قلت: غير مسلم بل الملائمة حاصلة ووجهها أن التعلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثابت لأهل بيته وزوجاته، وأيضا قد أمرهن بأوامر قبل الآية وبعدها، فحثهن على القيام بتلك الأوامر، بأن ذكر أهل البيت المطهرين ليحرصن على القيام بما أُمرن به لأن أهل البيت المذكورين لم يستحقوا التطهير وإذهاب الرجس إلا لقيامهم بما أمروا به.
وهذان وجهان ظاهران لمن له أدنى معرفة بدقائق علم المعاني، على أنه لو كان فيه شيء من التنافر ما وردت به الأخبار متواترة.
فإن قلت: تحُمل الآية على أن المراد بها أهل بيت النسب بدلالة الأخبار وأهل البيت السكنى لقرينة المقام، وأيضا هو مشترك يحمل على معنييه مطلقا فكيف مع قرينة إرادة الجميع.
قلت وبالله التوفيق: لا يورد هذا السؤال إلا ذو غفلة أو من أعمى التعصب والتقليد قلبه وعقله، كيف وقد دل الحديث على تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين، وأخرج غيرهم من الموجودين في ذلك الوقت من وجوه:
الأول: أنه دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم في كونه من أهل البيت عليهم السلام لدعاه.
الثاني: اشتماله عليهم بالكساء دون غيرهم ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه قال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي مؤكداً للحكم بأن.
الرابع: تعريف المسند إليه([26]) باسم الإشارة الذي يفيد تمييزه أكمل تمييز كما يعرفه علماء المعاني.
الخامس: أنه أتى بالجملة مكررة([27]) للتأكيد ليرفع توهم دخول الغير كما هو شأن التأكيد اللفظي عند أهل اللغة.
____________________
([26]) وهو ((أهل بيتي))من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم هؤلاء أهل بيتي "وهؤلاء اسم إشارة.
([27]) كما في رواية المرشد بالله عن واثلة بن الأسقع "اللهم هؤلاء أهلي، اللهم هؤلاء أهلي اللهم هؤلاء أحق ص 148/ ج1 وفي ذخائر العقبى ص24 "وفي رواية (اللهم هؤلاء أهلي) فأسترهم من النار والرواية التي عند أبي ليلى الكندي عن أم سلمة أنه قالها ثلاثاً وهي في الاعتصام 99 والرواية التي عند أبي ليلى الكندي أنه قالها ثلاثاً.(1/9)


السادس: دفعه لأم سلمة رضي الله عنها، بأن قال لها مكانك أنت إلى خير([28]) وفي بعض الأخبار: (لست من أهل البيت أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم)([29])، وفي بعضها أنت ممن أنت منه([30]) دل بإخراجها على خروج جميع الزوجات، وأيضا علل إخراجها بأنها من الزوجات([31]).
فإن قلت:إن في بعض الأخبار عن أم سلمة([32]) قالت: يا رسول الله ألست من أهل البيت، قال بلى فادخلي في الكساء فدخلت.
قلت الجواب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن روايات دفعها أكثر وأصح فكانت أولى وأرجح.
الثاني: أنه لم يشر إليها معهم بقوله هؤلاء أهل بيتي ولم يدعها وأيضاً قالت فدخلت بعدما قضا دعائه لابن عمه وابنيه وفاطمة فعرفت أن دخولها كان على جهة التبرك فقط.
_____________________
([28]) أمالي أبي طالب وأمالي المرشد بالله ص 151/ ج1.
([29]) رواية المحيط قال:ـ أنت على خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي رواية الترمذي فقال أنك على خير وأنت من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إضافة أن هناك روايات تعدد أسماء من نزلت فيهم الآية وليس منهم أزواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.أنظر الاعتصام صـ (77). وعائشة تذكر الرواية هي وأم سلمة وتقول إنها نازلة في الخمسة، رواية عائشة في الاعتصام ص 84.
([30]) ورواية مسلم صريحة أنها في الخمسة فقط ولم يدخل النساء، وهي عن عائشة قالت خرج رسول صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرحل أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال...الآية }إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً{ وقد ندمت أم سلمة على عدم إدخالها وقالت فلو كان قال نعم كان أحب ألي مما تطلع عليه الشمس وتغرب وفي ذخائر العقبى ص 21رواية التعليل بالزوجات.
([31]) الاعتصام 80 ـ 81
([32]) ذخائر العقبى ص 23.(1/10)


الثالث:أنه ما أدخلها إلا على وجه الإيناس وتجنباً للإيحاش بدليل أنه ما أدخلها إلا بعد أن سألته ,ثم أن في الروايات الآخرة مثل رواية أبي الحمراء([33]) وغيره أنه كان يأتي إلى باب علي وفاطمة ثمانية أشهر أو تسعة أشهر ويتلو الآية ولم يكن في البيت أم سلمة ولا غيرها وهكذا([34]) ما قاله في حق واثلة بن الأسقع([35]) فظهر أنه لم يرد إلا الإيناس.
________________
([33]) رواية أبي الحمراء خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجيء عند صلاة كل فجر فيأخذ بعضادة هذا الباب ثم يقول: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته ثم يقول الصلاة يرحمكم الله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. قلت يا أبا الحمراء من كان في البيت، قال علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. الاعتصام المجلد (1)ص 112.
([34]) في ب وهذا
([35]) روى ذلك ابن جير الطبري قا ل في آخر الرواية، قال واثلة فقلت من ناحية البيت وأنا ولو شاركهم الله من أهلك قال وأنت من أهلي قال واثلة إنها لمن أرجى ما أرتجي.جامع البيان ج22 ص6 ذخائر العقبى ص 24.
وفي رواية أخرى قلت:أي واثلة يا رسول الله وأنا قال وأنت، قال فوالله إنهالأوثق عمل عندي. نفس المصدر السابق
وروى ابن كثير و الحاكم في المستدرك عن و اثله ولم يذكر الزيادة. ويكفينا لرد هذه إضافة إلى ما ذكر الإمام أن نعرف أن واثلة هو راوي حديث " الأمناء عند الله ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية " اللآلئ المصنوعة ج1 ص 417 وحديث إن الله ائتمن على وحيه جبرئيل وأنا ومعاوية وكاد أن يبعث معاوية نبياً من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي....إلى آخر الرواية. الغدير ج5 ص308 واللآلئ المصنوعة ج1 ص419 وذكره الشوكاني في الموضوعات وأسند الوضع إلى علي بن عبد الله بن الفرج البرداني. وقد شتم جماعة علي بن أبي طالب في حضرة واثلة ولم ينكر عليهم كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري في ج22 ص6.والذين طلبوا الدخول أم سلمه وابنتها زينب وواثلة بن الأسقع وعائشة.وقد تعددت الروايات في المدة على النحو التالي ستة أشهر ذخائر العقبى ص24، ثمانية، تسعة.. ذخائر العقبى ص25، عشرة، تسعة عشر، ثمانية عشر، تسعة عشر أربعون صباحاً وكلها متفقة أنها وقت صلاه الفجر ويتلو الآية ويقول " الصلاة أهل البيت يرحمكم الله على اختلاف ألفاظها وفي الرواية الأخيرة بعد أن دخل بفاطمة ويقول السلام عليكم أهل البيت ورحمته وبركاته، الصلاة يرحمكم الله ويتلو الآية. ولعله بعد أن دخل بها وأنجبت الحسنين.(/)


السابع: أنه لو أريد غيرهم في الآية معهم لما دعاهم وحدهم ولما أشار إليهم وحدهم بل يكون ذلك الفعل والحكم بأنهم أهل البيت وحدهم خيانة في التبليغ ([36]) وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فيقطع حينئذٍ مع هذه الوجوه بخروج غيرهم عن أن يكون من أهل البيت سواءً كن الزوجات أو سائر الأقارب،كبني العم([37]) ونحوهم كما يقتضيه بيانه وإيضاحه صلى الله عليه وآله وسلم للمقصود من الآية.

[الدليل على أن ذرية الحسنين (ع) من أهل البيت]
فإن قلت:- يُعْلَمُ مما ذكرت أن أهل البيت هم الأربعة فقط فلا يكون ذريتهم من أهل البيت كما ذكرت أنه يقتضيه البيان.
قلت وبالله التوفيق:- إنما أراد بقصر([38]) الحكم على الأربعة وإخراج من عداهم([39]) من الموجودين في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم من الزوجات والأقارب ولو وُجِدَ في ذلك الوقت أحدٌ من ذريتهم لأدخلهم لكن لم يوجد إلاَّ الأربعة، وأيضاً أهل البيت يتناول الآتين بعده صلى الله عليه وآله وسلم كما يتناول الموجودين في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما أن لفظ الأمة([40]) يتناول الآتين من بعده صلى الله عليه وآله وسلم كما يتناول الموجودين في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم..
__________________
([36]) لقوله تعالى آمراً له { يا أيها بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته } الأحزاب67
([37]) وقد روى ابن حجر الهيثمي رواية وذكر فيها العباس ولكنه ذكر دون سند. راجع الصواعق المحرقة ص 144
([38]) في ب بنقض.
([39]) في ب عندهم.
([40]) كما في اللآلي المضيئة.(1/11)


الدليل على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت:
ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم أدلةٌ:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبه وأحمد([41]) وابن ماجه([42]) عن علي، وأخرجه أبو داود أيضاً عن علي وقد نظر إلى الحسن ابنه وقال: ((إن هذا سيد)) كما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشهر في الخلق يملأ الأرض عدلاً. وأخرج الترمذي([43]) وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل البيت يواطي([44]) اسمه اسمي))([45])، وأخرج أبو داود([46]) والحاكم([47]) وابن ماجة([48]) والطبراني عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) فدلت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين.
____________________
([41]) ج1 ص 84 ط.الميمنية بمصر
([42]) ج9 ص 74 ط.الصاوي بمصر.
([43]) ج2 ص 519 والتاريخ الكبير ج1 ص 317 وحلية الأولياء ج3 ص 177 وفرائد السمطين والحاوي للفتاوى ج2 ص58 والبيان في أخبار آخر الزمان ص311 و تذكرة القرطبي ومنتخب كنز العمال ج6 ص30 والجامع الصغير ج 2 ص579 والصواعق المحرقة ص235 ومختصر تذكرة القرطبي ص13و206،والمقاصد الحسنه ص435 وتمييز الطيب من الخبيث ص220 وكنوز الحقائق ص164 وذخائر المواريث ج 3 ص 24 وراموز الحديث ص237 وتعليقة النعساني على تاريخ الرقة ص 71 وينابيع المودة ص 181،188 والفتح الكبيرة ج3 ص 259 ووسيلة النجاح ص 421.
([44]) أي: يشابه.
([45]) أخرج نحوه البيهقي في الاعتقاد ص 105 طبعة كامل مصباح.
([46]) ـ ج4 ص 151 طبعة السعادة
([47]) ـ ج 4 ص 557 وأخرجه في التاريخ الكبير ج1قسم 1 ص 346 وتاريخ الرقة ص 70، 71 والمستدرك ج 4 ص 557 والجمع بين الصحاح والفقه الأكبر ج2 ص 65 والفصول المهمة ص276 ومشكاة المصابيح ج3 ص24 وميزان الاعتدال ج1 ص355 و ج2 ص240 والصواعق المحرقة ص 97 ومصابيح السنة ج2 ص 143 ومطالب السؤل ص 89 والبيان في أخبار آخر الزمان ص 311 ومنتخب كنز العمال ج6 ص30 وتذكرة الحافظ ج2 ص463 والمقاصد الحسنة ص435 وجالية الكدر ص208 والفتاوى الحديثية ص 29 وأشعة اللمعان ج4 ص238 ونهاية البداية والنهاية ج1 ص 40 والجامع الصغير ج2 ص 579 والحاوي للفتاوى ج2 ص 58 و 74 ومنهاج السنة ج4 ص211 وأرجوزة الشيخ سعدي الإبي ص 307 وكنوز الحقائق ص 164 وجواهر العقدين على ما في الينابيع ص 432 والصواعق 235 والعرائس الواضحة ص 208 وتمييز الطيب ص 220 وتيسير الوصول ج2 ص337 وذخائر المواريث ج4 ص292 ومفتاح النجاة ص200 وإسعاف الراغبين ص147 وكنوز الحقائق حرف الميم والسيرة الجلية ج1 ص193 وينابيع المودة ج3 ص86 و89 وراموز الأحاديث ص236 والفتح الكبير ج3 ص 259 وتعليقة النعساني على تاريخ الرقة ص 70 والسراج المنير ص 409.
([48]) ج2 ص 519(1/12)

3 / 6
ع
En
A+
A-