وحرصتُ وأحرص على التنقّل بين عصور المؤلفين الزيدية، وانتقاء العالم المصنّف لكل عصر، وخلال ما أنا أتصفّح مؤلفات أعلام الزيدية لفتَ نظري تسمية هذا الكتاب، وجعلت أتمحّل ما قد أُوْدِعَ فيه على ضوء التسمية، وزاد من رغبتي كونه بالرسالة أقرب منه إلى الكتاب، ومن ثمَّ أعطيت مظان وأمكنة النُّسَخ تعلّق بالي.
فأخبرني الأخ إبراهيم بن يحيى الدرسي على وجود نسخة لديه، وتفضّل بإرسالها مشكوراً، ومنها رأيت المؤلف في قوة البيان، ونصاعة الاستدلال، ونضوج الولاء لأهل البيت (ع)، والتفتُ أنظر ترجمة المؤلف وأقوال العلماء والمؤرخين فإذا خناصر الثناء عاقدة على مدحه، والتعريف بعلمه وتبحره في المعقول والمنقول . فما كان مني إلا أن دفعت المخطوطة للصف ومنه إخراج نسخة أولى، وأخذت في التهيئة والإعداد، وتلخيص المطلوب، والعمل على تحصيل مراجع ومصادر التحقيق، ورصد المظانّ.
ومع بداية الخطوة الأولى ساومتني فكرة التخريج، وعدم الاكتفاء بما يسمى التحقيق، وبدأت هذه الفكرة مشجعة نوعاً ما، ولكن سرعان ما انتهت كعائق من العوائق أغفلتني عن الكتاب أو الرسالة لمدة سنة كاملة، ولم أستطع بعدها إلا أن أمدّ النفس، وأستجمع القوى للإطاحة بثكنات التواني، وساعدني في ذلك إقتناء جهاز الحاسوب، والاستعانة بالبرامج الحديثية، ولا أنسى ما كان من أفضال السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي في إتاحته الكريمة للتنقل والبحث في مكتبته الخاصة –المخطوط والمطبوع- ولكي يتضح ما عملته في المخطوطة جعلت للرسالة مقدمة التحقيق.
منهج تحقيق المخطوطة
1.مقابلة المصفوف بالكمبيوتر على النسخة (أ) و(ب)، وهي الأصل التي صف عليها، وأثبت الاختلافات الموجودة بينهما في الهامش، وجعلت من اللائق والموالف لسياق الكلام ما يثبت عند اختلاف النسخ مع الإشارة لذلك.
2.وضع علامات الترقيم المتعارف عليها.(1/6)
3.وضع نهاية كل صفحة من صفحات المخطوط ما لم يوافق آية قرآنية.
4.وضع عناوين جانبية خاصة ببعض الموضوعات التي تنقل المؤلف ما بينها بين معكوفتين.
5.وضع الناقص من النسختين المحقق عليها مما هو في المصادر المرجوع إليها بين معكوفتين [...] دون تنبيه.
6.تخريج الآيات القرآنية وضبطها، وقام بذلك العاملون بمركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلامية.
7.تخريج الأحاديث النبوية الشريفة تخريجاً تعريفياً.
8.تخريج المروي من كلام أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-.
9.تخريج تفاسير بعض الآيات التي أوردها المؤلف للاحتجاج.
10.توثيق الآثار الواردة عن الأئمة وغيرهم وذلك بالعزو وتوضيح المصادر التي روتها.
11.التعريف والترجمة للأئمة الذين ورد ذكرهم تحت ما عُنون بالعنوان التالي [أئمة الزيدية والآثار النبوية الواردة فيهم] وأغلب التراجم مما هو موجود في هامش (المصابيح الساطعة الأنوار) تحقيق السيدان محمد قاسم الهاشمي، وعبدالسلام عباس الوجيه.
ترجمة المؤلف
هو الفقيه العالم العلامة الأصولي المتكلم شيعي آل محمد عبدالله بن زيد بن أحمد بن أبي الخير العنسي.
مولده / لم تذكر المصادر تاريخ مولده بالتحديد وإنما على جهة التقريب.
قال القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري(1)[1]): رأيت في ديباجة مؤلفه الذي سماه (اللائق بالأفهام في معرفة حدود الكلام) بخط يده ما لفظه: أُلّف في حال الدرس وقبل نبات اللحية، وكتب هذه النسخة وقد بلغ ستة وستين سنة من العمر بكحلان المحروس سنة تسع وخمسين وستمائة ، والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله. انتهى.
__________
(1) ـ إجازات المسوري وعنه نقل أبو الرجال في مطلع البدور.(1/7)
فمولده -رحمه الله- على هذا سنة أربع أو ثلاث وتسعين وخمسمائة، ووفاة المنصور بالله –عَلَيْه السَّلام- والفقيه في نحو إحدى وعشرين سنة لأنها في سنة أربع عشرة وستمائة، وهو أسنّ من الإمام أحمد بن الحسين سلام الله عليه بهذا القدر ؛ لأنه –عَلَيْه السَّلام- ولد سنة وفاة المنصور بالله عَلَيْهم السَّلام جميعاً ورحمة الله وبركاته، أو في السنة التي قبلها على اختلاف الروايتين.
قلتُ: وعليه فالمؤلف ممن نبلوا في عصر الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وهم طبقة كثيرة العدد منهم العلماء والمصنفين مثل: الأمير الحسين بن بدرالدين، والشهيد حميد المحلي، وغيرهم.
أقوال مترجميه
ترجم له صاحب مطلع البدور فقال: هو العلامة إمام الزهاد، ورئيس العباد، ولسان المتكلمين، وشحاك الملحدين، مَفْخَر الزيدية بل مفخر الإسلام ، جمع ما لم يجمعه غيره من العلوم النافعة الواسعة، والأعمال الصالحة.
وترجمه صاحب (سيرة الإمام المهدي أحمد بن الحسين) قائلاً: وهذا القاضي من العلماء والمجتهدين، ممن شهد باجتهاد الإمام المهدي. وكمال خصال الإمامة فيه، ولم يزل على ذلك إلى أن مضى(1)[2]).
وترجمه صاحب أعلام المؤلفين الزيدية فقال: عبدالله بن زيد بن أحمد بن أبي الخير العنسي المذحجي، الزبيدي، من كبار علماء القرن السادس الهجري ، فقيه، مجتهد، أصولي، متقن، عاصر الإمام أحمد بن الحسين وناصره، واستعان به الإمام في أمور كثيرة.
مشائخه ومن أخذ عنه
كل من ترجم له اكتفى بذكر شيخ آل الرسول بدرالدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع) من شيوخه، وناهيك به شيخ علوم وحلوم.
قال في حقّه صاحب مطلع البدور: هذا الأمير الذي خضعت له العلوم، ونشر على رأسه ألوية المظنون منها والمعلوم، وعكفت العلماء من الثقلين على بابه، وتشرّفت بلثم أعتابه.
__________
(1) ـ نقل هذا الكلام عن السيرة المؤرخ يحيى بن الحسين في المستطاب، والمسوري في الإجازات (428/خ).(1/8)
قلت: وعلى هذا فالمؤلف رفيق الشهيد حميد المحلي، والأمير علي بن الحسين (صاحب اللمع)؛ في حلقة شيخه الذي عكفت العلماء من الثقلين على بابه، وتلاميذ شيخ آل الرسول كُثُر وأوردهم (صاحب الطبقات الكبرى) في شتيت التراجم.
وفي الطبقات: أن المؤلف أخذ عن الشهيد حميد المحلي.
قلت: ولا مانع من ذلك وإن كانا في الظاهر كالأتراب، فالشهيد حميد يكبر المؤلف بعشر سنوات تقريباً لحيث ومولده سنة (582هـ) وهذا للتنبيه فقط، وإلا فهذا مما لا يعتبر في الأخذ.
من أخذ عنه من العلماء
* الأمير الحسين بن محمد صاحب شفاء الأوام، وشهرته تغني عن التعريف به، أمير ، مجتهد ، مصنف.
* محمد بن جابر الراعي، قال في الطبقات: من تلامذة عبدالله بن زيد العنسي، وجرت بينه وبين الأمير الحسين مراجعة في ذبائح أهل الكتاب.
* يحيى بن منصور بن المفضل، قال في الطبقات: اشتهر بعلم الكلام، وقرأ على أخيه المفضل بن منصور، وقرأ أيضاً على عبدالله بن زيد العنسي.
* وفي المسائل المذهبة: كان الفقيه عبدالله بن زيد آخر المجتهدين، ولم يجمع العلوم في وقته من جنسه أحد غيره، وهو شيخ السادة الأكابر الأمراء أهل قطابر في أصول الدين وأصول الفقه.
مؤلفاته
للمؤلف رحمه الله العديد من المؤلفات ما بين كتب ورسائل، قال في مطلع البدور: ذكر بعضهم أن كتبه مائة كتاب وخمسة كتب ما بين صغير وكبير، وكان جيد العبارة حسن السبك، وكلامه كأنما ينحط من صبب.
قلت: وكلام صاحب المطلع في عدد مؤلفاته موافق لطبيعة المؤلف وسهولة الكلام عليه، وإنما لم يُنقل إلينا تفاصيل هذا العدد لكونها في الغالب رسائل ومكاتبات مما جرت بينه وبين معاصريه، وهي من الأهمية بمكان لو وجدت. أما الكتب والرسائل –ذات القطع الكبير- والذي نقل إلينا فيمكن أن نوجزها على النحو التالي:(1/9)
1.الإرشاد إلى نجاة العباد: (كتاب في الزهد). قال في أعلام المؤلفين: فرغ من تأليفه سنة (632هـ) واشتهر به، (طبع) بتحقيق السيدان: محمد قاسم الهاشمي وعبدالسلام عباس الوجيه.
2.التحرير: في أصول الفقه (خ). قال القاضي المسوري ونقل الكلام صاحب المطلع: كتاب نفيس. نقل عنه تلميذه محمد بن جابر الراعي كما في الجواهر المضيئة.
3.رسالة في الجمع بين الصلوات (خ). ضمن مجموع بمكتبة آل الهاشمي خطت سنة (1078هـ).
4.الدرة المنطومة: في أصول الفقه (خ) ذكره ابن أبي الرجال في (المطلع)، ويحيى بن الحسين في (المستطاب).
5.الرسالة الداعية إلى الإيمان: (في الرد على المطرفية) مفقود. ذكره ابن أبي الرجال في مطلع البدور، نقلاً عن المسوري.
6.التميز بين الإسلام والمطرفية الطغام: (خ) في مجلد ضخم، وقف عليه الحبشي بمكتبة محمد ساري بصنعاء. نقل عنه المرتضى بن المفضل في كتابه (بيان الأمور المجملة) كما في هداية الراغبين (طُبع عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية - بتحقيقنا).
7.التوقيف على توبة أهل التطريف: (خ). قال الوجيه: مخطوط منه نسخة بمكتبة برلين برقم (10291).
8.الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة: وهو الذي بين يديك.
9.الرسالة الحاكمة بتحريم مناكحة الفرقة المطرفية الظالمة: (خ). قال الوجيه: مكتبة برلين رقم (10288).
10.الرسالة المنقذة من العطب السالكة بالنصيحة إلى أهل شظب: (مخطوط) ضمن مجموع (64) المكتبة الغربية. فرغ منها في ربيع الآخر سنة (660هـ) في حصن كحلان، قال المسوري: رأيتها بخطه.
11.السراج الوهاج المميز بين الاستقامة والاعوجاج: (خ) منه نسخة في مكتبة برلين (10284).
12.الرسالة الناطقة بضلال المطرفية الزنادقة: (خ) منه نسخة في مكتبة برلين رقم (10289).(1/10)