[آية التطهير وحديث الكساء]
فنقول: أخبرنا الفقيه الأجل الفاضل بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين المعروف بالأكوع في مدة من سنة تسع وتسعين وخمسمائة مناولةً قال: أخبرنا عفيف الدين علي بن أحمد بن حامد اليمني الصنعاني مناولة في سابع عشر من ذي الحجة من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة قال: أخبرنا يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلبيبمحروسة حلب في غرة جمادى الأولى من سنة ست وتسعين وخمسمائة قراءة قال: أخبرنا السيد الأجل العالم نقيب النقباء الطاهر الأوحد مجدالدين، فخر الإسلام، عزالدولة، تاج الملة، ذو المناقب مرتضى أمير المؤمنين أبو عبدالله أحمد بن الطاهر الأوحد ذي المناقب أبي الحسن علي بن الطاهر الأوحد ذي المناقب أبي الغنائم المعمر محمد بن أحمد بن عبدالله الحُسَيني رضي الله عنه قال: أخبرنا الشيخ الفاضل الصالح أبو الخير المبارك بن عبدالجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفيعن الشيخ أبي طاهر محمد بن علي بن يوسف المقري المعروف بابن العّلاّف عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن والده أحمد بن حنبل يرفعه إلى أم سلمة يذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتها، فأتت فاطمة عليها السلام ببُرمة فيها خَزيرة، فدخلت بها عليه، قال: ادعي لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي وحسن وحسين عليهم السلام، فدخلوا، فجلسوا يأكلون من تلك الخَزيرة، وهو وهم على منام له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، قالت: فأخذ فضل الكساء وكسّاهم به، ثم أخرج يده، فألوى بها إلى السماء، وقال: ((هؤلآء أهل بيتي وخاصّتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً))، قالت: فأدخلت رأسي البيت، وقلت: وأنا معكم يا(1/61)
رسول الله، قال: إنكِ إلى خير إنكِ إلى خير.
قال عبدالملك: وحدثني بها أبو سلمة مثل حديث عطاء سواءً.
وبإسناد بهاء الدين هذا يبلغ به أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: اتيني بزوجك وابنيك، فجآت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكيا، قالت: ثم وضع يده عليهم وقال: ((اللهم إن هؤلآء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنكِ على خير)).
وبإسناد بهاء الدين هذا إلى ابن عباس في خبر الراية قال: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه فوضعه على علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام وقال: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)).
والأخبار في هذا كثيرة، روايتنا لها من طرق جمّة بحمدالله تعالى.
فإن قيل: المراد بالآية أهل البيت في ذلك الوقت وهم: أمير المؤمنين، وفاطمة، وولداهما عليهم السلام.
فالجواب: إنَّ ما رويناه هو السبب، ولا يجوز قصرها عليه، بل يراعى عمومها، وإنما أخرجنا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه نطق بذلك، ولم يدخل أم سلمة في أهل البيت، وإنما خصَّهم صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر؛ لأنهم كانوا أهل بيته في ذلك الوقت، وليس فيه ما يمنع ما دلّ عليه الظاهر من أن حكم من بعدهم حكمهم في تناول هذا الاسم لهم، وعلى أنه لما ثبت أن قول أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام حجة فيجب أن يكون قول من بعدهم حجة فيما أجمعوا عليه؛ لأن أحداً لم يفصل بينهما.
ومن قال: أن المراد بالآية أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن ما قبلها وما بعدها في شأنهنَّ؟(1/62)
فالجواب عنه: أنه ليس من حيث أن ما قبلها وما بعدها في شأنهنَّ ما يوجب قصر الآية عليهنَّ؛ لأنا ذكرنا من الأدلة ما يمنع من حمل الآية عليهنَّ، وعلى أنه لا يمنع مثل ذلك كما قال سبحانه في سورة الصآفات: ?فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ?[الصافات:161ـ163]، فكانت هذه مخاطبة لبني آدم، ثم قال على أثر ذلك ?وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ? [الصافات:164ـ166]، فكان هذا حكاية عن كلام الملائكة، ثم رجع إلى بني آدم فقال: ?وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ? [الصافات:167ـ169]، فهذا مثل ذلك سواء ابتدأ جل ذكره بكلام وختم عليه، وجعل بين الكلامين فاصلة ليست من جنسهما، فصح ما رويناه من دخول أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معنى الآية إلى آخر الأبد، بما ذكرناه، وهذا بيان الوجه الأول.(1/63)
[الآية تقضي وجوب اتباعهم]
وأمَّا الوجه الثاني: وهو أن الآية إذا ثبتت فيهم اقتضت وجوب اتباعهم، فالدليل على ذلك أنه قد ثبت أن الآية كلام الحكيم الصّادق، الذي لا يجوز عليه الكذب، ولا العبث ولا شيء من القبيح، وقد أخبرنا بإذهاب الرجس عنهم فلا يخلو إمَّا أن يريد رجس الأقذار، أو رجس الأوزار، أو رجس العذاب؛ لأن لفظة الرجس تحتمل هذه المعاني لغة وشرعاً، لا يجوز أن يريد رجس الأقذار؛ لأن المعلوم ضرورة أنهم وغيرهم في وجوب توقي الأقذار والإستنزاه منها على سواءٍ، فلم يبق إلاَّ رجس الأوزار، ورجس العذاب، [ورجس العذاب] لا يذهب إلاَّ بتجنب الأوزار بالإتفاق [بين] الأمة، وربما قامت به الدلالة، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ?لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ?...الآية[الزمر:65]، وحال الذرية لا يكون أعلى من حاله صلى الله عليه وآله وسلم، فأحد المعنيين يدخل في الآخر، فلم يبق [إلاَّ أن المراد إذهاب رجس الأوزار]، ولا يجوز وقوعها، ويسقط عنهم أحكامها؛ لأنهم وغيرهم في ذلك سواء، بل قد وردت الآية بمضاعفة العذاب على من عصى منهم بما ذكر تعالى في الزوجات بقوله: ?لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ?....إلى قوله تعالى: ?مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ?[الأحزاب:30، 31]، وقد ثبت أنهنَّ لم يفارقن جميع النسوان، ويفضلنهنَّ إلا بسبب نكاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكون لغيره أصلاً؛ لأن ما به غيرٌ يُشَارُ إليه، إلاَّ ولغيرهنَّ نصيب فيه، إلاَّ هذا الذي أوجب التمييز لهنَّ بهذه المزية، وقد ثبت أن اتصال الذرية بالبنوة أكد من اتصالهنَّ بالزوجية، ولهذا يشرف الولد بشرف أبيه عقلاً وشرعاً، ولا يقع للزوجية إلاَّ(1/64)
بمزية الإتصال كما في الجارية والخادم، فالآية للأولاد ألزم وحكمها فيهم أوجب بطريقة الأولى التي هي أقوى أدلة الأحكام الشرعية، وأحد الأدلة العقلية، فقامت الدلالة بما ذكرنا [من] ارتفاع وقوع الأوزار وارتفاعها لا يكون إلا بالعصمة، والآية وقعت فيهم عموماً، فدلّ ذلك على عصمتهم مجتمعين، فمتى اجتمعوا على أمرٍ علمنا عصمتهم من الخطأ والزلل الموجب للعقاب من الله عزوجل، ولولا ذلك لتعرَّت الآية من الفائدة، وذلك لا يجوز [وقوعه] في كلام الحكيم سبحانه ؛ وإنما يقع في كلام المجانين والسفهاء العابثين، وتعالى عن ذلك رب العالمين، فإذا [ثبتت] عصمتهم فيما اتفقوا [عليه] وجب اتباعهم ؛ لأن اتباعهم يكون اتباعاً للحق بيقين، واتباع الحق من فرائض ربَّ العالمين، [فالحق] أحقُّ أن يتبع، وقد علمنا ضرورة أن آحادهم تقع منهم المعاصي، فلو قيل أيضاً أنها تقع من جماعتهم لَعَرت الآية الشريفة من الفائدة، وهذا لا يجوز.(1/65)