والصلاح وعرف ذلك منهم مع لزومهم للسيرة المرضية من العدل وبذل الوسع فيما هم بصدده قبل الدعوة وبعدها بحيث يعلم من قصد كل منهم أنه لا حامل لهم على التورط في حبائل الأمر والنهي إلاّ وجوب ذلك عنده وصلاحيته له دون غيره، وظنه قيام الحجة عليه بحيث يعلم من قصده أن لو عرف أن معارضه أنهض منه وأكمل لترك معارضته واتبعه، فما هو الذي يعتقد في المتعارضين والحال ما ذكرنا؟ ثم العوام الذين لا خبرة لهم إذا اتبع بعضهم واحداً والبعض الآخر مع الآخر مع اعتقاد كل منهم حقيّة من اتبعوه فهل يجوز حملهم على السلامة أم لا؟.
ثم ما يصير به الباغي باغياً يحل منه ما يحل من الباغي، هل لا بد من المحاربة أو العزم عليها مع إظهار أنه محق أو بمجرد عدم القول بالإمامة، إن قلتم لا بد من المحاربة أو العزم عليها مع الإظهار أنه محق والإمام مبطل فما يكون حال من قاتل من لم يحارب ولا عزم؟ وما حكمه مع قول أمير المؤمنين عليه السلام: (ولا نبدأهم بقتال إلا أن يبدؤنا)، وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من أغلق بابه فهو آمن )).(1/52)
ثم إذا فرضنا بغيهم فهل يجوز منع الميرة عنهم ونصب المنجنيق والمدافع ورميهم على وجه لايدرى أين يقع مع أنهم مختلطون بالنساء والصبيان ومن لا يقتل، فهل يجوز فعل ذلك مع أنهم مبطلون مع قول أمير المؤمنين: (أهل القبلة لا ينصب عليهم منجنيق ولا يمنعون ميرة)، فإن قال: لم أقصد إلاّ من يجوز قتله فهذا غير مخلّص إذ هو إقدام على ما لايؤمن قبحه وهو غير جائز، لهذا ورد في بعض الأثار العلوية أن أهل القبلة لا يبيتون ، فنبه على العلة .
ثم إذا علم الإمام فعل المقاتلين لما لا يجوز هل يجب عليه إعلامهم فقط أو دفعهم عن المنكر بالممكن؟، ثم إذا كان جنده فسّاقاً أكثرهم وليس معه عصابة مؤمنون يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية عليهم وعلى غيرهم هل يجوز له الإستعانة بهم أم لا؟ إذ العلماء بين قائلين قائل تجوز الإستعانة مع الشرط، وقائل بأنه لا يجوز الإستعانة رأساً.
ثم إذا طلبوا الأمان فهل يجوز قتالهم مع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من ألقى سلاحه فهو آمن ))، ثم إذا اختلط أهل قرية الموالي بالمعادي فهل يجوز حصارهم مع أنه لا يمكن الموالي الهجرة؟ أمْ يقاتلون ويحاصرون؟ فكيف بقول اللّه تعالى: { ولولا رجال مؤمنون .. الخ}.
ثم إذا علم الإمام أن جنده يطمعون من تلك الطريق كائناً من كان فهل يقرهم على ذلك ؟ فما الدليل؟ أو يمنعهم عن الطمع لئلا يصادموا من لا يجوز أخذه ويلزمه إظهار ذلك والتبري منه مطلقاً؟.(1/53)
ثم إذا قال ناس من العوّام المقلدين وغيرهم في شأن هذين المتعارضين: كل واحد منهما يطلبنا الدخول تحت طاعته وليس مقصدنا إلا اتباع القائم من أهل بيت رسول اللّه لا المخالفة لهما، فعزم أحد المتعارضين على إكراههم وحاربهم فأعرضوا عن ذلك أنهم متبعون لما قاله وأجمع عليه علماء أهل البيت عليهم السلام فلم يقبل منهم ذلك وحاربهم وحاصرهم فما حال منْ فعل هذا ؟ هل جائز له ذلك الفعل أم لا؟ .
وعلى الجملة فسيرة البغاة معلومة من فعل أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه في الجنة في الناكثين المعلوم بغيهم قطعاً على إمام معلوم إمامته قطعاً فمن سار بغير سيرته فقد شرع ما لا ينبغي.(1/54)
*الجواب الثالث عشر:
أن مسالة الإمامة كونها قطعية جملة أمر متفق عليه، بل هي إحدى المسائل الثلاثين التي يجب معرفتها على كل مكلف، وأما تعيينها في الأفراد فالصحيح أنها قطعية أيضاً، والذي صيّرها قطعية مع كون بعض شروطها ظنياً هو الدعوة الحاصلة من الفاطمي الكامل، ولهذا علق وجوب النهوض إليه بها، ثم ينظر في بقية الشروط،وهو صريح الحديث قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبّه اللّه على منخريه في نار جهنم )) لأنها دعاء إلى اللّه، وإلى ما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من إحياء الشريعة والعمل بها، وإماتة البدع وإحياء الفرائض والسنن، ولا شك أنه يجب التعاون بين آحاد المسلمين على ذلك كما قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لما كان حماة شريعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هم أهل بيته وحفاظها وورثة الكتاب كما قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} وكان عهدتهم القيام والذبّ عنها وتبليغها كما أهلهم اللّه تعالى بالقيام بوظيفة جدهم صلى اللّه عليه وآله وسلم، وكان القائم منهم يختص بأحكام وله مباشرة أمور لا تجوز لغيره من سائر الناس وبها تمام قيام معالم الإسلام، وكان قائمهم قائماً مقام الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم إلاّ فيما يخصه من الأحكام فمهما استقام على طريقة الذي استخلفه ووجدت فيه(1/55)
صفاته لا جرم تحتّم وجوب إجابته والمسارعة إلى دعوته، وجعلت تلك الأوصاف شروطاً لمعرفة كماله، ومن شأن الشروط أن يكتفى فيها بالظن ولا تحتاج إلى القطع، ولا يقدح ظنيتها في قطعية الأصل كالصلاة وغيرها من القطعيات، فلا يقدح في قطعيتها كونه يكفي الظن في القبلة والوقت وبعض الطهارة، وإن كان نفس اشتراط الإجتهاد والتدبير مثلاً في القائم على الجملة قطعياً لكن وجوده في الآحاد يكفي فيه الظن كما حكينا، وقد ينتهي الحال إلى العلم بكماله لكن العلم غير شرط في الإبتداء إذ لو كان شرطاً لزم الدور في مثل التدبير والشجاعة والكرم، فعرفت أن الذي صيرها قطعية هو الدعاء إلى اللّه من ذي المنصب المخصوص، وأن الشروط مما يكتفى فيها بالظن كما في نظائرها من الصلاة والصوم والحج وغيرها، بل أكثر القطعيات على هذا المنوال.
ومن هاهنا يظهر فساد ما قيل : إن ما ترتب على ظني فهو ظني على الإطلاق، لأنه يقال: إلاّماكان من قبيل الشروط فهو يكفي فيها الظن، ولهذا نصوا أنه يجوز إستهلاك مال الغير بشرط ظن الرضا، وكخبر المنادي ببيع ما في يده من مال غيره بشرط ظن الرضا، وفي وكيل عقد النكاح وغيره مع كونها محرمات قطعية وكفى الظن في شرط إباحتها والعبرة بالإنكشاف.
وسألتم عن من عارض الأول لإعتقاد عدم كماله هل يجوز أم لا؟.(1/56)