وأما قوله تعالى: {ففزع من في السماوات ومن في الأرض}([13]) فالمعنى الظاهر في تفسير هذه الآية الكريمة، أن المراد به الموت الذي لابد أن يجري على كل حي، لأنها عبارة عن النفخة الأولى، ولهذا لم يذكر الفزع في النفخة الثانية في قوله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وقد قيل إن ما قبل ثم وما بعدها مدة لا يعلم قدرها إلا اللّه تعالى.
___________
([13]) ـ أما الآية الكريمة فالتخصيص فيها متصل بالاستثناء وهو قوله تعالى [إلاّ من شاء الله ]، تمت من مولانا مجتهد العصر /مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى.(1/5)


(2) السؤال الثاني (قال أبقاه اللّه تعالى) سؤال:
قد أوجبوا محبة المؤمنين وكراهة الفاسقين ، وهي معلومة بالضرورة الدينيَّة مع تصريح الحديث أن المحبة من فعل اللّه لا يعاقب المرء عليها بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( فلا تلمني فيما لا أملك )) ، وقد يحب الإنسان زوجته محبة كاملة مع كونها فاسقة، وقد أوجب اللّه تعالى معاداة الفاسق وكراهيته وعدم محبته، وقال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} فكيف الجمع بين ذلك؟.
*الجواب الثاني:
أن المحبة والكراهة تستعمل تارة ، ويراد بها الأمر الطبيعي الجبلي ، ومعناه ميل النفس بالطبع ، والاستحسان للشئ ، وهذا من فعل اللّه تعالى لايتعلق به ثواب ولاعقاب ، ولا أمر ولا نهي، وعليه يحمل حديث: ((اللّهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك )) ، وإن كان يجب مدافعة المقدور منه في مواضع النهي من باب ((لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس)) ، ولهذا قال تعالى: {فلا تميلوا كل الميل..الخ } فعلّق النهي بالكل الممكن، لا بالبعض غير الممكن، وتحصيل الممكن منه في باب الأمر واجب ، وتارة يستعمل ويراد به عمل القلب والجوارح الممكن للمكلف ، وهذا هو الذي يتعلق به الأمر والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب ، ولهذا قالوا في الموالاة: أن تحب له كل ما تحب لنفسك ، وتكره له كل ما تكره لها ، ومعنى ذلك أن تعتقد وتنوي له ذلك ، ولا شك أن النية من أفعال القلوب الاختيارية، ومن جملة محبته تعظيمه بأفعال الجوارح، ورعاية حقوقه وتنزيله في منزلته، ولهذا قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه} . وأما قوله تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} فقد جاء في التفسير أن المراد بالمودة الجماع ، والرحمة الولد، وفيه شائبة من المعنى الأول ، لأن ذينك مما تميل إليهما النفس ، ويدل على صحة ما قلناه قوله تعالى: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم} ، واللّه أعلم.
(1/6)


(3) السؤال الثالث (قال عافاه اللّه تعالى) سؤال:
قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( الجبن والجراءة غريزتان يضعهما اللّه حيث يشاء )) وقول علي عليه السلام: (الجبن والبخل والحرص غرائز شتى) فكيف حسن النهي عنها مع كونها من فعل اللّه تعالى؟.
*الجواب الثالث:
كذلك: أن الجبن والبخل والجراءة والحرص تنقسم إلى غريزي ومكتسب :
فالأول: من فعل اللّه تعالى لا يتعلق به أمر ولا نهي ولا ذم ولا عقاب ولا ثواب، وهو المعنى الذي لا يقدر المكلف على دفعه ولا على تحصيله ، وهو أمر قلبي غريزي يحدثه اللّه تعالى فهو سبب باعث على الجبن والجراءة الاختياريين وهما مسببان عنه فيكون الحديث من المجاز المرسل من تسمية المسبب([20])باسم السبب .
والثاني: وهو الممكن هو الذي يتعلق به الأمر والنهي والثواب والعقاب لأنها لا تتعلق إلا بممكن ، ولو تعلقت بغير ممكن لكان من تكليف ما لا يطاق واللّه يتعالى عن ذلك وهذا القسم يتعلق بأعمال الجوارح والقلوب أيضاً، أما أعمال الجوارح فظاهر ، مثل عدم الفرار من الزحف ، وثبات الواحد للإثنين، ومثل بذل الحقوق المالية ، وأمّا أعمال القلوب فمثل الصبر عند الجهاد ، والصبر على الإنفاق ونحو ذلك، والأمر الأول القلبي تجب مدافعته ما أمكن دفعه في غير موضعه ، واللّه أعلم.
_______________
([20]) ـ هكذا كلام الإمام عليه السلام وهي كعبارة الإمام أحمد بن يحيى عليه السلام في تكملة البحر وهي مشكلة ، والذي يظهر أنه من تسمية السبب الذي هو الغريزة باسم المسبب الذي هو الجبن والجراءة لينحل الإشكال في قوله يضعهما الله حيث يشاء فيقال ليس المقصود بالجبن والجراءة الحقيقيين بل الغريزة التي هي السبب المسماة جبناً وجراءةً مجازاً غريزتان يضعهما الله ….الخ وكلام الإمامين عليهما السلام ممكن أي أنه يسمى الجبن والجراءة المسببين الحقيقيين باسم سببهما الذي هو الغريزة ، لكنه يبقى الإشكال في قوله[ يضعهما الله حيث يشاء ] وهذا عند التأمل واضح ، وإنما أطلتُ الكلام لإفهام من يأخذ بأول نظرة لا سيما حين يرى عبارة الإمامين الذين هما حجتا عصرهما وقدوتا دهرهما ، ولكن لا يعدل عن التحقيق وإنما يتوجه مثل هذه الإنتقادات في التعبير على أعلام المحققين كما ذلك كثير والعصمة عن مثل هذا مفقودة عن البشر ، والخطب يسير ولعل ذلك سبق قلم ، والله تعالى ولي التوفيق .تمت من مولانا الحافظ مجتهد العصر/ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى.(1/7)


(4) السؤال الرابع (قال حماه اللّه تعالى) سؤال :
ما البر والعقوق للوالدين الذين ورد الوعيد عليه بالنار والوعد بالجنة ؟ فظاهر الآية أنه العصيان بأدنى شئ ، ولو بقول أفٍ ، فكيف التفسير الذي به يتبين العقوق الذي هو كبيرة؟ ثم هل يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده شيئاً مع كراهة الولد، إن قلتم: نعم، دخل في قوله صلى اللّه عليه واله وسلم: (( لا يحل مال امرئ مسلم ..الخ )) وإن قلتم لا يأخذ فقد نهرهما وذلك محرم.

*الجواب الرابع:
أن المراد بعقوق الوالدين ظلمهما، وعدم القيام بحقوقهما مع الإمكان ، وإن كانت الدرج فيه متفاوتة في العظم والشدة وضديهما ، فأدناه التأفيف ، وأعلاه العداوة والقتل.
ولا مانع من كون التأفيف كبيرة لثلاثة أمور:
أحدها: أنه قد أفاده النهي من الكتاب، والنهي حقيقة يفيد التحريم، والحرام ما يستحق عليه الذم والعقاب، إلا ما خصه الدليل من الصغائر المكفرة بجنب الطاعات ، ولا دليل هنا إلا ما ورد من الأدلة على عظم العقوق ، وأما على القول بأن كل عمدٍ كبيرة فالأمر أجلى.
وثانيها: أن هذه اللفظة تتضمن الاستحقار والاستهانة بحقهما، فتنبي أن ما في القلب أبلغ مما جرى به اللسان.
وثالثها: لما عظم اللّه من حقوقهما حتى قرن برهما بتوحيده في قوله تعالى: {واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} فيكون تحقيراً لما عظم اللّه ، وأي فظاعة أبلغ من ذلك، بل قد يبلغ إلى حد الكفر إذا اقترن به الاستخفاف بأمر اللّه تعالى.(1/8)


وأما أخذ الأب من مال ولده فظاهر الحديث الجواز مطلقاً، وهو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أنت ومالك لأبيك )) ، إلا أنه قد حكي الإجماع، حكاه الأمير الحسين عليه السلام على منع الأب مما زاد على حاجته ، أو خالف مصلحة الولد ، فيكون الإجماع مخصصاً للخبر، ويبقى قدر النفقة مع الحاجة إليها، فمهما أخذ الأب ما هو جائز فله ذلك ، وإذا منعه عد عقوقاً، وإن كان الأولى أن يأخذ برضا ولده، أو من يده دفعاً للإيحاش، وعملاً بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( رحم اللّه امرءاً أعان ولده على بره )) ويكون حديث (( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه )) عموماً مخصصاً بحديث الأب، كما خص بأدلة الأخذ من مال الغائب والمتمرد لقضاء دينه ونفقة زوجاته، وأما إذا حاول الأب أخذ الزائد على الجائز ففعله منكر فيجوز للولد المنع، ولا يعد عقوقاً، وهو ممكن بالمدافعة الحسنة، والنصح كما فعل إبراهيم عليه السلام في التلطف بوالده مع شركه من قوله يا أبتِ... يا أبتِ... ، وقد قال تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} ولعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لا يعاملهما معاملة غيرهما بل يراعي حقوقهما ، وناهيك أنه لم يثبت حق لكافر على مسلم إلا الوالدين ، والأولى للولد الإغضاء والمسامحة فيما لا ضررة ولا منكر فيه.(1/10)

2 / 21
ع
En
A+
A-