(25) السؤال الخامس والعشرون (قال أيده اللّه) سؤال:
ما جرت به عادة أهل جهات صعدة من كون المهر إنما يسلم مع الطلاق أو الموت عرفاً جارياً إلاّ أشياء معروفة من حلية ونحوها بحيث لو عرف الزوج لزوم تسليم المهر لما تزوج، فهل يعد ذلك من صفات العقد التي يعمل فيها بالعرف؟ فإذا طالبت المرأة بمهرها بعد الدخول فهل يحكم الحاكم بالتسليم أم لا؟ مع أن أهل المذهب قد نصوا أن التأجيل العرفي كاللفظي، ونصوا أن شرط التأجيل أن يكون إلى مدة معلومة، فما المرجح في ذلك على كلام أهل المذهب؟.
*الجواب الخامس والعشرون:
أن هذه المسألة قد بسط لها القاضي أحمد بن يحيى حابس في المقصد الحسن ونسب العرف إلى أهل صعدة، ولكن النسخة غائبة مع الكتب، والمذهب أن التأجيل المجهول باطل، وهذا منه، وأنها إذا طالبت وجب التسليم كما في ثمن المبيع إلى أجل مجهول فإنه يلزم حالاّ([146]) ولو أُجل بمثل الصِّراب ونحوه فإنه لاحق بالمجهول، وجرت عادة كثير من علماء صعدة وغيرهم بإتباع هذا العرف ولزومه وهي مسئلة نظرية.
_________________
([146]) ـ هذا إن كان التأجيل في ثمن المبيع بعد العقد، أما إن كان حال العقد فيفسد العقد كما نص عليه الإمام عليه السلام في مواضع واللّه ولي التوفيق. تمت إملاء مولانا العلامة الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.(1/98)
(26) السؤال السادس والعشرون (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
ماقولكم في المحاجر وما جرت به عادة أهل الزمان من شرائها بالمال الكثير ثم يتنازعون في ثمن أو يحصل شفيع في المبيع؟ فإن حكم الحاكم بعدم صحة البيع وعدم لزوم الثمن وبإشتراك الناس فيها حصلت الفتنة ولم يقع للحكم تأثير، وإن حكم بالصحة أو بالمنع لمن يريد الإشتراك فهل لذلك وجه شرعي ومساغ مرضي؟ وإن ترك الحكم بينهم فهل يأثم الحاكم مع المشاحة في ذلك أم لا؟.
*الجواب السادس والعشرون:
أن المحاجر حقوق عامةٌ، الناسُ فيها على سواء لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( الناس شركاء في ثلاث.... )) لكن اشتراكها لا يمنع قسمتها لثبوت الحق لأهل المحلات المجاورة لها، وهو الأولى لما فيه من الصلاح ودفع الفتن، فتصير من باب الحقوق الخاصة بالنسبة إلى أهل كل قرية ونحوها فيصح قسمتها وهبتها على غير عوض وإباحتها على قاعدة الحقوق، وإنما الممنوع أخذ العوض عليها إذ لا يصح بيع الحق، فما سألتم عنه من شرائها بالمال الكثير حكم البيع باطل، فإن أبيح الثمن فالإباحة تبطل ببطلان عوضها، ولا شفعة فيها لتوقف الشفعة على البيع الصحيح، والثمن في يد البائع كالغصب إلاّ في الأربعة([147])، فعهدة الحاكم أن يحكم بما أنزل اللّه ولا يتبع أهواءهم، فإن كان حكمه يؤدي إلى منكر ترك الحكم كما يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك، وللحاكم النظر مهما كان من أهله فيما يدفع الفتنة بينهم ويكون أقرب إلى مصلحة الجميع، لأن الحديث المذكور محمول على ماهو علي أصل الإباحة من الماء والنار والكلأ للعلم بأنه إذا حصل أي أسباب الملك أو الحق ملكت واستحقت، فلا يقال: إن القول بالقسمة والإباحة بعد ثبوت الحق ينافي معنى الحديث، واللّه أعلم.
_________________
([147]) ـ الأربعة هي:
أنه يطيب له ربحه، ويبرأ من رد إليه، ولا أجرة إن لم يستعمل، ولا يتضيق الرد إلا بالطلب.
وقوله: يطيب ربحه: المراد إذا باعه واشترى بثمنه آخر فباعه وربح فيه، لأن ثمنه صار في يده بإذن مالكه، وليس المراد أنه يطيب له ثمنه إذا باعه، لأنه يجب عليه رده لمالكه، واللّه ولي التوفيق. انتهى من مولانا مجتهد العصر/ مجدالدين المؤيدي أيده اللّه تعالى.(1/99)
(27) السؤال السابع والعشرون ( قال رضي اللّه عنه) سؤال:
إذا قالت المرأة: (إشتريت منك طلاقي بمهري). فقال: أنت طالق، هل يكون رجعياً أو خلعاً؟ وهل يبرأ من المهر مع المراجعة وعدمها أم لا؟.
*الجواب السابع والعشرون:
أنها إن كانت ناشزة وقع خلعاً يمنع الرجعة والطلاق، لأن هذا عقد وهو يقوم الإمتثال في الخلع مقام القبول، هذا إن كان المهر باقياً بذمة الزوج، وكذا إن سقط عنه وأراد مثله، أو جهلا سقوطه أو الزوج وهي المبتدأة لا إن ابتدأ هو وقع رجعياً في العقد كما في المثال لا في الشرط فلا يقع شيئاً، وإن كانت غير ناشزة بطل العوض ووقعت طلقة رجعية، لأنه يصير مُخْتَلُّهُ رجعياً، ولا يقال: إن هذا اللفظ كناية طلاق يفتقر إلى النية، لأن الكناية فيما إذا شرت المرأة نفسها لا طلاقها.(1/100)
(28) السؤال الثامن والعشرون (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
ما قولكم رضي اللّه عنكم في بيع الرجاء المتعارف به مع استكمال شروط البيع ثم بعد انبرامه يرضى المشتري أن البائع إذا أتى بالثمن أنه يرجع له مبيعه بما شرى، والبائع غير منسلخ عن البيع بل راجٍ عوده له، والمشتري غير متيقن بقاء المبيع تحت يده، فهل تحل الغلة للمشتري؟ وهل يفترق الحال بين جعل المدة معلومة أو مجهولة؟، وبين كون الثمن المدفوع القيمة المتعارف بها أو دون ذلك؟ وهل تثبت فيه الشفعة لمن له سبب أم لا؟ وهل هذا الرجاء إقالة وإن لم يكن بلفظها أم فسخ؟.
*الجواب الثامن والعشرون:
أن بيع الرجاء له صور عديدة وضابطه ما كان قصد المشتري فيه هو الغلة فهو الرجاء المحرم لأن الثمن في حكم القرض والغلة منفعة في مقابله فيكون قرضاً جر منفعة، ومضمر الرباء ومظهره على سواء عند أهل المذهب، وما كان قصد المشتري فيه هو التملُّك والغلة تبع من لازمه فالإقاله إلى أجل مجهول مفسدة وإلى أجل معلوم لها حكم خيار الشرط، وإن كانت بلفظ الإقالة ويأتي فيها ما يأتي في هذه الأنواع.(1/101)
وهذه المسألة المسئول عنها هي التي صدرها صاحب البيان في مسألة بيع الرجاء الذي استعمله أهل زماننا حيلة في تحليل الربا، وجعل الضرب الأول أن يقول: (بعت منك بيع رجاء الي أن آتيك بحقك)، أو لم يلفظ بذلك بل هو عرف لهم ظاهر أن البائع متى رد على المشتري مثل ما أعطاه استرجع المبيع رضي المشتري أم كره، ولا يراعون في ذلك فسخاً ولا إقالة، فهذا باطل على المذهب، فلا يطيب للمشتري شيء من ثمار المبيع ولا منافعه قط ولو أباحها له البائع أو وهبها أونذر بها لأن ذلك حيلة في الربا، ويلزمه أجرة المبيع ولو ضمن له البائع دَرَك المبيع، وإذا تلف المبيع ضمنه كما في البيع الباطل، فلا فرق حينئذٍ بين علم المدة وجهلها، ولا بين استواء الثمن والقيمة واختلافهما، ولا شفعة لمن له سبب، وليس بإقاله ولا فسخ لبطلان العقد من أصله لأن أهل المذهب يجعلون مضمر الربا كمظهره، فيعتبرون القصد خلافاً للمؤيد باللّه عليه السلام، فعنده أن العبرة بالعقد لا الضمير، وأهل المذهب يجعلون العرف الجاري كالشرط المنطوق به، فهذا في الصورة التي ذكرها السائل، وإلاّ فقد نصوا على الضرب الثاني، أن البيع إذا استكمل شروط الصحة انقسم إلى قسمين، أحدهما: أن يكون قصد المشتري إنما هو التملك لا التوصل إلى الغلة، فهذا بيع صحيح بكل حال وليس من عقود الربا، ثم إن كان فيه شرط الرد أو الإقالة إلى أجل معلوم فهو من باب خيار الشرط على بابه، وإلى أجل مجهول يوجب الفساد مالم يكن طارئاً إذ لا يلحق بالعقد المفسد الطاريء، وإن كان غرضه التوصل إلى الغلة صار من باب الربا سواء كان مظهراً أو مضمراً لمنعهم كل حيلة توصل إليه، وثبوت الشفعة في العقد الصحيح الجائز متوقف على سقوط خيار البائع أو انقضاء مدته، واللّه أعلم.(1/102)