(21) السؤال الواحد والعشرون (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
في أموال بجنب قرية لم تزرع مدة من الزمان للخوف بينهم وبين غيرهم، ثم أرادوا زرعها مع ثبوت يد أهل القرية على المال بالمنع لغيرهم والنسبة إليهم وتعارف أهل جهاتهم أنها لأهل القرية، ثم اختلف أهل القرية على قسمتها بعضهم ادعى أنها تكون قسمة المال على جدودهم الأولين وهم مثلاً خمسة أبيات آل فلان وآل فلان.... الخ، وبعضهم قال على عدد رؤوس الذكور إذْ بعض الأبيات قد قلّوا وبعضهم قد كثروا، وبعضهم قال تكون القسمة على ذكر وأنثى، فكيف تكون القسمة الشرعية هل على الجدود أو على رؤوس المدعين؟، والمدعون هل يدخل البطن الساقط مع وجود من يسقطه أو تكون على قدر التوارث بين البطون؟ والجميع مقرّون أنه ملك لآبائهم الأولين، ولا يعلمون كيف هو بينهم، فبيّنوا ما الحكم الشرعي في ذلك؟.
*الجواب الواحد والعشرون:
عن تلك الأموال: أنه يقسم ما فيه النزاع بين متنازعيه على الرؤوس، ولا فضل إلا لبينة أو إقرار، ومن الإقرار تصادقهم أنه بالتوريث، فيترتب عليه سقوط البطن الأسفل والتنصيف للبنات المدليات بأب والتربيع والتثمين للزوجات المدليات بزوج، وأما مع عدم الطريق الشرعية على التوريث فالتسوية مطلقاً لإستواء اليد ولا مخصص لتفضيل البعض على البعض، وقد نصوا على هذا في الدعاوي في اختلاط الأموال وجعلوا من الاختلاط الالتباس.(1/93)
(22) السؤال الثاني والعشرون: (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
جرت عادة كثير من القبائل بوقف جربة لمسجد أو نحوه، ومن المعلوم أن نصيب أخواته في ذلك الموضع وسكتت الأخوات هل يصح وقفه جميعاً ويعاوضن من غيره أم لا يصح إلاّ في نصيبه؟ مع أن الوقف المشاع مضطرب عند الأكثر ووقف العوام لا شك أنه كذلك ولم ينقل عن أحد القول بعدم الصحة فما المقرر على كلام أهل المذهب؟.
*الجواب الثاني والعشرون:
أن الوقف صحيح نافذ في نصيبه لا غير لعدم الملك فيما سواه الذي هو شرط الوقف، والتعويض بمراضاة جديدة لا توجب مصير الحر وقفاً إذ المملّك هو القسمة ولماَّ تقع، والمقرر صحة وقف المشاع ويقسم، والدليل على صحة وقف المشاع حديث عمر بن الخطاب إذ قال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: إني أصبت مالاًلم أصب مثله قط، وإني أريد أن أتقرب به إلى اللّه تعالى. فقال عليه السلام: (( حبّس الأصل وسبّل الثمرة)) مع أن السهام التي ملكها عمر من جملة أرض خيبر وكانت مشاعة دل على صحة وقف المشاع.(1/94)
(23) السؤال الثالث والعشرون: (قال رضي اللّه عنه) سؤال:
رجل متول لمسجد فنقض مطاهير الماء وما يتعلق به فانفتح عمل كثير حتى احتاج إلى دراهم ولا غلة للمسجد موجودة تقوم بذلك جميعاً والرجل فقير، هل يجوز أن يبيع شيئاً مما هو موقوف على المسجد أم لا يجوز؟ فماذا يفعل الناقض وهو غير متعد ولم يجد قرضاً ولا غير ذلك؟.
*الجواب الثالث والعشرون:
أن مع حصول الظن بكمال الإصلاح والناقض غير متعد فلا إثم عليه، ولا يلزمه الضمان مع فقره، وأما بيع وقف المسجد لإصلاح المطاهير فإن كان وقفاً على المسجد والمطاهير جاز إن اتحد الواقف، فإن اختلف أو كان الوقف على المسجد وحده لم يجز.(1/95)
(24) السؤال الرابع والعشرون: (قال رضي اللّه عنه):
إذا صارت عادة أهل البلاد أن الولي لا يزوج المرأة إلا بتسليم دراهم من الزوج للولي مع كونها بالغة وقد نص أهل المذهب أن ذلك رشوة إن امتنع من التزويج إلاّ بها وقد لعن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم الراشي والمرتشي ([144])، فما يكون حكم الزوج المعطي إن لم يمكنه التوصل إلى التزويج إلا بذلك؟ فما المخرج في ذلك مع عموم البلوى به؟.
*الجواب الرابع والعشرون:
لا شك أن أهل المذهب قد نصوا على أنها رشوة محرمة، ونصوا أيضاً على تحريمه على الدافع، والمدفوع إليه لشمول الحديث، وعمموا الحكم، فلا مخرج على ظاهر كلامهم للدافع إلاّ إذا أغمض عن مناقشة الولي ومماكسته بحيث لا يلجئه إلى حد الإمتناع إلاّ بها، ويكون التسليم إبتداءً بالرضا وطيبة النفس، وإن كان قد نص بعض العلماء على جواز أخذ ما يلحق الولي غضاضة بتركه والمختار خلافه، وذكر المنصور باللّه عليه السلام وأبو جعفر وغيرهما جواز دفع الأجرة للحاكم ليحكم بالحق فيما هو مجمع عليه، لأنه توصل إلى حقه كالإستفداء لا في المختلف فيه لأن حكم الحاكم باطل لبطلان ولايته بظهور الإرتشاء، وهذا الكلام إنما هو في الدافع وأما في المدفوع إليه فيحرم إتفاقاً فلهذا كان قدحاً في الحاكم، وكلام المنصور باللّه جيد، ويقال في ولي عقد النكاح هكذا لأن العدالة غير شرط، وقد فصل الفقيه يوسف هذا البحث في الثمرات تفصيلاً عجيباً، وذكر الخلافات ولكنها غائبة عنا، وكثير من المفرعين قد ذكروه وهو الراجح.
فإن قيل: هذا توصل إلى المباح بما صورته صورة المحظور.
__________________
([144]) ـ والرائش: هو المصلح.(1/96)
قلنا: لا عبرة بالصورة كما أبيح له أن يأخذ ماله من غاصبه بالتلصص والسرقة والقهر والغلبة وإن كان صورته صورة محظور، ولأنه قد أبيح التأليف للإمام ولا شك أنه على فعل واجب أو ترك محظور على الخلاف في جوازه للمؤلَّف، والظاهر الجواز لأجل النص فيكون خاصاً، وكذلك تسليم معتاد الرصد، وكذلك استفداء الأنفس من الكفار، وقد همّ صلى اللّه عليه وآله وسلم بمصالحة المشركين بثلث ثمار المدينة ولا يهم إلا بما هو جائز مع أنه يحرم عليهم لأنه في مقابلة ترك المنكر، فينبغي أن يقال: أما المدفوع إليه فيحرم عليه مطلقاً لأنه من أكْل أموال الناس بالباطل إلاّ ما خصه الدليل كالتأليف، وأما الدافع فإن كان على فعل محظور أو ترك واجب فحرام إلاّ ما حرم لسبب آخر كهدايا الأمراء، فيكون حقيقة الإرتشاء الذي هو كبيرة ما أومأ إليه تنبيه النص بقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وما عداه مما دلّ عليه الدليل فحرام لا يقطع بكبره إلاّ لدليل يخصه كأكل مال اليتيم.(1/97)