأ بذكر إمامة زيد بن علي عليه السلام، تبركاً بذكره، وتيمناً بتقديمه ؛ لأنه إمام الأئمة بعد المعصومين، وفاتح باب الجهاد للأئمة السابقين، ومنغص عيش الظالمين، فسلام الله عليه سلاماً يُعْلِي منازله في عليين، ولأن كل من قال بإمامته من الأمة، وهم جميع العلماء على طبقاتهم ممن انتسب إلى دين الإسلام، ما خلا النابتة، والروافض، ولسقوط حجتهم يبعد أن نعد خلافهم خلافاً بين المسلمين؛ لأن الخوارج تأسفت على نصرته، حتى قال قائلهم:
يا با حسين لو سراة عصابة .... شهدوك كان لوردهم إصدارُ
يا با حسين والجديد إلى بِلى .... أولاد درزة اسلموك وطاروا
قام عليه السلام، ودعا وهو جامع لخصال الفضل والكمال، وجميع وجوه استحقاق الإمامة، لم يصمه عجمي ولا عربي بوصمةٍ يصدق فيها قيله، وتظهر فيها حجته، وكان أرضى الناس في الناس، ولو استقصينا ذكر فضائله لخرجنا عن مقصودنا في كتابنا هذا، وإنما نذكر يسيراً كالمنبه على ما سواه، إذ كتب ذلك مشحونة، مدونة، ورواته معلومة بالصدق، صالحة.
وكان عليه السلام نسيج وحده، ووحيد عصره، قام لله عزوجل غاضباً لمَّا عُصِي في كل وجهٍ، وأُستخِفَّ بدينه، واشتدّ عتو جبار عصره هشام بن عبدالملك حتى أن يهودياً سبَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلسه (روينا ذلك مسنداً)، وزيد بن علي عليه السلام حاضرٌ فقال له زيد عليه السلام: أولى لك يا عدو الله، أما والله لو تمكنت منك لاختطفنَّ روحك فقال له هشام مه يا زيد لا تؤذِ جليسنا، فخرج عليه السلام وهو يقول: من استشعر حب البقاء، استدثر الذل إلى الفناء، وكان هذا الأمر من الأسباب الباعثة له عليه السلام على القيام غضباً لله سبحانه.(1/78)
كانت أُمُهُ عليه السلام: أم ولدٍ تدعى (جيداً)، روينا من كتاب (الأنوار) مسنداً رفعه الإمام المرشد بالله عليه السلام إلى زياد بن المنذر قال: اشترى المختار بن أبي عبيد جارية بثلاثين ألف درهم فقال: ما أرى [أن] أحداً أحق بها من علي بن الحسين عليه السلام، فبعث بها إليه، فهي أم زيد بن علي عليه السلام.
وروى عليه السلام بإسناده ورجاله رفعه إلى حسين بن عمر الجعفي قال: حدثني أبي قال: كنت أديم الحج، فأمر على علي بن الحسين عليهما السلام لأقضي واجب حقه، ففي آخر حجتي غدا علينا بوجهه، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتي هذه أخذ بيدي، فأدخلني الجنَّة، فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت، فصاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي بن الحسين سَمِّ المولود منها زيداً، فأقمنا حتى جاءه رسول المختار بأم زيد شراها بثلاثين ألفاً، وذكر الحديث بطوله، فقد صار في باب زيد بن علي عليه السلام أكثر مما يطلب في باب الإمامة من الأخبار، والآثار الموجبة له الرتب العلية التالية لرتب ربّ الوصية، ولأتباع الزلفى في الدار الأخرى، والرتب الشريفة العلية، والمنازل الرفيعة الرَّضية، ولم نذكر في باب زيد بن علي عليه السلام بعض تفصيل من كلام أولاد الحسين عليه السلام إلاَّ لما ذهبت إليه الإمامية، فروينا لها ما جاء فيه ممن يدعون له الإمامة، وهو أكثر من أن نأتي عليه في كتابنا هذا، إلاَّ أنا نذكر طرفاً منه كالدال على غيره.(1/79)
[بعض ما ورد عن أولاد الحسين في إمامة زيد عليه السلام]
فمن ذلك ما روينا من كتاب (الأنوار) تأليف المرشد بالله عليه السلام نرفعه إليه، ومنه إلى الشريف أبي عبدالله قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: أخبرنا عبدالعزيز في كتابه قال: حدثنا سلام بن اسرائيل الحجبدي قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن النضر الأنصاري قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن موسى الهروي قال: سمعت موسى بن جعفر [يقول سمعت أبي جعفر] بن محمد قال: سمعت أبي محمد بن علي يقول لأخيه زيد بن علي عليه السلام إن الله جعل حياتك حياة السعداء، وجعل وفاتك وفاة الشهداء، قال: وسمعت موسى بن جعفر يقول إنَّ قوماً يزعمون أنهم لنا أولياء، ومن عدونا أبرياء يبرؤن من عمنا وسيدنا زيد بن علي برئ الله منهم.(1/80)