[ابتداء الكلام في آية التطهير]
بسم الله الرحمن الرحيم
[وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين]([1])
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..)([2]) أَُعتُرِض على الاستدلال بها من وجهين:-
أحدهما: أن المنصوص عليه في الآية إرادة الإذهاب لا الإذهاب بنفسه ولا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد؛ لأن الله تعالى قد يريد شيئاً ولا يقع كما يريد الطاعات من العصاة ولا تقع.
الثاني: أن الآية واقعةٌ في سياق ذكر الزوجات فالمقام يقتضي أن المراد بها هنا الزوجات([3]).
___________________
([1]) ما بين قوسي الزيادة موجود في النسخة المعتمدة لنا، وغير موجودة في البقية. وفيها أيضا زيادة (هذا بحث نفيس خطير في تقرير الاستدلال بآية التطهير ودفع ما يرد عليها من الاعتراضات وحَلُّ ما يدخلها من الإشكالات منقول من خط (بياض في الأصل)
([2]) الآية: 33) سورة الأحزاب. استخدم المؤلف طريقة السؤال و الإجابة وهو أسلوب يقرب المعلومات ويزيل الشكوك ويحبب قراءة الملخص لأن القارئ يقرأ السؤال فيريد بعدها أن يعرف الإجابة. وكان للمؤلف فضيلة ربط المعلومات بعضها ببعض وتسلسلها. واستخدم أيضاً أسلوب التقسيم الذي له دور في حصر المعلومات. وكل هذه الأساليب وغيرها كان لها أثر في الشوق إلى قراءة هذا الأنموذج.
([3]) وظاهر هذا الكلام أنها خاصة بهنَّ ولا يشاركهن فيه غيرهن والذي انفرد بجعل الآية في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو (عكرمة) حتى أنه كان ينادي بذلك في الأسواق. وعكرمة هذا كان أباضياً (خارجياً) ((أسباب النزول للواحدي ص (240)، وابن كثير ج 3 ص (483) وجامع البيان للطبري ج22 ص (27) قال عنه سعيد بن المسيب وهو يتحدث لغلامه برد (يا برد لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس) تهذيب التهذيب ج7 ص (267). لأن عكرمة كان مولاً لابن عباس. وقال عبد الله بن الحارث:دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثق على باب كنيف فقلت:- أتفعلون هكذا بمولاكم فقال إن هذا يكذب على أبي. وفيات الأعيان ج2 ص (428) وتهذيب التهذيب ج7 ص (268)وبعد هذا كله فليناد عكرمة بما شاء. ومن اغرب أخباره أنه عندما مات اتفقت جنازته وجنازة كُثَيِّر عزه فشهد الناس جنازة كثير عزه وما قاموا مع جنازته وربما اشترك مقاتل مع عكرمة في هذا الرأي ويكفي فيه قول أبي حنيفة قال "أتانا من المشرق رأيان خبيثان جهم معطل، ومقاتل مشبه "وهناك رواية أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يخصص الآية في نساء النبي وفي إسنادها أبو يحيى الحماني مرمي بالإرجاء تقريب التهذيب ج1 ص(469).(1/5)


[الجواب عن أن المنصوص عليه في الآية إرادة الإذهاب لا الإذهاب نفسه ولا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد]
والجواب عن الأول:
أن نقول:- قولك لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد مُسَلَّمٌ إذا تعلقت إرادة الله بأفعال المخلوقين لأنه تعالى أرادها منهم باختيارهم ولم يردها منهم مطلقاً([4])، وأما ما أراده الله من أفعاله فهو واقع لا محالة عند الإرادة.
فإن قلت:من أين علمت أنَّ إذهاب الرجس هذا أو التطهير فعله تعالى؟
قلت: من قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس)،(ويطهركم) فأسند الفعلين إلى نفسه تعالى فهما فعله قطعاً.
فإن قلت:يحتمل التجوز في الإسناد.
قلت: خلاف الظاهر والعدول عن الظاهر بلا قرينة تحريف وتبديل.
فإن قلت: إذا كان فعله لظاهر الإسناد وقد أرادها بصريح الآية فلم قلت قد وقعا قطعاً؟
قلت:لأنه تعالى إذا أراد شيئا من أفعاله ولم يقع كان عجزاً أو بدأ وهما محالان على الله تعالى، ولقوله تعالى:(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).
وأيضا هو نظير قوله تعالى(يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم)،(يريد الله أن يخفف عنكم)،(يريد الله بكم اليسر) فكل هذه قد أرادها وهي واقعة([5]) لأنها فعله. بخلاف ما أراده، وهو موقوف على اختيار العباد مثل([6]) قوله تعالى:(والله يريد أن يتوب عليكم) فقد أراد الله التوبة عليهم ولا يلزم وقوعها لتوقفها على اختيارهم (وهو فعل التوبة منهم).
___________________
(4) أي مختارين وغير مختارين
(5) فقد وقع البيان بإرسال الرسل سلام الله عليهم وكذلك البيان والهداية إلى سنن الذين من قبلنا ووقع التخفيف والتيسير في الأحكام الشرعية وشرع الله ما فيه تخفيف علينا "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "وما كلفنا بما هو فوق طاقتنا لا يكلف نفسا إلا ما أتاها .
(6) وغيرها من الأمثلة مثل التخلق بالأخلاق الفاضلة والدعوة إلى الله(/)


فإن قلت: إذا كان إذهاب الرجس والتطهير فعله لزم ارتفاع التكليف.
قلت: ليس فعله عين فعل الواجبات، وعين ترك المحرمات حتى يلزم ما ذكرت بل معنى الآية([13]) العصمة في حق الأنبياء كذلك هنا [أي تطهير أهل البيت].
فإن قلت: لم ذكر الإرادة دون الإذهاب؟
قلت: ليدل [على] أن إذهاب الرجس واقع على أكمل ([14]) الوجوه وأتمّها من حيث أنه حصر إرادته لهم في إذهاب الرجس والتطهير ونزّل سائر المرادات من جميع النعم والمصالح منزلة غير المراد مع عظمها وجلالتها وظهورها، لأن إذهاب الرجس هو أكبر النعم من حيث تعلقها بالدين بخلاف غيرها من النعم.
__________________
([13]) في (أ) بل معنى الآية هو معنى العصمة،وفي (ب) بل معنى الآية معنى العصمة.
([14]) فيكون المعنى أشمل.(1/6)


فإن قلت: فعلام دلت الآية؟
قلت: على العصمة من وجوه:
الوجه الأول: أنه قصر الإرادة على الإذهاب للرجس([15]).
الوجه الثاني: أنه أثبت إذهاب الرجس أولاً ومن لازمه ثبوت التطهير ولم يكتف به حتى صرح بإثبات التطهير.
الوجه الثالث: أنه لم يكتف بإثبات التطهير حتى أكده بقوله (تطهيرا).
الوجه الرابع: أنه أتى باللام في قوله: (ليذهب) المؤكدة لإرادة الإذهاب، وأصله: إنما يريد الله ليذهب فزيدت اللام لتأكيد تعلق الإرادة بالإذهاب كما زيدت لتأكيد الإضافة في قولهم: (لا أبا لك).
الوجه الخامس: أنه قرنهم في الحكم بالنبي([16])صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم قطعاً ولم يثبت لهم وحدهم إشارة إلى أن حكمهم حكمه صلى الله عليه وآله وسلم ([17]).
الوجه السادس: أنه قرن الحكم عليهم بالتطهير بالنداء([18]) الذي يشعر بكون المنادى في أعلا مراتب التعظيم.
فإن قلت: إن ظاهر الآية إذهاب الرجس الذي هو النجاسات الحقيقية والتطهير منها.
قلت: لو حمل عليه لما كان للآية معنى إذ هم كغيرهم فيها، وأيضاً هو إخبار فيلزم أن يكون متعلقه على ما هو عليه وهو هنا مختلف قطعاً فيلزم أن يكون كذباً وهو محال على الله تعالى، فوجب أن يحمل على الأرجاس المجازية التي هي رجس المعاصي([19]).
فإن قلت: من أين تعلم إذهاب كل رجس حتى يثبت([20]) العصمة؟
___________________________
([15]) وأداة القصر والحصر (إنما)
([16]) فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد الأفراد (الخمسة)(وذريتهم)المحكوم عليهم.
([17]) لأنه أحد الخمسة أهل الكساء وللرواية التي رواها المرشد بالله بسنده،قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عبادة عن ابن عباس (رض) عن الرسول (ص) في قول الله عز وجل {إنما يريد} الآية،فأنا وأهل بيتي مطهرون.
([18]) في قوله ((أهل البيت)) فحذف حرف النداء (يا).
([19]) وقد ورد عن ابن عباس في تفسير الآية أن الرجس الشك وفي رواية واثلة في الاعتصام صـ (87)عندما سئل قال الشك في دين الله ورواية ذخائر العقبى الشك في الله تعالى ص 24.
([20]) في (أ) تثبت و(ب) يُثبت.(1/7)


قلت: من الصيغة لأنها من صيغ العموم أعني لفظ (الرجس) لأنه اسم جنس معرف باللام وهو من صيغ العموم كما حقق في الأصول وهي متعلق الإذهاب لفظا ومتعلق التطهير تقديراً على أنه قد ذكر إمام أهل اللغة (أحمد بن يحي بن فارس) في كتابه مجمل اللغة ما لفظه: (وقال في القاموس: التطهير التنزيه عن الإثم وعن كل قبيح، وقال في القاموس: التطهر الكف عن الإثم فيعم إذهاب كل المعاصي عنهم وصغائرها وكبائرها الخطأ منها والنسيان، سواء تعلقت بالأفعال أو بالأقوال أو بالاعتقاد، فيكون كل ما قالوه حقاً وكذا ما اعتقدوه أو فعلوه وكل حق يجب إتباعه، وهو معنى حجية القول ومعنى العصمة([21]) أيضا.

[الجواب عن أن المراد بالآية الزوجات]
وأما الجواب عن الثاني فنقول:
اعلم أن لفظ البيت له معنيان:
أحدهما البيت السكنى، والثاني بيت النسب، وإذا أضيف إليه [لفظ] أهل صار مجملاً يحتاج إلى البيان إن كان مشتركا، وإن كان حقيقة في بيت السكنى مجازاً في بيت النسب، حمل على المعنى الحقيقي إلا بصارفة([22]) تصرفه عنه إلى المجاز، وهذا([23]) الأحاديث المتواترة([24]) القطعية تصلح معينا للمراد على الأول وصارفا إلى المعنى المجازي على الثاني.
فإن قيل: تعارض الأخبار دلالة السياق على المراد.
قلت: دلالة السياق ظنية ودلالة الإخبار قطعية والظن يضمحل عند القطع، على أن الآية كلام مستقل مفيد لا يحتاج إلى ما قبله ولا إلى ما بعده.
فإن قيل: يؤدي إلى أن لا يتلائم طرفا الكلام ([25]) وهي خلاف
البلاغة التي هي وجه إعجاز القرآن.
______________________
([21]) وقال في مقدمة تفسير المصابيح الساطعة الأنوار بعد ذكر آية التطهير، فهي دليل العصمة لأن رجس الأقدار حكمهم فيه وحكم غيرهم بالاتفاق واحد، فلم يبق فائدة الآية وخبر الكساء الذي بينها إلا تطهيرهم من درن الأوزار وذلك معنى العصمة شهادة الله لهم وشهادة رسوله بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ص 38.
([22]) (في أ،ب) لصارف يصرف.
([23]) هكذا في الأصل ولعله وهذه.
([24]) سوف تأتي.
([25]) (في أ، ب)وهو الفصاحة.(1/8)

2 / 6
ع
En
A+
A-