وفي حديث آخر ان الله المسعر رواه الخمسة إلا النسائي وصحيحه الترمذي من حديث أنس ذكره صاحب المنتقي في التسعين
وفي البخاري ومسلم منها الوتر المقدم المؤخر وفي مسلم منها الرفيق وصحح ابن ماجه منها السيد السبوح الجميل المحسان المسعر القابض الباسط الشافي المعطي الدهر قال ابن ماجه بعد سردها ثم قال زهير وبلغنا عن غير واحد من أهل العلم أن راويها يفتتح بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا اله الا الله له الاسماء الحسنى وأكثر هذه أو كثير منها صحيح المعنى بالاجماع فلا بأس بالحاق المجمع عليه منها بما في القرآن لما تقدم في حديث ابن مسعود من قوله أو علمته أحدا من خلقك
وأما المشتقات من الافعال الربانية الحميدة فلا تحصى وقد جمع بعضهم منها ألف اسم مثل كاتب الرحمة على نفسه المحمود العادل المعبود المحكم المنعم متم النعمة المطعم المقدر القاضي المدبر الحق الشافي الباري الماحي المثبت المؤيد الكافي القاسم العاصم القاصم الدافع المدافع المملي الآخذ المجير المزكي الموفق المصرف الممكن مقلب الليل والنهار الصانع الواقي المتكلم المريد المرجو المخوف المخشى المرهوب السابق الديان المستجار المستعاذ المعاذ الملجأ المنجا المنجي ولو ذكر منها ما كان من خواص الربوبية كان حميدا وذلك مثل المحيي المميت خاصة ما جاء في القرآن صلة للذي ونحوه كقول الخليل عليه السلام والذي يميتني ثم يحيين لأن الموصول وصلته في حكم الواحد والله أعلم
وأما أنواع الثناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن فلا تحصى مثل قديم الاحسان دائم المعروف المستغاث المأمول وأمثال ذلك مما لا منع لما أجمع عليه منه والظاهر جواز هذين النوعين لأنهما من الاخبار الصادقة والله أعلم وذلك فيما كان مجمعا عليه على أنه حسن لا قبح فيه وثناء جميل لا ذم فيه ولا تمثيل ولا تشبيه والا فالاقتصار على المنصوصات عند الاختلاف لازم وهو موضوع الكتاب (1/163)
واما الممادح السلبية في كتاب الله تعالى فاعتقادها لازم وان لم تكن أسماء في عرف أهل العربية لكنها نعوت حق واجبة بنص القرآن لله تعالى وذلك مثل قوله تعالى ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد وليس له سمي فانه معلوم من قوله تعالى هل تعلم له سميا وان العباد لا يحيطون به علما كما قال في سورة طه بل لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وإنما استثنى في معلوماته المخلوقة وإما في ذاته المقدسة العزيزة فاطلق النفي ولم يستثن أحدا ولا شيئا ولو كان يريد أن يختص أحدا بذلك لاستثناه كما استثنى من الاحاطة بعلمه عز و جل
ومن ذلك أنه لا تدركه الابصار وهو يدركه الابصار وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم وأنه وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وانه خلقهما في ستة أيام وما مسه من لغوب وإنه ليس بظلام للعبيد وإنه لا يكلف نفسا إلا وسعها وما في معناها ولا يريد بنا العسر وما جعل علينا في الدين من حرج وأنه لا يجوز عليه اللعب والعبث وخلو أفعاله عن الحكمة لقوله تعالى وما كنا لاعبين وقوله ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وأمثال هذه الآيات في حكمته في خلق الارضين والسموات وأنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد ولا يبدل القول لديه تبديلا قبيحا بخلاف التبديل الحسن لقوله تعالى وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ولآيات النسخ وانه لا يخلف الميعاد وأنه تعالى يجير ولا يجار عليه ويطعم ولا يطعم وأنه لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذل وان هذه الآيات دلت على ما أجمعت عليه الامة اجماعا ضروريا وعلم من الدين علما ضروريا انه تعالى منزه عن كل نقص وعيب مما يقع في أسماء المخلوقين سواء كان من أسماء الذم لهم كالظلم واللعب والجهل أو من أسماء النقص فيهم كالفقر والضعف والعجز وسائر ما يجوز على الانبياء الاولياء وأهل الصلاح (1/164)
وأما أسماء المدح التي تطلق على العباد على وجوه تستلزم النقص وتطلق على الله تعالى على وجوه تستلزم الكمال وهي صفات العلم والقدرة والرحمة والحياة ونحو ذلك فانها تطلق على الله تعالى على جهة الكمال كما اطلقها مجردة عن نقائص المخلوقين التي تعرض فيها بأسباب تخصهم دونه تعالى فهذا هو اعتقادنا واعتقاد أهل الحق والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والحمد لله رب العالمين (1/165)
فصل في معانيها
اعلم أنه قد تكلم على معانيها جماعة من أهل العلم والتفسير وأكثرها واضح والعصمة فيها عدم التشبيه واعتقاد أن المراد بها أكمل معانيها الكمال الذي لا يحيط بحقيقته إلا الله تعالى كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ولابد من الاشارة هنا إلى أمر جملي وهو أصل عظيم وبيان نفع معرفته في تفسير اسمين مما ورد منها اسم من صحيحها واسم من المختلف في صحته منها
أما الاصل العظيم فهو تفسير الحسنى جملة وذلك أنها جمع الاحسن لا جمع الحسن وتحت هذا سر نفيس وذلك أن الحسن من صفات الالفاظ ومن صفات المعاني فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن فالمراد الاحسن منهما حتى يصح جمعه على حسنى ولا يفسر بالحسن منهما إلا الاحسن لهذا الوجه
مثال الاول وهو اللفظ الذي له معنيان اسم النور وقد ثبت في سورة النور الله نور السموات والارض وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في دعاء رسول الله في قيام الليل ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن وهذا الاسم الشريف له معنيان معلومان لا خلاف فيهما وهما نور الابصار ونور البصائر ولا خلاف بين العقلاء أجمعين دع عنك المسلمين ان نور البصائر هو أشرفهما وأكرمهما وخيرهما وأحسنهما وذلك معلوم من ضرورة العقل والدين ولذلك قال الله تعالى في بيان تعظيمه وتشريفه وتكريمه فإنها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور أي لا تعمي الابصار العمي الضار الضر المذموم المستعاذ منه المهلك لمن وقع فيه وإنما تعمي هذا العمي العظيم المضرة القلوب التي هي محل نور البصائر (1/166)
فاذا عرفت هذا فاعلم أن القرآن الكريم قد دل على تفسير هذا الاسم الشريف في حق الله تعالى بذلك أوضح دلالة وذلك في قوله تعالى بعد قوله الله نور السموات والارض يهدي الله لنوره من يشاء فدل على أنه نور الهدى لأن نور الابصار مبذول مشترك بين الكفار والمسلمين بل بين جميع الحيوانات الانسانية والبهيمية وكذلك ثبت في الحديث هذا المعنى فخرج الحاكم في المستدرك في تفسير سورة النور من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى مثل نوره كمشكوة يقول مثل نور من آمن بالله كمشكاة وقال صحيح الاسناد
قلت الوجه فيه أنه معلوم أن الله لم يرد تشبيه النور بالمشكاة نفسها وان هنا محذوفا فاما ان يكون المحذوف نور المشكاة حتى يشبه النور بالنور أو يكون المحذوف محل النور الذي يصح تشبيهه بالمشكاة نفسها حتى يشبه محل النور الذي هو المؤمن أو قلبه بالمشكاة نفسها التي هي محل تلك الأنوار الموصوفة في الآية
وقد كنت أتوقف في أي التقديرين أولى حتى وقفت على كلام ابن عباس رضي الله عنه فاتبعته لأنه منصوص على تقديمه في القرآن وتعليمه التأويل بالدعوة النبوية ثم جاء من طريقه عن رسول الله تحريم تفسير القرآن بالرأي ثم ظهر لي بالنظر صحته وتبين أنه لا يمكن سواه وذلك أنا لو جعلنا المحذوف نور المشكاة لكان المشبه بنورها هو نور الله الكلي الاعظم وهو أجل من أن يشبه بنور المشكاة ويدل على ذلك أن الله تعالى شبه ذلك النور الذي شرفه باضافته اليه بالمشكاة المترادفة الانوار وهذا التشبيه لا يليق إلا متى كان المشبه قلب المؤمن لأن النور الذي فيه من مواهب الله تعالى هو نصيب الواحد من المؤمنين المخصوص به ولذلك جاز تشبيهه يوضحه أنه لا يجوز تشبيه الله ولا تشبيه شيء من صفاته بشيء من مخلوقاته
وأما أن هذا النور هو نور البصائر لا نور الابصار فبدل عليه في هذه الآيات أمران أحدهما قوله تعالى في هذه الآية يهدي الله لنوره (1/167)