وعن أبي ذر الغفاري(1)[62]) - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وهو يبكي فبكيت لبكائه ، فقلت: فداك أبي وأمي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك ، قال: ((لا قطع الله أنياط قلبك يا أبا ذر ، إن ابني الحسين يولد له ولد يسمى علياً، أخبرني جبريل أنه يُعرف في السماء بأنه سيّد العابدين ، وأنه يُولد له ابن يقال له زيد ، وإن شيعةَ زيدٍ هم فرسان الله في الأرض ، وأن فرسان الله في السماء هم الملائكة، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون ، وأن شيعة زيدٍ في أرض بيضاء كالفضة - أو كلون الفضة - يأكلون ويشربون(2)[63]) ويتمتعون، ويقول بعضهم لبعض : امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين(3)[64]) حتى تنظروا إليه كيف يسقي شيعته، قال: فيركبون على نجائب من الياقوت والزُّبَرْجَدْ مكللة بالجواهر أزمتها اللؤلؤ الرطب، ورحالها السندس والاستبرق، قال: فبينما هم يركبون إذ يقول بعضهم لبعض : والله إنا لنرى أقواماً ما كانوا معنا في المعركة.
قال: فيسمع زيد عَلَيْه السَّلام قولهم فيقول: والله لقد شاركوكم هؤلاء فيما كنتم فيه من الدينا كما شارك أقوام أتوا من بعد وقعة صفّين، وإنهم إخوانكم اليوم [وشركاؤكم اليوم(4)[65])])).
__________
(1) 62])ـ وروى الخبر : الشهيد حميد في الحدائق الوردية في ترجمة الإمام زيد بن علي (1/138)، والشرفي في الأساس (2/373) وقال: رواه محمد بن علي الحسني [صاحب الجامع الكافي] في فضل زيد بن علي، ورواه الهادي في المجموع .
(2) 63])ـ نهاية الصفحة [6-أ] .
(3) 64])ـ نهاية الصفحة [10-ب] .
(4) 65])ـ ما بين المعكوفتين سقط من (أ) .(1/41)
وهذا نص صريح أن الزيدية إلى آخر الدهر بمنزلة الحاضرين مع زيد بن علي عَلَيْهما السَّلام يوم خرج، وبمنزلة المجاهد معه يوم جاهد(1)[66])، وبمنزلة المقتولين معه يوم قتل(2)[67]).
والقرآن قد شهد بأن من تبع قوماً فهو منهم، وحكمه حكمهم ولهذا لما سمع إبراهيم بن عبدالله [عَلَيْهما السَّلام] رجلاً يقاتل بباخمرى يقول(3)[68]): خذها وأنا الغلام الحداد ، قال عَلَيْه السَّلام : لا تقول أنا الغلام الحداد، قل: أنا الغلام العلوي، فإن إبراهيم عَلَيْه السَّلام قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم:36] ، فأنتم منا ونحن منكم، لكم ما لنا وعليكم ما علينا(4)[69]).
وذلك يوضح أن الزيدية من زيد بن علي ومن أهل البيت الطاهرين، ولا شكّ أن القرابة مأخوذة من القرب، والقرابة(5)[70]) على وجهين: قرب بالولادة من النسب، وقرب بالدِّين والمذهب، وهذا الثاني آكد وأقرب.
__________
(1) 66])ـ في (ب): وبمنزلة المجاهدين معه يوم جاهدوا .
(2) 67])ـأخذ هذا المعنى شاعر أهل البيت (الحسن بن علي الهبل) فقال - رحمه الله - وحشره مع من أحب بعد أن أطنب مدحاً واسترسل تشيعاً بقصيدته التي مطلعها ((قد آن أن تلوى العنان وتقصرا)):
يا ليت شعري هل أكون مجاوراً
أأذاد عنكم في غدٍ؟ وأنا الذي
قل: ذا الفتى حضر اللقا معنا وإن
لك أم تردنيَّ الذنوب إلى الورا؟
لي في ودادك ذمة لن تخفرا
أبطا به عنا الزمان وأخرا
..انتهى.
(3) 68])ـ في (ب): فيقول .
(4) 69])ـ الخبر : أخرجه الإمام أبو طالب في تيسير المطالب (ص122) .
(5) 70])ـ في (ب): والقرب .(1/42)
فإن القرب بالنسب إنما يثبت بحكم الله تعالى فله الأمر وله الحكم، وقد حكم تعالى في القرآن بأن الوَلاءَ والقربَ يكون بالدين، كما ذكره في قصة إبراهيم صلوات الله عليه {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}، ولا شك أنه الحق؛ لأنه في الدنيا إذا زال أعني قرب الدين(1)[71]) زال ما بين القرابة من المواصلة بالنسب بحكم رب العالمين ، ومتى ثبتت حصل في الآخرة أعظم وأكبر، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(67)} [الزخرف]، وقال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)} [المؤمنون].
وإذا كانوا منه ومن أصحابه دخلوا في قول أمير المؤمنين [عَلَيْه السَّلام ] : (الشهيد من ذريتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة المقربون ينادونهم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون(2)[72])).
__________
(1) 71])ـ في (أ): ولا شك أنه آكد لأنه إذا زال أعني قرب الدين .
(2) 72])ـ الخبر: أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي (ص105)، قال: أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن محمد البغدادي المعروف بالآبنوسي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبدالعزيز بن إسحاق بن جعفر، قال: حدثني أحمد بن حمدان بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن الأزهر الطائي الكوفي، قال: حدثنا الحسين بن علوان، عن أبي صامت الضبي، عن ابن عمر بن زاذان، عن علي بن أبي طالب –عَلَيْه السَّلام- قال: ((الشهيد من ذريتي)) ..الخبر بتمامه؛ ورواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية (ص301)، ورواه الحاكم الجشمي في جلاء الأبصار [تحت الطبع] وقال: وفي كتاب القاضي إلى أبي بكر محمد بن عمر الذي رواه أبو سعيد السمّان بإسناده عن زاذان عن أمير المؤمنين ...الخبر .(1/43)
فالزيدية هم أصحاب زيد بن علي عَلَيْه السَّلام كما أن الشافعية هم أصحاب الشافعي، والحنفية هم أصحاب أبي حنيفة؛ لأن صاحب الإنسان من يلازمه ويحبه في دينه وقوله، ويتبع مراده ويكره مفارقته.
وعنه [عَلَيْه السَّلام] قال: (يخرج مني بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبّهة سلطان - والأبهة الملك - لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل ما عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير(1)[73])، يتخطأون(2)[74]) أعناق الخلائق، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون : هؤلاء خَلَفُ الخلفِ ودعاة الحق، ويستقبلهم رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فيقول: ((قد عملتم بما أُمرتم ادخلوا الجنة بغير حساب(3)[75]))).
وهذا من أعظم شاهد على فضل الزيدية، وأن مذهبهم هو الحق، وأن دعوتهم هي الإيمان، وأن رايتهم هي راية الرحمن.
__________
(1) 73])ـ نهاية الصفحة [7-أ] .
(2) 74])ـ في (ب): بزيادة: (وهي الأوراق، يتخطون ....)، وفي مقاتل الطالبيين: (حتى يتخطوا)، وفي كتاب فضل الأئمة (ص36): (حتى يتخطون) .
(3) 75])ـ الخبر: أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الأثنينية (ص300)، قال: أخبرنا الشريف أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن الحسني بقرآتي عليه بالكوفة، قال: أخبرنا علي بن حسين بن يحيى العلوي قراءة عليه، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا محمد بن علي الصيرفي، قال: حدثنا أبو حفص الأعشى، عن أبي داود المدني، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب –عَلَيْه السَّلام- قال: ((يخرج مني بظهر الكوفة ...الخبر بتمامه))، ورواه أبو الفرج الأصبهاني بسنده عن أمير المؤمنين في المقاتل (ط2/128) .(1/44)
وعلى هذا قال إبراهيم بن عبدالله بن الحسن [عَلَيْهم السَّلام]: (لو نزلت راية من السماء(1)[76]) لم تُنصب إلا في الزيدية(2)[77]).
وروى الباقر محمد بن علي، عن آبائه: أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يخرج من ولدي رجل يقال له زيد يقتل بالكوفة ويُصْلَب بالكناسة، يخرج من قبره نبشاً تفتح لروحه أبواب السماء(3)[78]) تبهج أهل السماوات يقولون: هؤلاء دعاة الحق(4)[79])))، وفي هذا بيان ظاهر أن دعاة الحق هم الزيدية دون غيرهم.
__________
(1) 76])ـ سقط من (أ): من السماء .
(2) 77])ـ أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية (ص302/خ) بسنده عن الحكم بن زهير صاحب الإمام إبراهيم بن عبدالله ، والإمام الموفق بالله في سلوة العارفين ص(590)
(3) 78])ـ نهاية الصفحة [12-ب] .
(4) 79])ـ الخبر : أخرجه بلفظ مقارب الأمير الحسين في نابيع النصيحة (ط) ، وأخرجه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا مرفوعاً كما في الغدير (3/69) بزيادة في آخره : ((ثم تجعل روحه في حوصلة طير أخضر يروح في الجنة حيث يشاء ، من نظر إلى صورته ولم ينصره أكبه الله على وجهه في النار)) ، وهو في أعيان الشيعة (7/109) .(1/45)