*الجواب السابع عشر عن الآية الكريمة:
أن المعنى في القرائتين واحد كما سنبينه، فعند بعض المفسرين أن المعنى عموم الضلال في جميع القلب لاعموم القلوب، قال بعضهم: قراءة أبي عمر وابن ذكوان بتنوين قلب وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنهما ناشئان منه وإن كان المراد الجملة كما وصف بالإثم في قوله: {فإنه آثم قلبه} والباقون بإضافة قلب إلى ما بعده أي على كل قلب شخص متكبر.
وقد قدر الزمخشري مضافاً في القراءة الأولى أي على كل ذي قلب متكبر بجعل الصفة لصاحب القلب ، واعترض بأنه لا ضرورة تدعو إلى اعتبار الحذف ، وأجيب عنه بأن ثمَّ ضرورة الى ذلك وهي توافق القرائتين فإنه يصير الموصوف في القرائتين واحداً وهو صاحب القلب، بخلاف عدم التقدير فإنه يصير الموصوف في أحدهما القلب وفي الأخرى صاحبه، وهذا هو الأقوى لاتحاد المعنى كما أشرنا اليه.
وقد ظهر الفرق بين معنى الإضافة وعدمها، فإن كان بالتقدير فالمعنى واحد، وإن كان مع عدمه اختلف المعنى، ففي قراءة الإضافة عموم القلب وفي قراءة التنوين عموم القلوب.
وأما مفهوم الصفة هاهنا فقد يقال بين التكبر والتجبر تلازم يوجب الاتحاد لأن الكبر محله القلب والتكبر ما ظهر على الجوارح ، فإذا ظهر فهو التجبر لأنه يستلزم ظلم الغير بالتعالي عليه مع أنهم قد ذكروا([114]) أن مفهوم الصفة إذا سيق لمعنى غير إرادة التقييد والأخذ به لم يؤخذ به كما في قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} هذا إذا فرضنا عدم الاتحاد.
______________
([114]) ـ قد أدرج الإمام عليه السلام مثال ماسيق لغير قصد التقييد في قوله:(مع أنهم قد ذكروا أن مفهوم الصفة الخ ) لأن مفهوم ذلك أن غير مفهوم الصفة يؤخذ به وإن لم يقصد به التقييد ، ولا يؤخذ بهذا المفهوم لأنه هنا جواب سؤال وهو قول السائل رضي اللّه عنه وهل يؤخذ بمفهوم الصفة.. الخ. فهذه من اللمحات اللطيفة فتأمل مدارك هذه الأنظار ومواقع هذه الأفكار إنتهى نقلاً من خط شيخنا الحافظ/ مجد الدين المؤيدي أيده اللّه تعالى .(1/72)


وسألتم عن التحقيق لما ذكره أهل المعاني والبيان في الفرق في اقتضاء (كل) العموم بين الإثبات والنفي، وهل كلام أهل الأصول كذلك أم لا؟
فنقول لاخلاف بين الأصوليين والبيانيين في أن (كلاً) تفيد العموم سواء في الإثبات أوفي النفي لكنها تختلف حالتها في التقدم والتأخر والدخول على المثبت والمنفي،ولسعد الدين والسكاكي وعبد القاهر الأنظار المعروفة كما حكاها في التلخيص وشروحه، وهو يتخرج مما ذكرنا صور يعرف بها أن القاعدة أن سلب العموم لا يستلزم عموم السلب حكم أكثري لا كلي:
أما سلب العموم فكقولك (لم يقم كل رجل) ، فالمعنى لم يقم المجموع، وأما الآحاد فجائز ، فهذا لا يستلزم عدم قيام واحد لكن قد يستلزمه في مثل قوله تعالى: { ولا تطع كل حلاف مهين} {واللّه لا يحب كل مختال فخور}{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} مما أفاد المعنى عموم السلب بمعونة المقام ودليل العقل والسمع ، ومن هاهنا ظهر أنه حكم أكثري لا كلي،
وأما عموم السلب فلا شك أنه مستلزم لسلب العموم كما في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ((كل ذلك لم يكن)) فقد أراد نفي الآحاد من القصر والنسيان المستلزم نفي المجموع ولهذا أجابه الصحابي بقوله: (بعض ذلك قد كان) لما فهم من عموم السلب.
وقلتم: إذا دخلت (كل) على ذي الأداة، مثل {كل الطعام} فهل تفيد تأسيساً أو تأكيداً .. الخ؟.(1/73)


فنقول: قد عرف من القاعدة البيانية أن التأسيس أولى من التأكيد، لأنه إثبات فائدة جديدة بخلاف التأكيد، وهاهنا ينبغي حمل اللام على أنها لام الجنس، ويستفاد العموم من (كل) لأجل يحمل على التأسيس ولإمتناع جعلها لام الاستغراق لتأديته إلىتضاعف أداة الإستغراق مع أنها هي التي تخلفها (كل) لا أنها تجامعها، ولا يفترق الحال بين الجنس المحلا والجمع المحلا لإفادة الكل الإستغراق، فكأنه قد انهدم معنى الجمعية كما ذكره بعض المحققين لكنه في العتق والطلاق له نيته عند أهل المذهب فكانت النية قرينة صارفة فيما يحتمله بحقيقته أو مجازه أو عرفه وإن كانوا قد فرقوا بين هذا وبين المجرد عن (كل) فجعلوا لام الجنس المفيدة للإستغراق الداخلة على الجمع تفيد استغراق الجموع فقط والداخلة علىالمفرد مفيدة لإستغراق الأفراد لكنه يفترق الحال بعد دخول (كل) فيأتي فيها ما تقدم من سلب العموم أو عموم السلب وما قيل فيه .(1/75)


(18) السؤال الثامن عشر( قال رضي اللّه عنه) سؤال:
عن قوله تعالى:{فأسر بأهلك} إلى قوله تعالى: {إلا امرأتك} قرئ في السبع بالرفع والنصب في (امرأتك) وذكر الزمخشري أن الرفع على البدل من (أحد) والنصب على الإستثناء من (فأسر بأهلك)، وهذا الحمل يقتضي تدافع المعنيين والقصة واحدة ولا يصح ذلك لأن مع البدل تكون المرأة مسرياً بها ولكن التفتت فتهلك وإذا جعل الإستثناء من مفعول (فأسر) فهي غير مسري بها، هذا نقيض ما أفادته قراءة الرفع فيلزم التناقص وهو باطل فيبطل حمل الآية على ماذكر، وجعل النصب على الإستثناء من (ولا يلتفت منكم أحد) وجه مرجوح ولا ينبغي حمل القرآن إلا على معنى راجح فهل للقراءتين معنى لا تناقض فيه صحيح في العربية؟
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم}، من اختار الوقف على العلم وقال إن الراسخين يعلمون تأويله كما هو مختار أكثر أئمتنا فلا يخلو إما أن ننكر قراءة الأكثرين ونغلط الناقلين لها لفساد المعنى معها أو لا ننكرها بل نجوزها، إن حصل الإنكار فهو إنكار لمتواتر وهو خطأ، وإن جوزناها فقد حصل التدافع في المعنيين والقصة واحدة وهو كلام حكيم لا تدافع فيه، فهل لكل قراءة معنى لا يدافع المعنى الثاني أم لا؟ وقد أجيب عن هذا بأجوبة لم تفد فبينو ذلك بياناً شافياً جزيتم خيراً .
وقوله تعالى:{لا تتخذوا إلهين اثنين} إن جعل (اثنين) عطف بيان كما قال أهل البيان فعطف البيان موضح أو مخصص وكلاهما منفي([122]) هنا، وإن جعل تأكيداً فليس من التأكيد النحوي في شيء، وإن كان صفة أي نعتاً فلم يصدق عليه شيء من معنى النعت، فما ذا يكون؟.
_________________
([122]) ـ هذه قاعدة أغلبية ، أعني كون عطف البيان موضحاً ، وقد ذكر ذلك سعد الدين في قوله تعالى: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس} ذكر صاحب الكشاف أن البيت الحرام عطف بيان جيء به لا للإيضاح تمت . قال المحشي: فإن قلت: إن النحاة جعلوا عطف البيان بعد المعرفة للإيضاح قلت هذا بالنظر للغالب إلى آخر ما في الحاشية تمت منقولة من هامش نسخة من الأسئلة الضحيانية بخط شيخنا العلامة /مجد الدين بن محمد منصور المؤيدي أيده اللّه تعالى.(1/76)


*والجواب الثامن عشر:
عن تخريج معنىالآية الكريمة في قوله تعالى:{فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا إمرأتك} واختلاف القراءتين فيها المؤدي إلى اختلاف المعنى أنه قد ذكر الزمخشري وغيره أن قراءة الرفع أقوى وأبلغ على البدل من (أحد) هذا في نفس القراءة.
وأما المعنى ففي إخراج المرأة روايتان:
إحداهما: أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت العذاب التفتت فأدركتها حجر.
والثانية : أنه أمر أن يخلفها عند قومها لكون هواها معهم فلم يسر بها.
فاختلاف القرائتين لإختلاف الروايتين هكذا أشار إليه جار اللّه .
وعلى هذا فالإشكال باقٍٍ ، لأن الكلام كلام اللّه ولا يصح إختلاف الراوية عليه لعلمه بالواقع وصفته.
فالجواب من أحد وجهين:
أحدهما: أن يقال إن اللّه تعالى حكى ما قالوه في شأنهم فتنوع القراءتين على تنوع الروايتين ويكون من باب قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة....الخ}. وثانيهما: أن المراد بالإستثناء في قراءة النصب الإسراء التام لأنه قال إن موعدهم الصبح وهو المطابق لرواية بقاها عند قومها بعودها بعد الخروج إلى بعض الطريق وتناسب المصلحة في إخراجها لئلا تنذر قومها بخروجه لأن هواها هواهم، فالمعنى اسر بأهلك الاسراء التام الذي أمرت به إلاّ امرأتك، وقد علم أنه المأمور به المفهوم عند نبي اللّه لوط عليه السلام، ويكون المعنى بقراءة الرفع أن المراد لا يلتفت منكم بعد الخروج أحد لما علم اللّه في تركه من المصلحة إلاّ امرأتك فغير منهية لأنه لا ينفعها ترك الإلتفات لكونها على طريقة قومها،(1/77)

14 / 21
ع
En
A+
A-