الكتاب : العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين المؤلف : الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان المتوفى سنة 614هـ |
المجموع المنصوري
الجزء الأول
للإمام المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة بن سليمان عليه السلام
كتاب العقد الثمين
في تبيين أحكام الأئمة الهادين
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org(1/1)
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الإمامة للنبوة خلفاً وتماماً، وأناط بهما من تبليغ أماناته وأداء رسالالته فروضاً وأحكاماً، إكمالاً منه جل وعلا للحجة، وتبياناً لواضح المحجة، فاختار من البرية أعلاماً جعلهم أمناء سره، وحملة نهيه وأمره، فلا زال قائمهم إماماً يتلو إماماً، أولئك الذين قرنهم الله بكتابه، ورفع لهم في ملكوت قدسه مقاماً، وسلام على عباده الذين اصطفى، ?وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا?[الفرقان:63]، ورثة الكتاب والحكمة، وهداة هذه الأمة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ?يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ?[البقرة:269]، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وآله الطاهرين.
وبعد: فهذا الكتاب العظيم (كتاب العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين) ونظراً لأهميته فقد تهيأ طبعه ليعم نفعه إن شاء الله تعالى ، وقد أذنت للولد العلامة الأوحد/ عبدالسلام بن عباس الوجيه حرسه الله تعالى وتولاه بدراسة وتحقيق الكتاب ، كما أجزته أن يرويه عني، وجميع ما صح له عني من مروياتنا ومؤلفاتنا حسب ما حررته في الجامعة المهمة ولوامع الأنوار والتحف شرح الزلف.
وهذا الكتاب تأليفُ الإمام الذي جدد الله بسيفه وعلمه الدين، وأحيا بقيامه وعزمه سنن المرسلين،
عليم رست للعلم في أرض صدره .... جبال جبال الأرض في جنبها قُفُّ
وما أصدق قوله عليه السلام:
وأنا ابن معتلج البطاح تضمني .... كالدر في أصداف بحر زاخر
ينشق عني ركنها وحطيمها .... كالجفن يُفتح عن سواد الناظر
كجبالها شرفي ومثل سهولها .... خلقي ومثل المرهفات خواطري(1/2)
فهو الإمام الأعظم، والطود الأشم، والبحر الخضم، والبدر الأتم، الصوّام القوّام، مقيم حجة الله على الأنام، ومجدد أعلام ملة الإسلام، أمير المؤمنين، المجدد للدين، المنصور بالله رب العالمين، أبو محمد عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية أبي هاشم الحسن بن عبدالرحمن بن يحيى بن عبدالله العالم بن الحسين الحافظ بن القاسم الرسي نجم آل الرسول بن ابراهيم طباطبا بن اسماعيل الديباج بن ابراهيم الشبه بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين وأخي سيد المرسلين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كانت البيعة العامة له عليه السلام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام أربعة وتسعين وخمسمائة بمدينة صعدة المحروسة، بجامع إمام اليمن محيي الفرائض والسنن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم عليهم السلام، وقد كان اجتمع بمقامه من العلماء خاصة نحو أربعمائة عالم، فناظروه في جميع العلوم حتى أن عالماً منهم سأله عن خمسة آلاف مسألة، فأجاب عنها بأحسن جواب.
وقد نشر الله به العدل والإحسان، وأظهر به الأمن والإيمان، وطهر الأرض من الفسوق والعصيان، وتزلزلت بدعوته النبوية، وصولته العلوية، أركان بني العباس بالعراق، وملأت رسائله الإمامية قلوبهم خوفاً وفزعاً لما تضمنته من الوعيد والإرعاد والإبراق، وحسبك أنها لما وصلت قصيدته البائية بغداد أمر الخليفة العباسي بإغلاق بابها ثلاثة أيام لانخلاع قلبه من الروع والفزع، وعنده ألوف من العساكر العظام، فقامت كلمة الإمام مقام الجيش اللهام.(1/3)
وخصائص هذا الإمام وشمائله العظام، وفضائله المنيرة الفجاج، وفواضله الوضيئة الديباج، وبلاغته الوهاجة السراج، وعلومه المتلاطمة الأمواج، عالية المنار، واضحة الأنوار، متجلية الشموس والأقمار، وفي سيرته الخاصة، وكتب السير العامة الكثير الطيب والغزير الصيب، وقد أوضحت المهم من أحوال أئمة العترة وأوليائهم في كتاب التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية نفع الله بها على سبيل الإختصار.
هذا واعلم أيدنا الله وإياك بتأييده: وأمدنا بمواد لطفه وتسديده، أن من أقدم ما يتحتم، وأهم ما يتعين على الناظر في كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من ذوي الألباب عرفان الحق والمحقين المشار إليهما بقوله عز وجل ?اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ?[التوبة:119] لما يتوقف عليه من رواية السنة الشريفة، وتفسير الكتاب، ولتوليهم واتباع سبيلهم، المأخوذَيْن على كافة المكلفين بقواطع الأدلة، وإجماع جميع المختلفين.(1/4)
ومن المعلوم أن الله تعالى أمر عباده بسلوك دين قويم وصراط مستقيم، ونهاهم عن اِلإفتراق في الدين، واتباع أهواء المضلين قال جل جلاله: ?شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ?[الشورى:13] ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?[الأنعام:153] في آيات بينات، وأخبار نيرات، وما كان العليم الحكيم سبحانه، ليأمرهم وينهاهم إلا بما يستطيعون، وله يطيقون، بعد إبانة الدليل، وإيضاح السبيل: ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا?[البقرة:286] ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا ءَاتَاهَا?[الطلاق:7] ?فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى?[طه:122] ?فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ?[البقرة:213] ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ?[الأنفال:42] وقد قص الله على هذه الأمة أنباء الأمم السابقة، والقرون السالفة، وما كان سبب هلاكهم، من الإختلاف في الدين، وعدم الائتلاف على ما جاءتهم به أنبياؤهم من الحق المبين: قال عز وجل: ?وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?[آل عمران:105] ?إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ?[الأنعام:159] في آي منيرة، ودلائل كثيرة، ورفع الجناح للمتأول بالخطأ محله فيما شأنه أن يخفى، مما لم(1/5)