(وله في نصرة الإمام الأعظم المهدي لدين الله أحمد بن الحسين سلام الله عليه اليد الطولى، والسهم المعلى، حتى روي أنه –عَلَيْه السَّلام- كان لا يعدل به أحداً، ويسمي (داعي أمير المؤمنين)، ووصفه: بالدين الرصين، والورع المبين، وبعثه إلى صعدة حرسها الله تعالى سنة أربع وخمسين وستمائة، وكتب إلى عماله أن يقفوا على رأيه، فظهر بسعيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وراسل بذلك عمال نجران، وكتب رسالة جيدة إلى قاضيه الجليل محمد بن المؤيد الدواري.
ولما كان من السيد الحسن بن وهاس، والشيخ أحمد بن محمد الرصاص، والفقيه أحمد بن حنش، والفقيه أحمد بن علي الضميمي، والفقيه حنظلة بن أسعد الحارثي والقاضي إبراهيم بن فليح وغيرهم في حقّ الإمام المهدي سلام الله عليه من الاعتراض عليه، والمخالفة له، خرج من صعدة إلى الإمام –عَلَيْه السَّلام- إلى مدع، ساعياً في إصلاح أمرهم، وكتب إليهم رسالة بليغة، ولما كان من قتل الإمام المهدي –عَلَيْه السَّلام- لم يزل الفقيه يراجع الحسن بن وهاس ويستظهر عليه بالحجج حتى فلجه.
قيل: إنه أورد عليه خمسمائة إشكال، فأمر شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله من يهدده مراراً، ولم يجد سبيلاً إلى قتله بعلة ظاهرة مع إرادته ذلك.
فخرج الفقيه -رحمه الله- إلى بلاد خولان سنة ستة وخمسين وستمائة، وهي السنة التي استشهد فيها الإمام المهدي –عَلَيْه السَّلام- فأقام بفلله ونشر العلم هناك) [إجازات المسوري - 28].
وفي المسائل المذهبة عند ذكر المؤلف، قال: وكان في الورع الشحيح بحيث يقصر الوصف دونه، ولا يصل له غاية. كان قدس الله روحه في زمن الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وكان والياً من جهة الإمام على صعدة وأعمالها، فلما بلغ قتل الإمام –عَلَيْه السَّلام- أمر بنزع المخالي من رؤوس الجبل، وقال: الآن بطلت ولايتي.
اضطراره وقصد المظفر(1/16)
قد نقلت ونوّهت أغلب المصادر باضطرار حالة المؤلف بعد مقتل الإمام المهدي إلى قصد الملك المظفر الرسولي، وأردفت عقيب ذلك بقصيدة القاضي مسعود بن عمرو العنسي التي أرسلها إلى الأمير علي بن يحيى العنسي يعاتبه فيها على عدم قيامه بالواجب نحو المؤلف ابن عمّه بعد رجوع الجواب من الملك المظفر بأن لا سبيل إلى اللقاء، والتي عبرت عنها أبيات القصيدة:
ماذا تقول لحبر أسرتك الذي
خير الأعاظم وارث الحجج التي
فأتى جوابٌ لا سبيل إلى اللقا
نزلت ركائبه نزول الوافد
قامت على الدنيا مقام الشاهد
فابعث بحاجك نحونا في كاغد
والقصيدة ناصعة البيان، عذبة المقاطع، جزلة التركيب، إلا أن فيها تعريضات وتجاوزات لفظية على مقام من وصفه بوارث الحجج وخير الأعاظم لا تليق، ولو نقلت القصيدة إلينا كاملة لاتضح من الأمر خافيه ، حيث وفي بعض أبياتها ما يشير إلى أن قصده للملك المظفر ما كان عن ضائقة مالية كما نقلت بعض المصادر، وأن في القول ما يوحي بأن بلوغ جاهه في الأصقاع والنواحي جعل أحد الأشراف السليمانين أو أحد شيوخ العشائر ينزل عليه، ويرتداده لتحقيق مطلب عند الملك المظفر رآه مؤلفنا العنسي بنزوله من المصالح التي لا غبار على مساعيها. والبيت الذي أشارنا إليه قوله:
حتى ترد على ابن عمك جاهه
غضاً وترغم فيه أنف الحاسد
قال في مطلع البدور: وكانت طريقه من حرض فتلقاه عاملها الأمير فيروز بالقبول والإكرام، فلم يأكل الفقيه من ذبائحهم، وتقدم إلى زبيد فكانت بينه وبين علمائها كابن حنكاش مراجعة كان الفلج له عليهم، ثم تقدم إلى تعز وقد وصل إلى السلطان قبله كتاب من بعض أعدائه ينفره عنه فأمر بإكرامه ولم يتصل به ولا قضى له حاجة.
* الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين(1)[9]) [657- 670هـ]
__________
(1) - وفي كاشفة الغمة للهادي بن إبراهيم الوزير: ما يشعر أن الإمام الحسن بن بدر الدين أحد الآخذين عن المؤلف.(1/17)
حال قيام الإمام الحسن بن بدرالدين ودعوته إلى الله من هجرة رغافة في العام سبع وخمسين وسبعمائة كان المؤلف العنسي في العقد السادس من عمره، قد صقلته التجارب، وثقفته النوائب. قابعاً ومؤلفاً ومتنقلاً ما بين هجر ومساكن سادات الجبال آل يحيى بن يحيى، في قطابر ورغافة وفلله، وعند قيام الإمام الحسن قام كما هو دأبه بواجب النصرة والمتابعة.
قال المؤرخ زبارة: وكان من أجل من تابعه من أكابر علماء عصره القاضي الحافظ الشهير عبدالله بن زيد العنسي، والقاضي محمد بن معرّف، وغيرهما من الأعلام [أئمة اليمن -178].
قال القاضي المسوري: ولما قام الإمام الأعظم المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى –عَلَيْه السَّلام- نهض الفقيه بدعوته الشريفة، ونصرته، ونزل معه إلى ضمد. ولعل عود الفقيه -رحمه الله- من اليمن كان إلى كحلان كما يقتضيه تاريخ ما كتبته من خطه، فإنها السنة التي نزل فيها إلى اليمن [إجازات المسوري: مصدر سابق].
قلت: وقد أورد السيد أحمد بن محمد الشرفي رسالة للمؤلف يشرح فيها أحوال وأخبار دعوة الإمام الحسن، كالرد على الطاعنين في سيرته وهي طويلة، وأغلبها جوابات للإمام الحسن بن بدر الدين [مخطوطة اللآلئ المضيئة -465].
وله أيضاً معاصرة مع الإمام يحيى بن محمد السراجي الداعي سنة (659هـ)، وكانت أخريات أيامه ومنقطع عمره، رأى فيها خذلان الناس وتثبطهم عن إجابة داعي الله، حتى بذل (سنجر) أمير صنعاء مالاً كثيراً (لبني فاهم) في حصن يناع ببلاد حضور، فغدروا بالإمام السراجي وألقوا القبض عليه، وسلموه إلى الوالي سنجر الذي ما توانى في سمل عينيه بسناة محمّاة سنة (660هـ).
وفاته
توفي -رحمه الله- سنة (667هـ) بكحلان تاج الدين، وقبره قبلي البركة التي تسمى (رحبة) فوق كحلان مما يلي الجنوب وهو مشهور مزور.(1/18)
وفي المسائل المذهبة أورد لوفاته حكاية عجيبة تدل على خبرة صاحب الترجمة بفن الفلك ومعرفة الإصطرلاب مفادها ما قاله صاحب مطلع البدور:
وذكر السيد جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم في المسائل المذهبة، وغيرها ما حاصله: أن الفقيه كان في مقام التدريس صحيحاً فاستدعى بدواة وقرطاس، وكتب وصيته لأولاده حتى بلغ إلى حكم ما في المصحف من الحديث القدسي: ((من لم يرضَ بقضائي، ويصبر على بلائي، فليتخذ رباً سواي)) فمات، وانحطّ القلم في الكاغد.
مصادر ترجمته
إجازات المسوري لأحمد بن سعد الدين (خ/ نسخة خاصة)، مطلع البدور ومجمع البحور لابن أبي الرجال (خ)، المستطاب في طبقات علماء الزيدية الأطياب ليحيى بن الحسين بن القاسم (خ/نسخة خاصة)، طبقات الزيدية الكبرى لإبراهيم بن القاسم الشهاري (3/3/ط)، أئمة اليمن لمحمد بن محمد زبارة (1/189)، لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي -أيده الله تعالى- (1/2/51)، تراجم رجال الأزهار (21)، نزهة الأنظار في ذكر أئمة الزيدية الأطهار للعلامة يحيى بن محمد المقرائي (خ)، ولم أطلع عليه، مصادر الحبشي (110، 127، 179، 274)، الجامع الوجيز (تحت التحقيق) ، الجواهر المضيئة لعبدالله بن الإمام الحسن القاسمي (خ)، تاريخ اليمن الفكري لأحمد محمد الشامي (3/108)، المسائل المذهبة للهادي بن إبراهيم الوزير (9/نسخة خاصة)، اللآلئ المضيئة للشرفي (خ)، أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم ص(589، 591) ترجمة (598)، وانظر باقي المصادر هناك.
النسخ المعتمدة في التحقيق(1/19)
النسخة (أ): وهي نسخة مصوّرة من مكتبة السيد محمد بن حسن الحوثي ، وهي ضمن مجموع يضم رسائل وقصائد وبحوث وكتاب (المقصد الحسن) لمؤلفّه القاضي أحمد بن يحيى حابس . كتب في آخره: وافق الفراغ من رقمه يوم الأحد ما بين العصر والظهر لتسع ليال خلت من شهر رمضان المعظم سنة المائة بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم بعناية سيدنا ومولانا ومالك رقّنا وولانا الفقيه الجليل الفاضل شيعي الآل بدر الدين محمد بن عاطف أطال الله بقاءه وأيّامه ...إلخ .
ويتم وصف النسخة كالتالي :
-المجموع خط سنة (1100هـ).
-الناسخ: مجهول .
-عدد الصفحات: بلغ صفحات كتاب الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة (20) صفحة.
-عدد السطور : (25) سطراً في الصفحة الواحدة بمتوسط (12) كلمة في السطر .
-الخط : نسخي مقروء .
النسخة (ب): وهي نسخة مصوّرة من مكتبة الأخ إبراهيم الدرسي، وقد وقفتُ على أصلها في مكتبة الأخ عبدالله حمود العزي ، وأعارنيها لمدة . وهي نسخة مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية . وهي ضمن مجموع لعدّة كتب.
-المجموع خطّ سنة (1348هـ) .
-الناسخ : علي بن صالح بن عبدالله الجمالي .
-عدد الصفحات: بلغ صفحات كتاب الرسالة البديعة (31) صفحة.
-عدد السطور : (18) سطراً في الصفحة في الصفحة الواحدة بمتوسط (10) كلمة في السطر .
-الخط: نسخي لا بأس به .
وقد أثبت ما جاء في آخر المخطوطة في الورقة الأخيرة من الكتاب المطبوع . وفي صفحة الغلاف جاء ما لفظه : هذه الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة أنشأها الفقيه العارف حسام الدين العلامة حتف المعاندين وشحاك الملحدين أبو محمد عبدالله بن زيد العنسي المذحجي رحمه الله ونشر عليه سرابيل رداءه . جواباً لبعض فقهاء الشافعية وهو الفقيه أكرز [كذا] الشافعي، والحمد لله على كل حال من الأحوال وصلى الله على سيدنا محمد وآله خير آل .(1/20)