قلنا: هم المأمورون بالجهاد، وغيرهم تابع لهم في ذلك، إذ المعلوم وجوب الجهاد على جميع المكلفين، ولا شك أن الإمامة للمتبوع دون التابع، فإذ قد تقرر وجوب الإمامة لبعض ولد ابراهيم عليه السلام ولا تصح إلاَّ لواحد.
فقولنا: إن ذلك الواحد لا يكون إلاَّ من ولد الحسن والحسين عليهم السلام.
فإن قيل: هلا كان من ولد الحسين دون ولد الحسن كما قالت الإمامية؟
قلنا: هم لا يثبتون ذلك، ولا يدعون الإختصاص لمن خصوه بالإمامة إلاَّ بالنص، فإذا بطل النص بطل ما ذهبوا إليه من اختصاص ولد الحسين عليهم السلام بالإمامة دون ولد الحسن عليهم السلام، ولم نَبْنِ الكلام في كتابنا هذا إلاَّ على نصب الأدلة لبطلان ما ادعوه من النص على ثبوت الإمامة لشخوص عيَّنوها من ولد الحسين عليهم السلام.
فإن قيل: إن المراد بالآية جميع المسلمين، ولهذا قال: هو سماكم المسلمين من قبل، وقد قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسائر المسلمين بمنزلة الأب، فلهذا قال: ملة أبيكم ابراهيم.(1/56)


قلنا: هذا مجاز لا يجوز صرف الخطاب إليه إلاَّ لضرورة ؛ لأنه إذا أطلق لفظ ولد ابراهيم لم يسبق إلى فهم السامع إلاَّ ذريته، واليهود والنصارى مخرجون من ذلك بالإجماع والصفة والإسم، أما الإجماع فلا خلاف أنهم لم يرادوا بذلك، وأما الصفة فقوله تعالى: ?هو اجتباكم?، والإجتباء هو الإختيار، وهم مذمومون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي شرعه، والذم ينافي الإجتباء، وأما الإسم فقد ثبت تعلق الأحكام الشرعية بالأسماء الشرعية، وقد سماهم الله سبحانه المسلمين، وهذا الاسم لا يفيد إلاَّ اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واسم الإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن اسم اليهود قيل أُخِذ من هاد يهود، معناه رَجَع يرجع، والرجوع لا يفيد إلاَّ معنى واحداً، ويحتمل أن يكون إلى حسنٍ، ويحتمل أن يكون إلى قبيحٍ، فلما تعقبه مما يدل على الحسن أفاد حسنه، وكذلك اسم النصارى، قيل من المكان الذي نشأ فيه عيسى عليه السلام، وكان يسمى ناصرة قرية في جبل الخليل، والإضافة إلى الموضع، لا تعظيم بها، كما يقال مكي، وتهامي، ولا يفيد أكثر من نسبته، وقيل إلى النُّصرة في قوله تعالى حاكياً عن عيسى عليه السلام ?مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ?[آل عمران:52]،[الصف:14] وقد ينصر الأنبياء المبطل كما ينصرهم المحق، كما نصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم، وصحت نسبتهم بذلك، فقيل: نَصَر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته، وهم أنصاره، وكما نصرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأوس والخزرج، وسمّوا الأنصار عموماً، وكان النفاق فيهم فاشياً، تخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد قدر ثُلث المتبعين له، فأخبر الله تعالى بنفاقهم، وعسكر مع عبدالله بن أبي قريباً من عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جارٍ على جميعهم حكم النفاق،(1/57)


وبخلاف ذلك إسم المسلمين لوجوه منها إن الله تعالى قد نص نصاً جلياً أنه لا يقبل ديناً إلاَّ الإسلام، وذلك ظاهر في قوله: ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ?[آل عمران:85] فلا نجاة إلاَّ به، فكفى بهذا شرفاً، ومن ذلك قوله تعالى: ?إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ?[آل عمران:19]، اشتق اسم المسلمين من السلم، وهو العافية والدعة، فلما كان يؤدي إلى ذلك في دار الآخرة تسمى باسم ما يؤدي إليه، ومن إسلام أنفسهم لله، وكفى ذلك شرفاً وفضيلة أنهم تركوا أيديهم في يده تعالى، وانقادوا لأمره.
قلنا: وممَّا يدل على أن المراد بالآية ولد الحسن والحسين عليهم السلام إجماع العترة عليهم السلام على أن الإمامة مخصوصة فيهم، والذي يدل على أن إجماعهم حجة قوله ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ?[الأحزاب:33] الآية، والإستدلال بهذه الآية يبتني على وجوه:
أحدها: إن المراد بالآية ولد الحسن والحسين عليهم السلام.
والثاني: إن الآية تقتضي وجوب اتباعهم.
والثالث: إن إجماعهم منعقد على أن الإمامة في ولد الحسن والحسين دون من عداهم.
أمَّا الكلام في الوجه الأول: وهو أنهم المرادون بالآية دون غيرهم، فالدليل على ذلك أن البيت المذكور في الآية هو بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب من طريق الظاهر أن يحكم بأن المراد بها أهله الذين يتناولهم الاسم حقيقة، وقد علمنا أن من يختص بيت الرسول حقيقة فهم أولاده وأولاد أولاده، وإذا استعمل في غيرهم كان مجازاً فيجب القطع على أن المراد بالآية أولاده وأولاد أولاده، يؤيد ذلك أنه إذا أطلق فقيل: أهل بيت فلان، فهم منه أولاده وأولاد أولاده، وإذا قيل: أهل بيت فلان أهل الطهارة والعلم والعفاف إنما يراد به الأولاد وأولادهم.
فإن قال: من أين أنه حقيقة فيهم؟.(1/58)


فجوابنا: إن أمارة كون اللفظ حقيقة في الشيء استعماله فيه مطرداً و يكون مفهوماً سابقاً إلى الفهم عند اطلاقه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد به أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلنا: أن ظاهره لا يقتضي الأزواج فقط ؛ ولأنه يقال للزوجة أهل الرجل، ولا يقال أهل البيت، وعلى أن إطلاق أهل البيت لو أفاد الأزواج مع الأولاد وأولادهم، فتخصيص الأزواج بها وإخراج الأولاد منها لغير دلالة لايصح.
فإن قال: فإذا جاز أن يحتمل الأزواج والأولاد، فلم خصصتم الأولاد دون الأزواج بالآية؟
قلنا: إنما خصصنا الأولاد لوجوه منها:
- إن الآية تقتضي عصمة المراد بالآية.
- وإن قولهم حجة، وهذا لم يقل به أحد في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
- ومنها: إنه لو أراد الأزواج وحدهن، لكان يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكنَّ الرجس.
ومنها: إن الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم برواية عامة من غير نكير لها، ولا دفع، فدلت على أن المراد به غير أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك كثير، ونذكر من ذلك ما حضرنا بإسناده إن شاء الله تعالى.(1/59)


[الأخبار المتعلقة بالإمامة وذكر المهدي عليه السلام]
واعلم أنَّا نذكر الأخبار المتعلقة بالإمامة، وما يتعلق بذكر المهدي عليه السلام، وما نذكر في أوائل ذلك وتوابعه من طريق الإمامية لنقطع الشغب بذلك، وإلاَّ فنحن نروي ذلك من ثلاث طرق برجال الزيدية، وثقات رواة أهل الأخبار منهم ؛ ولكنك إذا رويت لخصمك عنه ما لا يمكنه إنكاره كان ذلك أولى بالقبول، وأوضح في الدليل، فما رأيته على هذه الصورة فاعرف سببه.(1/60)

12 / 73
ع
En
A+
A-