والراجح ما ذكره الإمام القاسم عليه السلام وغيره أن(خالق) ما سيكون حقيقة.
واحتج بكونه المعروف من أهل العربية حيث أنهم ذكروا أنه لا يدل وضعاً على زمن معين ، وهذا كلامهم بالإتفاق ، فيلزم عليه أن يكون من باب المشترك الذي يصح تطبيقه على أي معانيه حقيقة، وحينئذٍ فالقرينة عنده إنما هي للتمييز بين معاني المشترك وليست بقرينة المجاز، وما ذكره ابن الإمام من حكاية الإتفاق لا يدل على الإجماع ، وحجة القاسم عليه السلام أظهر لأنه نظر إلى الوضع العربي الذي هو المناط في الدلالة لا إلى المعنى المدلول عليه ، وقد ذكروا أنه لا يدل على زمن وضعاً عند أهل العربية فلو كان حقيقة في الحال لكان قد دل عليه وضعاً كما هي حقيقة الحقيقة، ثم إنه قد استعمل في كلام العرب من غير ملاحظة ما ض أو مستقبل من غير نصب قرينة إذا كان مرادهم الإشارة إلى نفس الحدث من غير إرادة إلى متعلقه، ومن تأمّل كلامهم وجد ذلك شائعاً ذائعاً موضوعاً على حد وضع الحقائق، وفي كتاب اللّه من ذلك كثير كما في قوله تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} {وسيداً وحصوراً ونبيئاً من الصالحين}{ وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} ولعل الجمهور يقولون القرينة عقلية لكن قد كثر استعماله من دون ملاحظة إليها، وإن نصبت فللتمييز بين معاني المشترك كما ذكرنا لا للمجاز والأصل في الإطلاق الحقيقة، وقد سبقت الإشارة إلى طرف من هذا البحث.
وثمرة الخلاف بينهم تظهر في جواز إطلاقه على اللّه تعالىقبل الأذن السمعي، وعدم ذلك، فعند القاسم وأبي هاشم يجوز لأنه حقيقة ويلزم الجمهور أنه لا يجوز لأنه لا يطلق على اللّه تعالى من الأسماء إلا ما كان حقيقة أوورد به اذن سمعي، واللّه سبحانه أعلم.
(1/67)
(16) السؤال السادس عشر( قال رضي اللّه عنه) سؤال:
من قال زوجتي طالق أو امرأتي طالق وله أربع نسوة، كم يطلق منهن على كلام أهل المذهب؟ وهل ثمة فرق بين هذه الألفاظ في إفادتها العموم وعدم الإفادة أم لا؟.
وكذلك إذا كان المفهوم مادل عليه اللفظ في غير محل النطق كما حققه بعضهم، أو ما كان أحوالاً لغير مذكور كما حققه آخرون وذكروا في حقيقة غير الصريح من المنطوق أنه دلالة الإلتزام المنقسمة إلى دلالة اقتضاء ([103]) وإيماء وإشارة، فحينئذ هذه الثلاثة كما ذكروه غير مقصودة للمتكلم وإنما فهمت منه، فما الفرق بين المفهوم والمنطوق غير الصريح فرقاً ظاهراً؟.
*الجواب السادس عشر:
الذي يتخرج على كلام أهل المذهب أن العبرة بالقصد هل الكل أو البعض معيناً أو ملتبساً ، والصحيح أن الجنس المضاف له حكم المعرف باللام ، والذي قررناه عند السماع:
_________________
([103]) دلالة الإقتضاء تنقسم إلى ثلاثة أقسام ما يتوقف عليه الصدق أو الصحة العقلية أو الصحة الشرعية،فالأولى نحو (رفع عن امتي الخطأ والنسيان)،والثانية نحو {حرمت عليكم أمهاتكم}،والثالثة نحو اعتق عبدك عني.تمت من مولانا المجتهد /مجد الدين المؤيدي أيده اللّه تعالى.(1/68)
أن اللام أصل وضعها للماهية من حيث هي هي وهي المسماة بلام الجنس ، ويرادفها الحقيقة والطبيعية كقولك:(الرجل خير من المرأة) ، فهي على هذا المعنى لا تحتاج إلى قرينة، فيلزم أن يطلقن جميعاً لأن الماهية حاصلة في كل واحدة منهن عند الإطلاق، ثم إن أشير بها إلى الماهية في ضمن جميع الأفراد فهي لام الإستغراق التي تخلفها "كل" حقيقة ويصح الإستثناء من مدخولها كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} وهي المرادة عند أهل الأصول بإفادتها العموم، وإنما كانت للعموم مع أن الأصل هي الأولى من حيث كثرة الإستعمال وغلبته في كلام الشارع فصارت كالمجاز المشهور وصار إعتبارها هو الظاهر لأن الظاهر مقدم على الأصل وهذه الصورة لا إشكال في وقوع الطلاق على الكل.
وإما أن يشار بها إلى الماهية في ضمن فرد معين وهذه لام العهد الخارجي الشامل للذكري والحضوري كقولك:(ادخل السوق)، لمن بينك وبينه سوق معهود وكقوله تعالى: {فعصى فرعون الرسول} وكقوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم} وهذه الصورة لا تطلق إلا تلك المعينة.(1/69)
وإما أن يشار بها إلى الماهية في ضمن فرد غير معين وهذه لام العهد الذهني كقوله تعالى: {فأكله الذئب} وكقولك:( ادخل السوق) لمن ليس بينك وبينه سوق معهود، فيلزم أن تطلق واحدة غير معينة ويقع الطلاق ملتبساً ويعمل فيه بما يعمل في الطلاق الملتبس، فيعامل الجنس المضاف هذه المعاملة ما لم يكن له قصد يخالف ذلك فهو معتبر في مسائل الطلاق والأيمان ونحوهما.
وقلتم: إذا كان المفهوم مادل عليه اللفظ ..الخ؟.
فنقول: لا شك أن دلالة الإلتزام قد لا تكون مقصودة للمتكلم ولكن لم تعلق معرفة المفهوم والمنطوق بقصد المتكلم بل علق تعريفهما بإفادة النطق ودلالته سواء قصد أو لم يقصد إذ قد يقصد إلى المفهوم البعيد ولايلاحظ اللازم القريب فلا عبرة بالقصد بل العبرة بمؤدى اللفظ ، لكنّا قد بينا أن مثل مسائل الطلاق العبرة بالقصد فيها، وأما إذا لم يقصد عمل بعرفه ثم باللغة، وأما مثل كلام الشارع فهو كلام حكيم ولابد أن يحمل على جميع الفوائد ومن جملتها ما دل عليه بالإلتزام.
وأما([108])الفرق بين المنطوق غير الصريح وبين المفهوم فهو ظاهر ، فالمنطوق غير الصريح هو دلالة الإلتزام الشامل للثلاثة الأنواع لأنها مدلولة في محل النطق، فحينئذ المفهوم ما وراءها مما يدل عليه اللفظ لا في محل النطق ، فمثل قوله عليه السلام :(( في سائمة الغنم زكاة)) ، لم يتعرض لذكر المعلوفة ولا أفادها اللفظ وإنما فهمناها فهماً من قيد الوصف ، وهذا على المختار وهو كلام الجمهور ، وإلاّ فقد جعل بعضهم دلالة الإلتزام من قبيل المفهوم بأنواعها وحقق المنطوق بأنه ما أفاده اللفظ مما وضع له وهو غير مختار ، فقد تبينت الأحكام والفروق بحمد اللّه تعالى.
____________________
([108]) ـ اعلم أن حقيقة المنطوق ماكان أحوالاً لمذكور ، وهو ينقسم الى صريح وغير صريح ، فالصريح ما ذكرت فيه الأحوال مع صاحبها مثل ( في السائمة زكاة) ، فالحال (وهو إيجاب الزكاة) مذكور، وكذا صاحبها (وهو السائمة) فهو منطوق صريح ، بخلاف المفهوم وهو (المعلوفة) ، فهي والحال الذي هو عدم إيجاب الزكاة غير مذكورين ، وغير الصريح وهو ما لم تذكر فيه الأحوال مع أن صاحبها مذكور ، أما المفهوم فالحال وصاحبها غير مذكورين ، ففي مثل في السائمة زكاة ، الحال وهو ايجاب الزكاة وصاحبها وهو السائمة مذكوران فهو منطوق صريح ، وعدم ايجاب الزكاة في المعلوفة لم يذكر لا الحال الذي هو نفي الإيجاب ولا صاحبها الذي هو المعلوفة ، وفي المنطوق غير الصريح نحو دلالة الإقتضاء الأحوال التي هي ( الموآخذة )في رفع عن أمتي الخطأ ، و ( الأهل ) في واسأل القرية ، و( التمليك ) في إعتق عبدك غير مذكورات لكن أصحابها وهي الخطأ والنسيان والقرية والعبد مذكورات ، فلما كان حال المنطوق غير الصريح غير مذكور إشتبه على البعض بالمفهوم ، ولكن صاحب الحال مذكور وهو الفاصل بينه وبين المفهوم، فإن صاحب الحال الذي هو المعلوفة مثلاً والحال الذي هو عدم الإيجاب غير مذكورين بخلاف المنطوق غير الصريح فإن صاحب الحال الذي هو الخطأ مثلاً في رفع الخطأ مذكور وإن لم يذكر حاله وهو المؤاخذة، فهذا هو الفرق الواضح بينهما فتأمل ، واللّه ولي الهداية والتوفيق تمت من شيخنا الحافظ شيخ الإسلام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده اللّه تعالى ونفع بعلومه.(1/70)
(17) السؤال السابع عشر( قال رضي اللّه عنه) سؤال:
عن قوله تعالى: { كذلك يطبع اللّه على كل قلب متكبر جبار } قرأ بترك التنوين في قلب وقرأ بعض السبعة بالتنوين ، فهل لكل قراءة معنى أم هو متفق؟ وهل العموم المستفاد من كل مع الإضافة لأفراد القلوب فترده الإضافة إلى متكبر واحد وليس له إلاّ قلب؟ أو للأجزاء ، فيعم كل أجزاء متكبر واحد؟ وليس ذلك المراد بالآية ، وهل يؤخذ بمفهوم الصفة في الآية هنا ؟، والمطلوب منكم التحقيق لما ذكره أهل المعاني والبيان في الفرق في اقتضاء (كل) العموم - [يعني] بين كونها في حيز الإثبات أو النفي- هل كلام أهل الأصول كذلك أم هي للعموم مطلقاً؟
ثم قولهم (سلب العموم لايقتضي عموم السلب)، هل هذه قاعدة قررها الأئمة الأعلام أم لا؟ مع أنه يلزم منافاتها لبعض الأدلة العقلية والسمعية مثل قوله تعالى : {لاتدركه الأبصار} ونحوها من الآيات.
ثم إذا دخلت (كل) على ما فيه اللام مثل {كل الطعام..الآية} وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( كل الطلاق واقع )) فهل يفيد تأسيساً أو تأكيداً ؟،
ثم إذا دخلت (كل) على الجمع نحو (كل الرجال جاؤني ) فهل يفيد استغراق الأفراد أو مراتب الجموع ؟ ما هو المختار على كلام أهل المذهب إذا أتي بذلك اللفظ في عتق أو طلاق؟.(1/71)