(29) السؤال التاسع والعشرون (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
امرأة مات زوجها أو طلق وقد ظهرت عليها أمارات الحمل من عيافة وكبر بطن وإنقطاع حيض، فلم تزل كذلك زايداً على أكثر مدة الحمل فهل يحكم بانقضاء العدة مع وفاء الأربع السنين أو يحكم بأنه لا حمل البتة؟ وهل يجوز لها أن تتزوج بعد مضي أكثر الحمل ومن المعلوم بقاء الحمل في بطنها أم تمكث السنين الكثيرة لا ذات زوج ولا فارغة؟ وهذه المسألة حادثة في كثير من النساء، وقد تيقن للمرأة موت ما في بطنها وبقاؤه في بطنها فما يكون الحكم في ذلك؟.(1/103)


*الجواب التاسع والعشرون:
عند أهل المذهب أن أكثر الحمل أربع سنين مطلقاً، لحديث أمير المؤمنين عليه السلام كما في الانتصار وضياء ذوي الأبصار وغيرهما، فإن كان الوضع لفوق أربع سنين من الوفاة لم يلحق به ولو حصلت أمارته فيجب القضاء بحكم الدليل بأن اللّه تعالى قد أجرى العادة أن الحمل لا يلبث أكثر من ذلك لا حياً ولا ميتاً، لما في تحديد المدة من المصلحة، إذ لو أطلق الحكم لاضطربت الأحكام الشرعية في ذلك وأدى إلى مفاسد، ولأن الأمارات إنما هي قرائن مفيدة للظن، ولهذا نص أهل الطب على علاج العلة التي ترفس في البطن كالجنين، وكذلك انقطاع الحيض وغيره من أمارات الحمل تحصل لعلل في البطن، ولما يجوز على البشر من العمد والخطأ، ويجوز أن تجامع مكرهة أو نائمة أو زائلة العقل ونحو ذلك، فهذه التجويزات تصير إلحاقه مظنوناً ظناً لا يقاوم الدليل الذي استفيد منه الحد بالقدر المعلوم المطابق لمصلحة الأحكام، ولهذا قال بعض العلماء: إنها تحد، والمختار عدم الحد حملا لها على السلامة لتجويز ما ذكرناه من الإكراه والنوم، وذلك لا ينافي إلحاق الولد بها ونفي نسبه ممن قد انقضت عدتها منه شرعاً وعدم إلزامه حقاً بمجرد القرائن التي لا دليل عليها، هذا توجيه كلام أهل المذهب وإن كانت المسألة نظرية وللناظر نظره، لكن كلامهم البينُ الذي لا غبار عليه.(1/104)


وأما عن الطلاق فالبائن والرجعي بعد إقرارها بانقضاء العده حكمه ما مر، إذ الإقرار أقوى طرق الحكم لقوله تعالى:{بل الإنسان على نفسه بصيرة}، نظيره لو أقر لغيره بعين في يده هي ملكه لزمه إقراره، ولا يقال: إن إقرارها بالانقضاء يتضمن إسقاط حق لغيرها وهو الجنين مثلاً، لأنّا نقول: هذا أمر لا يعرف إلامن جهتهن - أعني الحمل والحيض-، ولهذا قال تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن} فإذا أقرت بالانقضاء قبل قولها وصار هو الظاهر والمناط الشرعي المعمول به ودار الحكم عليه، وأيضاً فلو أبقينا حق الجنين لزم منه بطلان الإقرار وهو لا يصح، ولأن الأحكام غالباً تتبع الظاهر، ولهذا يحكم بالولد للفراش الجديد مع تجويز أن يكون من الأول فيما دون الأربع السنين، وأن يكون الذي انقضت به العدة دم علة أو فساد، ولكن لم يحكموا بهذا، بل أناطوا الحكم بالظاهر، والفراش الجديد.
نعم وأما في الرجعي فيلحق به تجويزاً للرجعة وحملاً على السلامة إن أمكن حمله على وطئ منه حلال، ويتفرع عليه ما ذكره الإمام المهدي عليه السلام في الأزهار من قوله: (وكذا بعده بدون ستة أشهر لا بها أوبأكثر إلاّ حملاً ممكناً من المعتدة بالشهور لليأس).
وسألتم: هل يجوز لها أن تزوج بعد الأربع السنين والحال ما ذكر؟. والجواب: أن لها أن تتزوج ولكن تمتنع من الوطئ فلا يجوز لها حتى تضع وتطهر من النفاس كما ذكروا في استبراء الحامل من زنى، وأما العقد عليها فجائز، واللّه أعلم.
(1/105)


* * * * *
ثم قال رضي اللّه عنه: فهذه أسئلة المطلوب - من مولانا أمير المؤمنين المهدي لدين رب العالمين - الجواب عليها جواباً مبسوطاً بالأدلة الشافية ويكون ذلك منكم على حسب إمكانكم، ومع تمام الجواب أرسلوا بهذه السؤالات وجواباتها جزيتم خيراً، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، والسائل مسترشد وهو الفقير إلى اللّه إبراهيم بن عبد اللّه الغالبي وفقه اللّه لصالح العمل، انتهى لفظه.
فنقول: وعليكم يعود جزيل السلام ورحمة اللّه وبركاته، وقد صدرت الجوابات حسب الإمكان بعون المنان حسبما ذكرنا في مستهلها، والحمد لله على كل حال من الأحوال، والصلوة والسلام على سيدنا محمد خير نبي وعلى آله خير آل.
قال في الأم وحرره بقلمه العبد الحقير المفتقر إلى الملك الكبير عبد اللّه أمير المؤمنين المهدي لدين رب العالمين لطف اللّه به وبالمؤمنين آمين.
قال في الأم وافق الفراغ ليلة الجمعة المباركة لعشر بقين من شهر جمادى الأولى سنة (1299هجرية ) ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
قال في الأم: يقول العبد الفقير، المعترف بالتقصير إبراهيم بن عبداللّه بن علي بن علي بن قاسم بن لطف اللّه الغالبي وفقهم اللّه آمين:(1/106)


الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين آمين:وبعد:
فلما وصلت إلينا هذه الجوابات الفريدة، والحكم البديعة المفيدة، التي بها تنشرح الصدور، وبالتملي فيها يحصل الفرح والسرور، كشفت عنّا غياهيب الظلم، وأهدت إلينا بدائع الحكم، وأذهبت عنا الهموم، ورفعت الهمم، فلقد اشتملت على معان سطع صباحها مستنيراً، وظهر شعاعها مستطيراً، حتى صارت مشرقة الجوّ مغدقة النوّ، مونقة الضوء، تضعف الخواطر عن إدراك معانيها، وتصغر القرائح عن اقتراح ما يساويها، قد عمّ نورها عند وصولها الآفاق، وسمت وارتفعت على طويلات الأعناق، فهي بلا شك مغناطيس النفوس، والأمان من كل بؤس، والروضة الجامعة لكل بلاغة أنيقة، والمحتوية على كل معنى حسن وفصاحة غديقة، سقت سماءُ المعاني أرضَ ألفاظها فنبتت بأحكام ومعاني زكى نباتها، وأينعت ثمارها فهزتها لواقح الأفكار والأنظار فتساقط ثمارها، فلا يبرح الناظر مستخرجاً للدر الحسان، إلى أن ينتهي إلى ما لا يخطر على الأسماع والأذهان، لم يترك مقفلاً إلاّ فتحهُ وكشفه، ولا مختوماً إلاً أذهب خاتمه وعرّفه، فعاد الظلام منها ضياءً ونوراً، وابتهج القلب بها سروراً، كيف لا تكون كذلك، ومنشيها ومرصع درر ألفاظها وموشّيها،هلالُ هالة العلماء الأطهار، وفرع الأئمة البدور المتلألئة الأنوار، والهادية إلى دار القرار، مَنْ له اليد الطولى في معجزات البلاغة، الفائق لأبناء زمانه في الفصاحة، من خاض في بحار العلوم فاستخرج الدقائق ووقف على خفيات الحقائق، بقية العلماء المعتبرين، وخلاصة الآل الأكرمين مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين المهدي لدين اللّه رب العالمين أيد اللّه الدين ببقائه،(1/107)

20 / 21
ع
En
A+
A-