عذلي عابوا رجائي ... عذلي جاروا وتاهوا
كيف لا أرجو الذي لا ... يغفر الذنب سواه
جاء في القرآن منصوصا ... وكل قد رواه
وهو أعلي رتب المجد ... بعفو هو ما هو
قصر المدح عليه ... فانظروا ذا المدح ما هو
هو حق أو محال ... أو صحيح أو سواه
لا ومن لا يغفر الذنب ... وإن جل سواه
إنه للحق صدقا ... وصدوق من رواه
وسعيد من تلقا ... بصدق ورجاه
وظلوم من يسميه ... مني خاب مناه
الاماني رده الحق ... اجتهادا بهواه
أو يري أهدي من ... القرآن نهجا ما رآه
ويري الباطل في ... مفهومه مهما تلاه
غير أن الله للعبد ... بخوف ابتلاه
لصلاح فيه لا يغني عن الخوف سواه ...
نحمد الله علي الخوف ... فمولانا قضاه
لو محا الخوف رجائي ... لمحا الخوف قضاه
من رجا خاف من الله ... ومن خاف رجاه
ولذا اختص أولو العلم ... ومن قد اصطفاه
بمزيد الخوف لله ... مع وعد رضاه
لو رجا الكافر أوخاف ... وقاه وكفاه
ذا رجائي فيه وإلا ... رجاء زور لا أراه
فاعرف الارجاء تعلم ... أن رجواه سواء
وثانيهما أن الاحتياط إنما هو بالعمل الصالح فان العمل الصالح هو موضع الاحتياط فاما مجرد الاعتقاد فلا يمكن أن يكون أحد الاعتقادين (1/357)
أحوط ههنا لأنه من قبيل التصديق وهو واجب في الموضعين بل هو في الرجاء أوجب اجماعا وإنما يمكن اعتقاد الاصح ولذلك اختلفت الملائكة عليهم السلام وكان الصواب مع من رجا منهم كما تقدم في أول هذه المسألة
ويدل علي ذلك وجوه
الوجه الأول أن المقتضي للرجاء تقديم الخاص على العام عند تعارض السمع في ذلك وذلك واجب ولا يمكن أن يكون ترك الواجب أحوط لأن تركه حرام وارتكاب الحرام يناقض الاحتياط وينافيه فلم يمكن الاحتياط إلا في العمل فان زعموا ان العموم في مسائل الاعتقاد قطعي فلا يجوز تخصيصه فالجواب من وجوه أولها أنه يلزمهم مثله في عمومات الوعد بالمغفرة كقوله تعالى يغفر لمن يشاء وقوله تعالى إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم وقوله تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن في ثلاث آيات وقوله تعالى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا وقوله تعالى أعدت للكافرين وفي الجنة أعدت للذين آمنوا بالله ورسله وغير ذلك مما يطول ذكره وتقدم بعضه بل المحافظة على الصدق في الوعد أوجب لأن الخلف فيه قبيح ضرورة وإجماعا وفي الوعيد لا ضرورة فيه ولا إجماع وثانيها ان المخصصات قواطع كقوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله تعالى أعدت للكافرين وقوله إن العذاب على من كذب وتولى وقوله لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وغير ذلك وقد بسطت الردود على مطاعن المخالف في الاحتجاج بها وغايتها ظواهر مثل عموماتهم فان وجب الجزم على ما يفهم من عموماتهم لعلة وجب الجزم على ظواهر هذه لتلك العلة بعينها بل البعد عن الخلف في الوعد أوجب لما تقدم وإن جاز حمل هذه على غير ظاهرها لدليل منفصل جاز في عمومات الوعيد مثل (1/358)
ذلك وكانت هذه هي الادلة المنفصلة وإن لم يسلموا أنها قاطعة كانت معارضة توجب الوقف وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالاجماع وهي قاطعة في ألفاظها كما أوضحناه فيما تقدم لورودها عن عشرين صحابيا أو تزيد في الصحاح والسنن والمسانيد وأما شواهدها بغير لفظها فقاربت خمسمائة حديث فيها كثير من طريق أهل البيت عليهم السلام كما مضى ورابعها أنه لا يمكن القطع على تكذيب رواتها خاصة ومنهم جماعة من أهل البيت عليهم السلام ومتى لم يمكن حصل التجويز ومتى حصل وجب قبول الثقة وخامسها أن المخالف وافق على قبول الآحاد في مثل ذلك حيث يحتاجه كما قبلوا استثناء الدين من المغفرة للشهيد وهي قرآنية واستثناء علي عليه السلام من قوله تعالى فإن لم تفعلوا في آية النجوى وغير ذلك وسادسها أنهم أهل الدعوى والحجة عليهم وليس بأيديهم إلا ظواهر معارضة بأمثالها وفي الموضع الثاني من الفصل الثالث من الجوهرة في أقسام الخصوص أنه لا وجه للمنع من تخصيص الاخبار مع القرائن والاحتجاج على الجواز بالعقل والسمع
قلت ومن الأدلة قوله تعالى في ريح عاد ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وقوله تعالى فيها تدمر كل شيء بأمر ربها مع قوله تعالى فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فخص مساكنهم
وقال في سورة القمر إلا آل لوط نجيناهم بسحر وخص امرأته من هذا العموم في الحجر والنمل خصوصا منفصلا وأمثال ذلك كثير
وأما الاشعار الجملي بأن هذا العموم مخصوص فلو كان لوجب أن ينقل عادة لكثرة العمومات المخصوصة فلما لم ينقل ألبتة علم بالعوائد أنه لم يكن فلم يبق إلا أن كثرة وقوع التخصيص بعد العموم في اللغة والشرع تنزل منزلة الاشعار بأن صيغة العموم ظنية لا يجوز استناد الاعتقاد القاطع (1/359)
اليها وكان هذا بمنزلة القرينة الصارفة عن القطع كما فهمت ذلك الصحابة على ما شرح مطولا في العواصم لذلك جعلوا الاسباب في كثير من المواضع قرائن قاصرة للعموم بل لأجل هذه الكثرة في تخصيصه قال المرتضى الموسوي أنه مشترك بين العموم والخصوص ومتى لم يجد الوعيدي شفاء في هذه الادلة فلينظر في عمومات الوعد التي هي أوجب صدقا من عمومات الوعيد وكيف أجتزئ فيها باليسير من هذا ولم يجتزأ منه بشيء في حق خصمه فيعرف طبيعة العصبية الغالبة فربما خفيت على المنصف حتى يتأملها حق التأمل والله الهادي وفي الموضع الرابع في وقت بيان الخطاب من الفصل الثاني في الكلام في المجمل والمبين من الجوهرة أيضا أن ذلك يعني تجويز تخصيص الاخبار يؤدي إلى الاغراء بالقبيح واعترضه القاضي في تعليقه بما حاصله أن الجزم في موضع الظن خطأ من المكلف وقع منه باختياره القبيح ولا ملجئ اليه وإن كان يكفيه اعتقاد أن ظاهر ذلك العموم حقيقة لا مجاز ما لم يرد مخصص مع اعتقاده أيضا لاحتمال العموم حين ورد للتخصيص كما هو مقتضى اللغة التي نزل علها القرآن وكما هو معتقده في عمومات الوعد وقد بسط هذا بسطا شافيا في العواصم في مقدار مجلد كبير لمن أحب التوسع في معرفة ما ورد في هذه المسألة
الوجه الثاني من الأصل أن المرجح له الاحتراز من تجويز الخلف على الله تعالى في الوعد بالخير لأنه متفق على المنع منه عقلا وشرعا وإجماعا من الامة الاسلامية وسائر الملل والرجح للوعيد المحافظة على الصدق في الوعيد بالعقوبة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والاحتمال والتعارض في الأدلة وأنه قد يسمى عفوا لا خلفا وأنه من التبديل إلى ما هو خير ونحو ذلك مع أنه قد اقترن به ما يمنع أن يكون خلفا وفاقا من شرط المشيئة ومن الفداء لكل مسلم بكافر ونحو ذلك ولا شك في ترجيح الأول على الثاني لأن من تعمد القول بتجويز الخلف على الله في الوعد بالخير فقد كفر بالاجماع والخطأ فيما عمده كفر بالاجماع أشد قبحا والاحتراز منه أوجب عقلا وسمعا وقد قال الله تعالى واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من (1/360)
ربكم وقال فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ولا شك أن تغليب جانب الرحمة وما يناسبها أكثر ثناء على الله تعالى ولذلك كتبها على نفسه وتمدح بها وكثر اسماءه المشتقة منها ومدح العافين والكاظمين كما يجيء في الوجه السابع إن شاء الله تعالى
الوجه الثالث أنه قد ورد الوعيد الشديد على سوء الظن بالله تعالى وعلى عدم قبول البشرى كما تقدم قريبا في نهي الملائكة للخليل عليه السلام عن القنوط وفي جوابه عليهم وقال الله تعالى في ذلك والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم فخص الكافرين باليأس من رحمته وتوعدهم عليه بأليم عقابه وقال تعالى أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وقال إنا كنا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم بفتح أنه وهي قراءة وبذلك وردت السنة الصحيحة المفسرة للقرآن فصح عن رسول الله وآله أنه قال يقول الله عز و جل أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وحديث الأمر بقبول البشرى وفيه أن النبي وآله قال لأعرابي أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على بعض أصحابه وقال إن هذا رد البشرى فأقبلا أنتما رواه البخاري وفي المستدرك ومسند أحمد من حديث عكرمة بن عمار عن صمضم بن جوسي اليمامي عن أبي هريرة سمعت رسول الله وآله يقول كان في بني إسرائيل رجلان كان أحدهما مجتهدا في العبادة وكان الآخر مسرفا على نفسه وكانا متآخيين فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب فيقول يا هذا أقصر فيقول خلني وربي أبعثت علي رقيبا قال إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه فقال له ويحك أقصر فقال خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر لك فبعث الله اليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي (1/361)