وأما قوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً} فلا إشكال فيه([138]) لأن (أولئك) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد كما في قول الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللؤي * والعيش بعد أولئك الأيام
و(عنه) في موضع الرفع بالفاعلية([139]) لـ(مسئول) {كالمغضوب عليهم}، والمعنىكل واحد منها كان مسئولاً عنه فأفرد ضمير (عنه) لرجوعه إلى كل واحد ، فقد ظهر إعراب الآية وهو أن السمع والبصر والفؤاد أسماء إن وخبرها الجملة بعدها {كل أولئك ..الخ} وارتفاع (كل) على الإبتداء، ومحل (أولئك) الجر بالإضافة، و(كان) من الأفعال الناقصة اسمها فيها ضمير([140]) شأن، وخبرها (مسئول) منصوب بالخبربة لها، والجار والمجرور محله الرفع على الفاعلية لـ(مسئول) ، واللّه أعلم.
___________________
([138]) ـ وجه السؤال عن هذا أنه أشكل إعرابه ، لأن الجار والمجرور إذا كان مرفوعاً بالنيابة عن الفاعل لم يصح تقدمه ، إذ الفاعل وما في حكمة كذلك ، ولهذا نظر على كلام جار اللّه الزمحشري في الكشاف وقد اختلف في توجيهه على أقوال:
أحدها أنه مرفوع بمضمر يفسره الظاهر ويكون المفسر خالياً عن الفاعل إذ ليس فعلاً ، وأما الفعل فلا يجوز لأصالته في العمل ، واعترض بمخالفته للنقل والقياس.
ثانيها أن يقال حذف الجار واستتر الضمير بعده في الصفة.
ثالثها أنه هنا يجوز تقدمه لأنه لا يلتبس بالمبتداء إذ هو جار ومجرور.
رابعها أن يكون مسنداً إلى المصدر المدلول عليه باسم المفعول وهو مستقيم، لكن لا يكون كلام صاحب الكشاف عليه صحيحاً ، وقد أفاده الإمام عليه السلام بقوله كان مسئولاً عنه واللّه الموفق.
تمت من مولانا مجتهد العصر/ مجد الدين المؤيدي حفظه اللّه تعالى.
([139]) ـ على مذهب الزمخشري والشيخ عبد القاهر أن النائب فاعل كما هو معروف .تمت نقلاً من مولانا مجتهد العصر /مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى.
([140]) ـ جعل الإمام عليه السلام اسم كان ضمير شأن ولم يشترط تفسير الجملة ، وهو مذهب الفراء من النحويين كما حكي عنه أنه أجاز (كان قائماً زيد) على أن قائماً خبر لكان واسمها فيها ضمير شأن ، وزيد فاعل قائماً.انتهى املاء شيخنا المولى مجتهد العصر/مجد الدين المؤيدي أيده اللّه تعالى.(1/83)


(20) السؤال العشرون (قال رضي اللّه عنه) :
وهذه أسئلة فقهية حادثة محتاج إليها والمقصود الجواب بكلام أهل المذهب في ذلك مع نصب الأدلة في ذلك.
سؤال منطوي على أطراف وذلك في الشركة العرفية:
الطرف الأول: إذا مات الميت وترك أولاداً ذكوراً و إناثاً وترك دراهم وأثاثاً ومالاً وغير ذلك، ثم تزوج الإناث بعد موت أبيهن، ولم تحصل قسمة مدة من الزمان قدر عشر سنين أو أكثر، والأولاد الذكور تصرفوا بالدراهم هذه وغيرها، وباعوا واشتروا وسافروا وتعبوا وحصلوا أموالاً جزيلة، والإناث مع ذلك مزوجات يَبَرهن إخوتهن بما جرى به العرف من البر في البلد، ثم بعد هذه المدة طلب الإناث نصيبهن فما هو الذي يقسم ؟هل ما هو حاصل الآن في يد الأخوة، أو ما تركه والدهم فقط ؟ وهل القول قولهم فيما تركه والدهم لثبوت أيديهم عليه أم لا؟ و هل يفترق الحال بين أن يكون الأخوة يبرون أخواتهم بشيء مما جرت به العادة من أن من تركت ميراثها عند إخوتها فلها البر في ضيافة أونحوها أم لا؟.
الطرف الثاني في الأب: إذا نشأ ابنه وكان الوالد يبيع ويشتري في شيء قليل فعاونه الولد واستقل بالأمور وحصل بسبب عنايته مال كثير مع مشارفة والده له ومعاونته، ثم مات الأب فكم يستحق الأبن هذا من المال المذكور لأن معه إخوة قاصرين؟.
الطرف الثالث: إذا مات ميت وترك أولاداً ذكوراً وإناثاً ولم يترك لهم إلاّ شيئاً قليلاً فتسبب الذكور بالبيع والشراء والسفر حتى حصل لهم أموال كثيرة، ثم أرادوا القسمة، فكم يستحق الإناث مع أن لهم شيئاً من التركة اشتركوا فيه فهل يستحق الإناث شيئاً مما كسبه أخوتهن أم لا؟.(1/84)


الطرف الرابع: إذا تكافأ الأخوة في الأعمال مثلاً مع كون معهم تركة يعملون فيها ، واكتسبوا أموالاً فهل تستحق الزوجات نصيباً في المكتسب أم لا؟ وهل يستحق أولاد أحد الأخوين شيئاً لو كان له أولاد والآخر فرداً أم لا؟
الطرف الخامس: لو مات ميت وترك أولاداً ذكوراً وبعضهم بالغون وبعضهم صغار ، فتصرف الكبار في التركة واكتسبوا كسوبات وعمروا عمائر هل يستحق الصغير شيئاً من المكتسب مع عدم عمله أم لا؟ وهل يرجع بما أتلفوه من الغلات أم لا؟.
الطرف السادس: في الإناث اللاتي تركن أموالهن تحت يد أرحامهن فيستغلونه بالحرث والزراعة وغيرها، ويتلفون أعياناً ومنافع مع ظنهم الرضا من الإناث وعلم الإناث بذلك، وأرحامهن مع ذلك يبرونهن بما جرت به العادة من البر بين الأرحام، ثم ماتت الأنثى فطالب ورثتها بغلة الأموال فهل يجابون إلى تلك الدعوى أم لا؟ وهل يفترق الحال بين أن تطالب الأنثى أو ورثتها؟ وهل ثمة فرق بين الأعيان والمنافع ؟ وهل زراعة الأرض استهلاك منفعة أم عين؟ وكيف يكون تقدير الغلة إذا لزمت ؟ هل لا بد من بينة على قدر معروف أنه قد بذر به المال أم موكول إلى نظر الحاكم ؟ ثم تكافؤ الأعمال في الشركة العرفية هل يفترق الحال بين قليل العمل وكثيره أم هي على سواء وإن قل العمل كعمل انثى لا يساوي نفقتها ، وعمل ذكر يسافر للتجارة إلى المواضع البعيدة فالمطلوب بيان هذه الأطراف.(1/85)


*الجواب العشرون:
أن هذا السؤال قد اشتمل على أطراف ولا بد من بيان معنى الشركة العرفية على قاعدة المذهب الشريف اعزه اللّه تعالى حتى يتضح ما ينبني عليها .
فالشركة العرفية عندهم معناها التكافؤ في الأعمال بحيث يسد كل واحد من الشركاء في نوع من العمل تتم لهم المصلحة بالمجموع سواء استوى محصولهم أو اختلف، وسواء كانوا أخوة أو غيرهم ، فمرجعها عندهم إلى شركة الأبدان، لكنها لا تفتقر إلى عقد إذا جرى عليها رضى منهم بالتساوي في المستفاد ، وقاعدتهم أن العرف الجاري كالشرط المنطوق به، والعرف باب من أبواب الشرع معمول به ما لم يصادم نصاً ولا نص هنا، وقد قال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ما استحسنه المسلمون فهو عند اللّه حسن )) فلهذا قالوا يستوون في الربح والخسران، وللمتوكل على اللّه إسماعيل بن القاسم عليهما السلام في هذا كلام جيد يؤيد ما ذكرناه وعلله بأن التساوي هو العدل المأمور به، واستدل عليه بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إنما رزقت بمواظبة أخيك على المسجد ))، وهذا ينبغي أن يحمل عندهم على أن محافظة المسجد فيها نوع من طلب المعيشة، وإلا فلا شركة لعدم العمل .
إذا تقرر هذا فقد استحسنا وأفتينا بذيول لهذا الأصل قضى بها النظر والدليل ويمكن تخريجها لأهل المذهب من جعلهم المناط العرف المستفاد من التراضي عادة.(1/86)


* منها أن للذكر مثل حظ الأنثيين لئلا يزيد الفرع على الأصل في قسمة الأصل والفرض الشرعي، ولكن إنما يكون ذلك مع جري العرف كما هو جار في بعض الجهات كذلك لأن دخولهم في الشركه مع كون العرف رضا بالنقص والزياده، وإن كان كلام أهل المذهب يأباه لكنه راجع إلى أصل من أصولهم.
* ومنها أن التركة تأخذ حصتها ([141]) من المستفاد فكأنهم أُجراء فيها، إذ لولا هي لما نمى المستفاد ذلك النمو فيقسم الأصل على الفرائض الشرعية وتنضم إليه حصته من المستفاد المسمى بالشركه، والباقي يقسم بين السعاه لجري العرف بأنهم لايرضون التساوي في الأصل حيث لا تكون التركه بينهم على سوآء في الفريضه.
* ومنها أنه لو وقع الربح والخسران معاً كأن يبيعوا مالاً من الأصل مع وجود الأرباح في التجاره مثلاً فإنه يقدم من الربح جبر الأصل، إذ لو كان باقياً لانتقص الربح بقدره، ولعدم معرفة الرضا في إتلاف نصيب أحدهم دون الآخر أو زيد من الآخر الذي هو المناط في هذه الشركه.
_________________
([141]) ـ وقد قدرها الإمام رضوان اللّه عليه بنصف المستفاد وإن كان التركة تقوم بذلك ، نص على ذلك في جواباته وعمل على ذلك الأئمة والحكام من بعد الإمام في أرض اليمن واللّه الموفق.تمت من مولانا المجتهد/ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى ونفع بعلومه.(1/87)

16 / 21
ع
En
A+
A-