المشتق لله تعالى من ذلك ما يدل على حكمته بل هنا سر لطيف أنفس من ذلك وهو أن كل ضر وشر في الدنيا والآخرة فانما هو بذنوب العباد وما تستوجبه وتستدعيه من العقوبات
أما شرور الدنيا فلقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير وفي قراءة بما كسبت أيديكم وقوله تعالى وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفورا وفي آية إذا هم يقنطون وفي قوله ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون مع ما في الحديث من ذلك
وأما عذاب الآخرة فلقوله تعالى وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون وقوله ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون فسماه كسبا لهم وعملا ومنه قول أيوب عليه السلام أني مسني الشيطان بنصب وعذاب لما كان عقوبة ذنبه ومنه قوله تعالى فأخرجهما مما كانا فيه فنسب الاخراج إلى الشيطان لذلك
ومن أجل ذلك صح أن يقال أن العذاب ظلم وضر من العباد لأنفسهم كما قال تعالى وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وأما من الله تعالى فانما هو منه عدل وحكمة أما العدل فلوقوعه جزاء وفاقا بعد التمكن والانذار وقطع الاعذار والاشهاد والكتابة والوزن بموازين الحق وأمثال ذلك وأما الحكمة فللنص على حاجة المتشابه إلى التأويل
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام بيان أن التأويل بيان وجوه خفية تناسب عقول العقلاء وسيأتي هذا المعنى مبسوطا واضحا في مسألة (1/173)
الحكمة من هذا المختصر إن شاء الله تعالى وسيأتي في مسألة الافعال بيان أن المعاصي من العباد وما ورد في ذلك من نصوص القرآن والسنة الجمة التي لا نزاع فيها ولا معارض لها ومجموع ذلك يقتضي نسبتها ونسبة جميع ما يترتب عليها ويتفرع عنها من شرور الدارين إلى العباد المستحقين للذم والعذاب عليها بالنصوص والاجماع
وأما تقدير الله تعالى لوقوعها باختيار العباد لحكمة فهو مثل سبق علمه بذلك لا يوجب لله تعالى إلا وصف القدرة والعزة كما يأتي أيضا مبسوطا في موضعه من هذا المختصر إن شاء الله تعالى
فان قيل فكيف جاز اطلاق الضار عليه سبحانه فالجواب من وجهين أحدهما أن اسم الضار لم يرد في القرآن ولا في حديث متفق على صحته فمن لم يتحقق الاذن فيه ولم يصح له كالبخاري ومسلم ومن شرط في الصحة شرطهما لم يجب عليه ادخاله في الاسماء الحسنى وقد بسطت القول فيه في العواصم في آخر مسألة العباد وذكرت فوائد تستحق الرحلة اليها إلى أبعد مكان فلتطلب من مكانها وثانيهما على تقدير صحة أن اسم الضار لا يجوز افراده عن النافع فحين لم يجز افراده لم يكن مفردا من أسماء الله تعالى وإذا وجب ضمه إلى النافع كانا معا كالاسم الواحد المركب من كلمتين مثل عبد الله وبعلبك فلو نطقت بالضار وحده لم يكن اسما لذلك المسمى به ومتى كان الاسم هو الضار النافع معا كان في معنى مالك الضر والنفع وذلك في معنى مالك الأمر كله ومالك الملك وهذا المعنى من الأسماء الحسنى وهو في معنى قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذلك من تشاء بيدك الخير الآية وهو في معنى القدير على كل شيء
وميزان الاسماء الحسنى يدور على المدح بالملك والاستقلال وما يعود إلى هذا المعنى وعلى المدح بالحمد والثناء وما يعود إلى ذلك وكل اسم دل هذين الأمرين فهو صالح دخوله فيها والضار النافع يرجع إلى ذلك مع على الجمع وعدم الفرق ومع القصد فيلزم من أطلقه قصد ذلك مع الجمع (1/174)
وقد ذكر غير واحد من العلماء أنه لا يجوز افراد الضار ولم يلخصوا هذا التلخيص وقد وفق الله له من كره الشذوذ عن الجمهور في قبوله وإن لم يكن من الاسماء القرآنية ولا مما صح سنده والله المستعان والهادي لا إله إلا هو
فائدة هل يجوز تسمية محامد الرب تعالى وأسمائه الحسنى صفات له سبحانه وتعالى قال الله تعالى ولله المثل الأعلى وذكر أهل التفسير واللغة أنه الوصف الا على وكذلك جاء في كلام علي عليه السلام أنه قال فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته ذكره السيد أبو طالب في الأمالي باسناده والسيد الرضي في النهج كلاهما في جوابه عليه السلام على الذي قال له صف لنا ربنا وهذا لا يعارض قوله عز و جل سبحانه وتعالى عما يصفون لأنه لم ينزه ذاته عن الوصف مطلقا حتى يعم الوصف الحسن وإنما ينزه عن وصفهم له بالباطل القبيح
ومما يحتاج إلى ذكر الشاهد في هذه الاسماء المختلف في صحة سندها اسم الصبور لأنه ليس في كتاب الله تعالى وقد خرج البخاري ومسلم في حديث أبي موسى عن رسول الله أنه قال لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز و جل إنه ليشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم ذكره ابن الأثير في آخر كتاب الصبر من حرف الصاد من جامعه ويشهد لذلك ما ورد في القرآن الكريم من نسبة الغضب فعلا لا اسما إلى الله تعالى وكل ذلك مع القطع بانتفاء نقائص المخلوقين اللازمة لهذه الامور عن جلال الله عز و جل باجماع المسلمين في المعنى وإن اختلفت عباراتهم
والذي في كتاب الله تعالى اسم الحليم وهما في المعنى متقاربان قال ابن الأثير في النهاية هو الذي لا يعاجل العصاة ومعناه قريب من معنى الحليم والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة كما يأمنها في صفة الحليم كذا قال وفيه نظر فانه لا أمان لمذنب من العقوبة بالاجماع من الوعيدية وأهل الرجاء واهل الارجاء لجهل الخواتم والنصوص كقوله تعالى إن عذاب ربهم غير مأمون وفي آية إن عذاب ربك كان محذورا (1/175)
ولقوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وغير ذلك والله أعلم ولذلك قالت المرجئة ببقاء الخوف في حال التكليف
وأما المنان فقال ابن الاثير في النهاية وغيره أنه المنعم من المن وهو الاحسان الذي لا يطلب عليه جزاء لا من المنة وهو من تفسير اللفظ المشترك بأحسن معانيه لما قدمته وإن كانت المنة حسنة من الله تعالى كما قال بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان ولكن الاسماء الحسنى جمع الاحسن لا جمع الحسن كما تقدم فتأمل ذلك يفتح لك باب الفقه في أسماء الله سبحانه وتعالى (1/176)
فصل
في التعريف بالقصور عن الاحاطة بحقيقة معرفة الله تعالى ومعرفة أسمائه ونعوته الجليلة من جميع الوجوه على مقتضى ما أرشدنا اليه ربنا سبحانه وتعالى في قوله عز و جل ولا يحيطون به علما وكما اشتهر عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام حتى روته الخصوم عنه وكفى به أسوة وسلفا صالحا في ذلك كيف ولا يعرف له مخالف من أهل عصره ومن بعدهم بل اعترف العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي أنه قول لم تزل فضلاء العقلاء مائلين اليه وقد اخترت ايراد كلام الغزالي في المقصد الأسنى في شرح اسماء الله الحسنى لحسن عبارته ووضوح أمثاله في ذلك فأقول
قال الغزالي في الفصل الرابع من مقدمات المقصد الأسنى وقد حث على الترقي في المراتب الشريفة الكمالية من العلم والرحمة ونحو ذلك مما فيه تخلق ببعض أسماء الله عز و جل
فان قلت ظاهر هذا الكلام يشير إلى مشابهة بين العبد وبين الله تعالى والله تعالى ليس كمثله شيء
فأقول مهما عرفت معنى المماثلة المنفية عن الله تعالى عرفت أنه لا مثل له وينبغي أن لا تظن أن المشاركة بأي لفظ توجب المماثلة ألا ترى أن الضدين بينهما غاية البعد الذي لا يتصور أن يكون فوقه بعد وهما متشاركان في أوصاف كثيرة فالسواد يشارك البياض في كونه عرضا وفي كونه مدركا وفي كونه لونا في كونه موجودا ومرئيا ومعلوما وفي أمور أخر إلى قوله (1/177)