(6) السؤال السادس (قال عافاه اللّه تعالى) سؤال:
ورد في الحديث: ((الصلوات الخمس كفّاراتٌ لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر )) ، قوله (ما اجتنبت الكبائر) مشكلٌ لأن الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر كما ذلك معروف ، فماذا كفّرت الصلاة مع أنه لا يتحقق اجتناب الكبائر إلا مع الإتيان بالصلوات الخمس فهما متلازمان ، ثم هل يحاسب على الصغائر أم لا؟ إن قلتم لا يحاسب، فكيف بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ما من نبي إلا وهو يحاسب يوم القيامة بذنب غيري )) ، ومعلوم أن معاصي الأنبياء صغائر ، وقوله تعالى: {ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وغير ذلك، وإن قلتم يحاسب فما معنى الحساب مع التكفير لها ومع التوبة؟ .
*الجواب السادس:
أن الصغائر مُكفَّرة بجنب الطاعات، والطاعات هي الإتيان بالواجبات واجتناب المقَبَّحات ، فحينئذ الحديث وهو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( الصلوات الخمس كفّارات لما بينهنّ )) من باب التنصيص على بعض أفراد العام تنبيهاً على عظم شأن الصلاة وكونها معظم أركان الإسلام، ولهذا ثبت في الأذان حي على خير العمل ، وإلا فالمعلوم أنه لو صلى ولم يصم، أو صلى وفعل كبيرة فإن الصلوات لا تكون كفارة لما بينهن.(1/18)
وأما قول السائل: وهل يحاسب على الصغائر أم لا؟ فظاهر الأدلة أنه لابد من الحساب على الصغير و الكبير لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ما من نبي إلا وهو يحاسب بذنب غيري )) ومن المعلوم أن ذنوب الأنبياء صغائر، وقوله تعالى: {ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} وقوله تعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} وقوله تعالى: {ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} ، ويكون فائدة الحساب على الصغائر إظهار النعمة، والتمنن من اللّه تعالى، وصدق الوعد والوعيد ، وهذه ثمرة ظاهرة مثل ورود المؤمن على النار أي إطلاعه عليها ليعرف قدر ما هو فيه من النعمة، وما صرف اللّه عنه من النقمة، ومثل هذا محاسبة التائب على ما تاب منه سواء، ويكون الحديث المخصوص بالرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم مخصصاً لعمومات أدلة الحساب.
ويبقي الإشكال في حديث (( إن لله سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب )) لما يلزم منه أن تكون حالتهم أفضل من حالة الأنبياء عليهم السلام مع النص على (( أنه ما من نبي إلاّ وهو يحاسب بذنب غيري )) ؟
ويجاب عنه بمنع اللزوم ، أعني أنه لا يلزم من محاسبة الأنبياء أن تكون حالتهم أدنى، بل يمكن جعل حديث السبعين الألف مخصصاً ثانياً لعموم أدلة الحساب، ويمكن أن تكون محاسبة الأنبياء فيها زيادة نعمة وراحة لهم حيث تُمحَي عنهم تلك الصغائر، ثم يبلغون مراتب عالية على المكلفين، وثواباً نامياً على ثواب سائر المتَعبَّدين لكرامتهم على اللّه وخلوص أعمالهم، ويعرفون بذلك أنه لم يساو بينهم وبين من ليس هو من معاشر النبيئين فتقر خواطرهم، ويزدادوا راحة إلى راحتهم سلام اللّه عليهم.
(1/19)
(7) السؤال السابع ( قال أيده اللّه تعالى) سؤال:
ما يقال في صفات اللّه تعالى من نحو الصمد والمتفضل ونحوهما ؟ إن قلنا لم يزل متفضلاً مصموداً لزم قدم المتفضل عليه والصامد لأن صفة الفعل الثابتة بعد أن لم تكن كما ذكره الإمام المرتضي وغيره ، وإن قلنا إن اللّه تعالى كان غير متفضل ومصمودٍ فهذا لفظ يوجب الذم ، فما الجواب في هذه وفي نحوها من صفات الفعل الثابتة بعد أن لم تكن كالخالق والرازق والجواد ونحوها؟ وقولنا: إن علم اللّه تعالى غير متناهٍ، فهل المعلومات غير متناهية كالعلم أم لا؟.
*الجواب السابع:
أن صفات اللّه تعالى انقسمت إلى قسمين:
صفة الذات، وصفة الفعل، وانقسامها باعتبار معانيها.
فإن صفة الذات هي الذات من غير وجود شئ آخر يعني أنه لم يكن هناك شئ زائد على ذاته تعالى، وإنما سمي بها من حيث وجوده وحياته وقدمه وقدرته، ونحو ذلك.
(1/20)
وصفة الفعل ما ثبت له تعالى من الصفات باعتبار التعلق بشيء آخر كالخالق والرازق والصمد والمتفضل ، فإنها باعتبار المخلوق والمرزوق ونحوهما، ولا يمتنع إتصافه تعالى بها في الأزل حقيقة كما هو اختيار الإمام القسم بن محمد عليه السلام ومن معه على معنى أنها حاصلة بالقوة ([34]) وإن لم تحصل بالفعل وكلا الأمرين حقيقة، كما هو المعروف من الوضع العربي في مثل اسم الفاعل، فإنه بمعنى الحال والماضي والمستقبل من باب المشترك ، وحينئذ فالقرينة إذا نصبت فإنما هي لتمييز أحد المعاني عما سواه، وإن لم تنصب حمل على الإطلاق، وإن كان قد اختار الجمهور في خالق ما سيكون أنه مجاز لعدم حصول المعنى المشتق منه ولافتقاره إلى القرينة، فقد أجيب عنه بأن حصول المعنى المشتق منه ليس بشرط في الوضع بل من الجائز الوضع باعتبار معنى مستقبل كتسمية السيف صارما أخذاً من الصرم وهو القطع ، وإن لم يكن قد حصل وفي القرينة أنها نصبت للتمييز بين معاني المشترك ، لا أنها قرينة المجاز.
_________________
([34]) ـ قال السيد الإمام أبو عبداللّه قاموس آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم محمد بن القاسم بن إبراهيم صلوات اللّه عليهم، وكذلك كان رحيماً ولا مرحوم بالقوة التي يرحم بها المرحوم، إذ خلقه ورضاه الرحمة وأنها عنده محموده من فعله للأمة، ولا يجوز أن يقال إن اللّه لم يزل لهذه المخلوقات فاعلا قبل فعلها ولكن يقال كان خالقا بالقوة إذا أراد أن يخلقه إلى قوله وحكيم بقدرته التامة على الحكمة ولا محكمات قبل خلقه لها إلى آخر كلامه عليه أزكى صلوات اللّه وسلامه، وقال الإمام الموفق باللّه أبو عبداللّه الحسين بن إسماعيل الجرجاني عليهما السلام في كتاب الإحاطة: فأما من قال إنه تعالى لم يزل جواداً عدلاً إن أراد بذلك أنه بالصفة التي يصح أن يجود ويعدل في المستقبل فهو صحيح، وإن أراد بذلك فاعلاً للجود والعدل فإنه لا يجوز، لأن كون الفاعل فاعلاً يقتضي تقدمه.... الخ كلامه عليه السلام انتهى من خط شيخنا مجتهد العصر/ مجدالدين المؤيدي أيده اللّه تعالى.(1/21)
وثمرة الخلاف في كون الوصف قبل وجود المتعلق حقيقة أو مجازاً، أن من قال: هو حقيقة، لم يفتقر إلى السمع ، ومن قال: هو مجازاً افتقر إلى السمع، إذ لا يطلق علي اللّه تعالى من الأسماء إلا ما كان حقيقة([35]) أو ورد به أذن سمعي، والصحيح الأول، ومن هنا ارتفع إشكال ما يلزم من إيهام الذم، ويمكن التلفيق بين القولين بأنها إن كانت بالقوة فهي ثابتة في الأزل، لأنها بمعنى القدرة مثلاً، وهي من صفات الذات ، وإن كانت بمعنى الفعل فهي ثابتة بعد أن لم تكن.
وأما لفظ الجواد ففيه نظر([36]) ، فقد قيل إنه لم يرد به إذن سمعي مع كونه مجازاً.
وما ذكره السائل من قوله إنَّ علم اللّه غير متناهٍ فهل المعلومات غير متناهيه كالعلم أم لا؟
________________
([35]) ـ أي وتضمن مدحاً ، وعند المرتضى عليه السلام ومن معه أنه لا يجوز إطلاق شيء من الأسماء لا حقيقة ولا مجازاً إلابإذن سمعي، كما ذكروا ذلك وحججه في موضعه من أصول الدين .انتهى من شيخنا مجتهد العصر/مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده اللّه تعالى .
([36]) ـ وجه النظر أنه مجاز فلا يصح إطلاقه قبل ورود السمع فلا يصح أن يفرض اتصاف الباري تعالى به في الأزل، وأما بعد ورود السمع فلا كلام في صحة إطلاقه لكنه خلاف مراد السائل فتأمل فمحطّ الإفادة في قوله مع كونه مجازاً أي فإذا قد قيل بمنعه بعد ورود السمع فبالأولى قبله. انتهى نقلاً من خط شيخنا الحافظ/ مجد الدين المؤيدي قدس اللّه سره.(/)