[الفرقة الكيسانية الثانية واختلافهم فيمن يخلفه بعد موته]
فأمَّا الفرقة الثانية من الكيسانية فيقولون: ما يقوله الناس من أنه عليه السلام مات، ودفن إلى جنب عبدالله بن العباس رضي الله عنه بالطائف، ولم يختلف أحدٌ من بني هاشم في موته في الموضع الذي مات فيه، ودفنه إلى جنب عبدالله بن العباس، فمن علم موت هذا علم موت الآخر على حدٍ واحد، وإنما نذكر ذلك تنبيهاً على جهلهم ؛ لأنه لو مات على حالٍ غبي، أو مات في بلدٍ مجهول، أو غاب في شعب رضوى كما زعموا لكان ذلك أصلاً لشبههم، وإنما تختلف هذه الفرقة القاضية بموته عليه السلام في الإمام بعده، ففرقة منهم قالت: الإمام بعده ولده أبو هاشم، ومنهم من قال: علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، والذين قالوا بإمامة أبي هاشم افترقوا بعد موته خمس فرق منهم من قال: الإمام بعده محمد بن علي بن عبدالله بن العباس ؛ لأن أبا هاشم مات بالسراة من أرض الشام، فأوصى إليه، ثم أوصى هو إلى ابنه ابراهيم، ثم أوصى ابراهيم إلى أخيه أبي العباس الملقب بالسفاح، ومنهم من قال بعده ابن أخيه علي بن الحسن بن محمد بن الحنفية، ومات علي بن الحسن ولم يعقب، وهم ينتظرون رجعته ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(1/51)
[نقض دعواهم إمامته وغيبته]
وقولهم: في دعوى إمامته باطل ؛ لأنه لا دليل عليها، وما لا دليل عليه، فطلب العلم به باطل، والحال هذه.
وأمَّا الكلام في الغيبة فما بطل به قول الإمامية بطل به القول بكل غيبة، إذ الطريق في الكل واحدة، وسنذكره إن شاء الله تعالى، ومنهم من قال: أوصى أبو هاشم إلى عبدالله بن عمرو بن حرب وهم الحربية، وزعموا أن الإمامة خرجت من بني هاشم لتحول روح أبي هاشم إلى عبدالله بن عمرو، ومنهم من قال: إن الإمامة انتقلت إلى عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر عليه السلام، وهو الإمام الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت [ظلماً] وجوراً، فلما مات اختلفوا، فمنهم من قال: لا يصح موته، بل هو حيٌ بجبال أصفهان يجول فيها حتى يخرج، وهو غائبٌ منتظر، ومنهم من قال: مات حقيقة، وبقوا في تيهٍ، ومنهم فرقة، قالوا: أوصى أبو هاشم إلى نيار بن سمعان التميمي، وعصى في وصيته، ولم يكن ذلك له، فرجعت الإمامة إلى الأصل من ولد الحسن والحسين وولد علي، وفرقة قالت أن أبا هاشم مات، ولم يعقب، فعادت الإمامة إلى علي بن الحسين.(1/52)
[الكيسانيةالمغيرية]
ومن الكيسانية المغيرة بن سعيد، وله أتباع يقال لهم المغيرية، وزعموا أن الإمام محمد بن علي عليه السلام، وبعده المغيرة بن سعيد، وهم قائلون به إلى خروج المهدي عليه السلام، والمهدي عندهم محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومحمد بن عبدالله عليه السلام غائب منتظر لا بد من رجوعه، وخروجه حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وممن يعتقد ذلك فيه من الفرق المنسوبة إلى التشيع المنصورية، وفرق الكيسانية شذاذ تجاري الإمامية، سنذكر من عرض ذكره منهم في مسامتة من يعاصره من الإمامية، ولهم غلو خرج به بعضهم من حد الإسلام، وأقوالهم كما ترى واهية لا تفتقر لظهور فسادها إلى تحديد برهان ؛ لأنها معراةٌ عن الأدلة، وكيف يصح مذهب لا دليل عليه.(1/53)
[الخلاف بين الشيعة في الإمامة بعد الحسنين]
واعلم أن الخلاف واقع بين الشيعة في الإمامة بعد الحسن والحسين عليهما السلام:(1/54)
[رأي الزيدية]
فذهبت الزيدية، ومن قال بقولها إلى ثبوتها في ولد الحسن والحسين عليهم السلام إلى انقطاع التكليف، ولا تجوز في غيرهم، لقيام الدلالة على ثبوتها فيهم، وعدمها على غيرهم.
أمَّا الدليل على ثبوتها فيهم دون من سواهم، فأدلة كثيرة نقتصر منها على الآية قوله تعالى: ?وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ?[الحج:78]، ووجه الإستدلال بهذه الآية أن هذا أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب، فإذا تقرر وجوب الجهاد في الله تعالى حق جهاده، ولا يكون ذلك إلاَّ بتجييش الجيوش، وحفظ البيضة، ونكاية العدو، وفتح بلاده، وتذليل أجناده، وانفاذ الأحكام بالقتل والسبي والقطع والجلد، وهذا لا يكون بالإجماع من الأمة إلاَّ للأئمة عليهم السلام، إذ لا يجوز لآحاد الناس بإجماع الأمة كما قدمنا.
فإن قيل: ومن أين أن المراد بالآية من ذكرتم من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
قلنا: الآية فيها ذكر ولد ابراهيم، ولا أحد ذكرها دليلاً على غير العترة الطيبة من ولد الحسن والحسين عليهم السلام، فلو صرفها بعض القائلين إلى قريش أو بعض ولد علي عليه السلام لكان قد قال بقولٍ خارج عن قول الأمة، وذلك لا يجوز.
وإن قيل: الأمر في لفظ الآية لجماعة ولد ابراهيم، فَلِمَ خصصتم بذلك الأئمة من ولد الحسن والحسين عليهم السلام.
قلنا: فيه ذكر الجهاد، والجهاد لا يكون إلاَّ بإمام، فإذا ثبت وجوب الجهاد ولم يتم أداء الواجب إلاَّ بنصب الإمام وجب نصبه.
فإن قيل: ومن أين أن منصبه ولد ابراهيم عليه السلام؟(1/55)