ولما قُتِل زيد بن علي [عَلَيْه السَّلام] استعبر جعفر بن محمد باكياً ثم قال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)} [الأحزاب]، وقال: (والله ذهب عمي زيد وأصحابه على ما ذهب عليه جده علي والحسن والحسين شهداء من أهل الجنة، التابع لهم مؤمن، والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر، وإنهم ليحشرون يوم القيامة أحسن الخلق زينة وهيئة ولباساً وفي أيديهم كتب كأمثال الطوامير، فتقول الملائكة: هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق، ولا يزالون كذلك حتى ينتهى بهم إلى الفراديس العُلى؛ فويل لقاتلهم من جبار الأرض والسماء(1)[80])).
فبَيَّنَ [عَلَيْه السَّلام] فضلَ زيد وأصحابه بأظهر بيان، وأوضح أن الزيدية تدخل معهم إلى آخر الزمان بقوله: ومنهم من ينتظر، حين تلا الآية، وما من زمان إلا وهم ينتظرون مجيء أمر الله والقائم بدين الله.
وعن ابن عباس - رحمه الله - قال: بينما علي عَلَيْه السَّلام بين أصحابه إذْ بكى بكاءً شديداً حتى لثقت لحيتُه فقال له الحسين(2)[81]) عَلَيْه السَّلام: يا أبه مالك تبكي ؟
قال: يا بني لأمور خفيت عليك أنبأني بها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، قال: وما أنبأك به ؟
__________
(1) 80])ـ روى خبر استعبار الإمام جعفر الصادق عند مقتل عمه الإمام زيد بن علي –عَلَيْه السَّلام-: الحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (ص135) ، ورواه الإمام الهادي في المجموعة الفاخرة (كتاب العدل والتوحيد) وفيه : وعنه أيضاً لما جاءه خبر قتل أبي قرة القيلي بين يدي زيد بن علي ....الخبر بتمامه .
(2) 81])ـ في (أ، ب): الحسن، وما أثبت تصويب .(1/46)


قال: يا بني لولا أنك سألتني ما أخبرتك لئلا تحزن ويطول همك، أنبأني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فذكر حديثاً طويلاً قال فيه: ((يا علي كيف إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض من طولها والعرض))، فقلت: يا رسول الله، من هو ؟
قال: ((يا علي رجل أيّده الله بالإيمان، وألبسه قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنآن، ثم يصلبه على جذع رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعُسْبان(1)[82]) حتى يكون رماداً كرماد النيران، ثم يصير إلى الله عز وجل(2)[83]) روحه وأرواح شيعته إلى الجنان(3)[84]))).
وهذه أخبار شاهدة للزيدية بأنهم أهل الإيمان وورثة الجنان، ومن المعلوم البين أن [8-أ] الزيدية هم الفرقة العادلة في المحبة لأهل البيت عَلَيْهم السَّلام ، ولهذا قاموا معهم وقُتلوا بين أيديهم وحاموا عليهم.
__________
(1) 82])ـ العسبان: جريدة من النخل كشط خوصها . أهـ قاموس .
(2) 83])ـ نهاية الصفحة [13-ب] .
(3) 84])ـ الخبر: أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية (ص300) [نسخة خاصة]، قال: أخبرنا الشريف أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن الحسني البطحاني الكوفي بقرآتي عليه بها، قال: حدثنا زيد بن جعفر بن حاجب، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن وليد، قال: حدثنا الحسين بن علي بن هاشم النحاس، قال: أخبرنا أحمد بن رشد، قال: حدثنا سعيد بن خثيم، قال: حدثنا محمد بن شريك العامري عن أبيه عن ابن عباس ...الخبر بتمامه .(1/47)


ولهذا قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم [أخرى] حتى ينجيه الله يوم القيامة(1)[85]))).
وعنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا يؤمنون حتى يحبوني، والله لا يحبوني حتى أكون عند المؤمن أبر من نفسه، وأهل بيتي آثر عنده من أهل بيته، وولدي أحب إليه من ولده، وأزواجي أحب إليه من أزواجه(2)[86]))).
وعن زيد بن علي [عَلَيْه السَّلام] قال: (من خدش فينا خدشاً كان له نوراً يوم القيامة يصدع مدّ بصره وموضع قدمه، ومن كان لنا في عنقه عهداً، فقُبض على فراشه قبضه الله شهيداً، ومن استشهد معنا جاء يوم القيامة معنا لفيفاً كما يلتف أهل الجنازة بجنازتهم، ولشهيدنا فضل على من سوانا سبع ربوات - يعني سبع درجات - كل درجة مسير شهر، كذلك نحن وشهداء شيعتنا(3)[87]).
__________
(1) 85])ـ رواه الإمام القاسم بن إبراهيم في كتاب إمامة علي بن أبي طالب (ص221)، والإمام الهادي كما في درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية (ص51)، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (ص119) عن أمير المؤمنين بلفظ: ((ما اختار أهل البيت )) الخبر .
(2) 86])ـ أخرجه بلفظ مقارب: الإمام الناصر الأطروش بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى في (البساط 73)، والإمام المرشد بالله في أماليه عن أبي ليلى (1/150)، وأخرجه البيهقي، وأبو الشيخ، والديلمي، والطبراني، وابن حبان عن أبي ليلى، وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب (2/134) برقم (619) عن أبي ذر بلفظ: ((لا يؤمن أحدكم ..الخبر)) أهـ.
(3) 87]) - الخبر : رواه الإمام الموفق بالله في الاعتبار وسلوة العارفين ص(950) .(1/48)


<وفيه دلالة أن مَنْ وفى بعهده لهم، وعهد وصية الله فيهم ثم مات على فراشه مات شهيداً(1)[88])>، ومعلوم أنه ما وفى بالعهد لهم من خالف مذهبهم، وتبع عدوّهم، وإنما وفى بذلك من تمسك بعصمتهم، وسلك مسلكهم في عقيدتهم وقولهم وفعلهم، وإنما يُعْرف ذلك من الزيدية دون غيرهم.
وعن جعفر بن محمد [عَلَيْه السَّلام]: (كل راية في غير الزيدية فهي راية ضلالة(2)[89]))، وهذا نص صريح أن الزيدية هم الفرقة الناجية.
وأيضاً فمن الظاهر الجلي أن الزيدية إنما يتبعون من شَهِدَتْ له بالتزكية، والكون على الحق النصوصُ جملة وتفصيلاً:
[14-ب] أما الجملة: فلأنهم يتبعون أهل البيت عَلَيْهم السَّلام والآثار فيهم واردة كثيرة أنهم أهل الحق لقوله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى(3)[90]))).
[أئمة الزيدية والآثار النبوية الواردة فيهم]
وأما التفصيل: فإنهم يتبعون من الرجال:
__________
(1) 88])ـ ما بين المفتوحتين سقط من (أ) .
(2) 89])ـ الخبر : أخرجه عن الإمام جعفر الصادق الموفق بالله في الاعتبار وسلوة العارفين ص(590) ، وفي المحيط بالإمامة بسنده إلى فضيل بن الزبير، قال: سمعت زيد بن علي قال: (كل راية رفعت ليست لنا ولا بدعاء إلينا فهي راية ضلالة) . وفي الكواكب الدرية ص(27) [نسخة خاصة] قال: وما رويناه عن أمير المؤمنين –عَلَيْه السَّلام- قال: (ألا كل راية ليست لنا فهي ضلالة) .
(3) 90])ـ سبق تخريجه .(1/49)


أمير المؤمنين علي [عَلَيْه السَّلام] وهو من قال فيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((علي مع الحق والحق مع علي(1)[91]))).
والحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة بالنص من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم(2)[92]).
__________
(1) 91])ـ أخرجه الإمام أبي طالب في الأمالي (ص55) عن أم سلمة، والهيثمي في مجمع الزوائد (9/134)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/134) عن علي –عَلَيْه السَّلام-، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/153) في ترجمة الإمام علي، وهو من حديث أم سلمة الآتي تخريجه .
(2) 92])ـ الحديث المشار إليه ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما)) أخرجه الترمذي (2/306، 307) عن أبي سعيد الخدري وعن حذيفة، وأخرجه أحمد بن حنبل (5/391)، وأبو نعيم في الحلية (4/190)، والنسائي في الخصائص (255) (140، 141)، وابن ماجه عن ابن عمر (1/44) (118)، والحاكم في المستدرك (3/182) عن عبدالله بن مسعود، قال: حديث صحيح، والبغدادي في تاريخه (1/140) عن علي –عَلَيْه السَّلام-، وابن حجر في الإصابة (6/186) من ترجمة مالك بن الحويرث الليثي، ورواه ابن حجر أيضاً في الإصابة (1/226) عن جهم، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/182) عن عمر بن الخطاب، والطبراني في الذخائر (135) عن علي بن الهلالي عن أبيه، وهي في كنوز الحقائق للمناوي (81) .(1/50)

10 / 21
ع
En
A+
A-