إذا وردت بعد الثواب فانها ... لما زاد جودا في ثواب الاكارم
وإن وردت بعد الوعيد فانها ... لعفو وصفح عن عقاب الجرائم
ووافقها في الذكر ذكر زيادة ... وذكر مزيد في النصوص الجوازم
وطول في الثاني اين تيمة فقف ... علي علمه في كتبه والتراجم
وأسنده عن ستة نص قولهم ... أكابر من صحب النبي الاكارم
فلا تعتقد ان لم يصح مقالهم ... وبان ضعيفا ساقطا كفر عالم
فما هو الا حسن ظن فان يجب ... فما ينقص الرحمن رجوى المراحم
وقول خليل الله ثم ابن مريم ... دليل على بطلان لوم اللوائم
وقد كاد جل الخلق يكفر ضلة ... بذلك لولا فضل أرحم راحم
فمن قاصد تنزيهه لو رعى له ... من الجبروت الحق عز التعاظم
ومن قاصد تعظيمه لو رعى له ... محامد ممدوح بأحكم حاكم
وحافظ كل العارفين عليهما ... وهذا الصراط المستقيم لقائم
وهذا مقام لا يخاطر عاقل ... به وله قد كان خلق العوالم
لتعليل خلق السبع والسبع كلها ... بتعريف وصفيه قدير وعالم
وإن مقاما حار فيه كليمه ... ولم يستطع صبرا لخير العوالم
جدير بتحقيق عظيم وريبة ... من الوهم عند الجزم من كل عالم
ألم تر ما أدى اليه الكلام من ... فريقيه لما لججوا في الخضارم
نفوا حكمة الرحمن في العدل والجزا ... وقدرته عن هدى أحقر ظالم
فوهى فريق عز أقدر قادر ... ووهى فريق قدس أحكم حاكم
وذا عذرهم في ذي الأقاويل أنها ... لمنكرة في قول جل الأكارم
كأنهم راموا مساعدة النهى ... وثلج نفوس بالغيوب هوائم
فلم يجدوا إلا التأول مخرجا ... لاحدى ثلاث في العلوم عظائم
لحكمة رب الخلق أو لاقتداره ... على اللطف أو تخليد أهل الجرائم
وأحسن من ذا الوقف فيه لقطعنا ... جميعا بحسن الحكم من خير حاكم
وذلك مغن إذ سلامة جارم ... لدى الخوف أولى من اصابة جاز (1/203)


وأثن ولا تستثن شيئا من الثنا ... ودع بدعا أضحت كأضغاث حالم
ولا تخش من عجز ولا جهل حكمة ... ولا غيظ مظلوم ولا عسف ظالم
ولا أنه في بره غير قادر ... عزيز ولا في عزه غير راحم
ولا أنه في حكمه غير عادل ... حكيم لما لم يعلم الخلق عالم انتهت على الاختصار في هذا المختصر
فهذه نبذة مختصرة من أول الاجادة في الارادة وهي قدر ألف ومائتي بيت أو تزيد علي ذلك قلتها أيام النشاط إلي البحث استعظاما لخوف الوقوع في الخطأ أو الخطر في هذه المسألة العظمي فاسأل الله التوفيق والعصمة مما خفت منه انه حسبي ونعم الوكيل
وقد أفردت هذه المسألة في مصنفات حافلة منها لابن تيمية ومنها لتلميذه شمس الدين ومنها للذهبي ومنها لي فمن أحب الاستقصاء في المباحث وقف عليها ونظر فيها هنالك والله الموفق ويأتي في الارادة بضعة عشر وجها مما غالبه منصوص من الحكم الربانية في خلق الاشقياء وكان هذا الموضع يليق بها فلتنظر هنالك في البحث السادس من مباحث الارادة
فهذا المعظم المهم مما خدشت به الملاحدة في الاسلام والمبتدعة في حكمه الملك الحميد الحكيم العلام ولم يبق إلا أمور يسيرة منها تعلقوا بآلام الاطفال والبهائم ومن لا ذنب له وكل ما أبيح في الشرع من ذبح البهائم وتحميلها والعمل بها
والجواب عن ذلك كله هو ما تقدم من البراهين الصحيحة على ان الله تعالى حكيم عليم بل على انه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين
ولعلماء الاسلام في هذا المقام أجوبة مختلفة على حسب قواعدهم وعقائدهم وفطنهم وقرائحهم وقد رأيت أن أقتصر ههنا على كلام الغزالي في المقصد الاسنى لوجهين أحدهما ليعرف الاشعري ان جمهور أصحابه على القول بحكمة الله تعالى ان لم يكن ذلك اجماع المسلمين وثانيهما لحسن عبارة الغزالي في الاستدلال وضرب الامثال فأقول (1/204)


قال في شرح الرحمن الرحيم من الاسماء الحسنى ما لفظه سؤال وجوابه لعلك تقول ما معنى كونه رحيما وأرحم الراحمين والدنيا طافحة بالامراض والمحن والبلايا وهو قادر على ازالة جميعها وتارك عباده ممتحنين فجوابك ان الطفل المريض قد ترثى له أمه فتمنعه من الحجامة والأب العاقل يحمله عليها قهرا والجاهل يظن ان الرحيم هو الام دون الاب والعاقل يعلم ان ايلام الاب بالحجامة من كمال رحمته وان الام عدوله في صورة صديق فان ألم الحجامة القليل إذا كان سببا للذة الكثيرة لم يكن شرا بل كان خيرا والرحيم يريد الخير بالمرحوم لا محالة وليس في الوجود شر إلا وفي ضمنه خير ولو رفع ذلك الشر لبطل الخير الذي في ضمنه وحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمن ذلك الخير
قلت وما أبين هذا المعنى في كتاب الله تعالى ولو لم يرد فيه إلا قوله سبحانه وتعالى : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون وقوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وقوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وقوله تعالى كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى وقوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقوله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذي جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقوله تعالى في تعليل أفعاله بالحكم في الآخرة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه افحاما لسائلي ذلك ومرة أجاب عليهم بقوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (1/205)


ولا خفاء أن قوله حق القول واضح في مواقفه الحكمة والا لما كان بان يحق أكمل في الثناء على الله تعالى من أن لا يحق فتأمل ذلك يوضحه قوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين الآية إلى سائر ما تقدم في هذا
قال الغزالي واليد المتأكلة قطعها في الظاهر وفي ضمنه الخير الجزيل وهو سلامة البدن ولو ترك قطعها لحصل هلاك البدن ولكن قطعها لسلامة البدن شر وفي ضمنه الخير لكن المراد الأول السابق إلى نظر القاطع هو السلامة التي هي خير محض وهي مطلوبة لذاتها ابتداء والقطع مطلوب لغيره ثانيا لا لذاته فهما داخلان تحت الارادة لكن أحدهما يراد لذاته والآخر يراد لغيره فالمراد لذاته قبل المراد لغيره ولاجل ذلك قال الله تعالى سبقت رحمتي غضبي فغضبه ارادته الشر والشر بارادته ورحمته ارادته الخير والخير بارادته ولكن اراد الخير للخير نفسه وأراد الشر لا لذاته فالخير مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض وكل بقدر وليس ذلك مما ينافي الرحمة أصلا والآن ان خطر لك نوع من الشر لا ترى فيه خيرا أو خطر لك انه كان يمكن حصول ذلك الخير لا في ضمن ذلك الشر فاتهم عقلك القاصر في كلا الطرفين
أما قولك ان بعض الشر لا خير تحته فان هذا مما تقصر العقول عن معرفته مثل أم الصبي التي ترى الحجامة شرا محضا ومثل الغبي الذي يرى القتل قصاصا شرا محضا لانه ينظر إلى خصوص شخص المقتول وأن القتل في حقه شر محض ويذهل عن الخير العام الحاصل للناس كافة ولا يدري ان التوصل بالشر الخاص إلى الخير العام خير محض لا ينبغي لحكيم ان يهمله فاتهم خاطرك
وأما الثاني وهو قولك انه كان يمكن تحصيل ذلك الخير لا في ضمن ذلك الشر فان هذا أيضا دقيق فليس كل محال وممكن مما يدرك استحالته وامكانه بالبديهية ولا بالنظر القريب بل يعرف ذلك بنظر غامض دقيق يقصر عنه الاكثرون فاتهم عقلك في هذين الطرفين ولا تشكن أصلا في (1/206)


انه تعالى أرحم الراحمين وانه تعالى سبقت رحمته غضبه ولا تستريبن في أن مريد الشر للشر أي لكونه شرا فقط لا للخير غير مستحق اسم الرحمة وتحت هذا سر منع الشرع من افشائه فلا تطمع في الافشاء ولقد نبهت بالايماء والرمز ان كنت من أهله فتأمل ارشدك الله
لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي انتهى كلامه
وللشيخ مختار قريب منه في كتاب المجتبى لكن بغير عبارته بل للامام القاسم بن ابراهيم عليه السلام نحو هذا المعنى في الجواب على الملحد المعروف بابن المقفع فهذا معنى حسن شهد له القرآن والحكمة وفي الحديث النص أن كل ما قضاه الله تعالى للمؤمن فهو خير له مما يحب أو يكره رواه أحمد ومسلم بنحوه واعتقاده هذا من حسن الظن بالله تعالى وفي الحديث ان حسن الظن بالله تعالى هو من حسن العبادة وفي الصحيح يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وذلك يناسب قوله تعالى واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم وهي المحكم هنا وما فيه المدح من غير ذم بالاجماع
وأما السر الذي ذكر أن الشرع منع من افشائه فلعله أراد سعة الرجاء لرحمة الله تعالى كما جاء عن علي عليه السلام لولا أخاف ان تتكلوا عن العمل لاخبرتكم بما لكم من الاجر في قتلهم يعني الجوارح وفي حديث معاذ لاتخبرهم دعهم يعملوا وقد تبين ان رسول الله بين ذلك مرارا ولم يكتمه دائما وكثير منه في كتاب الله تعالى واستقر الاجماع بعد على تدوينه في كتب الاسلام
ثم ان ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية قد صنفا في هذا مصنفات ممتعة وللذهبي معارضة لهم ولي توسط بينهم والله تعالى يمدنا بهدايته وتوفيقه ولي أيضا تكملة على كلام الغزالي هذا ومناقشة لطيفة تتعلق بآخره (1/207)

40 / 83
ع
En
A+
A-