بما عمله من الخير وقد صح أن المؤمن من سرته حسنته وساءته سيئته والفرح بالخير والطاعة من ضروريات الطباع والعقول
ومنه تفسير والفتنة أشد من القتل سببها وهو فتنة من أسلم حتى يعود إلى الشرك ولولا ذلك وقع الغلط الفاحش في مواضع كثيرة ومنه تخصيص العمومات مثل تحريم الصلاة على الحائض وسائر ما في السنن من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج وشروط قطع السارق ونحو ذلك واستيعابه في التفاسير غير معتاد
ومنه تقديم ذوي السهام على العصبات ومنع الكافر من ميراث المسلم وعكسه واسقاط الأقرب للأبعد من العصبات والاقوى للأضعف
ومنه الجمع بين آيتي الكلالة فان الاولى في الاخوة من الام والاخرى فيمن عداهم وأمثال ذلك مما لا غنى عنه ولابد ولا خلاف فيه
ومنه الزيادة في البيان كصلاة الخوف والبغوي مكثر من هذا وهو أمر مجمع عليه ودليل على المبتدعة حيث يمنعون من بيان السنة للقرآن
ومنه ما يتقوى بالشواهد ومفهومات من القرآن كحديث أبي سعيد في تخفيف طول يوم القيامة على المؤمن كما تقدم الان من رواية البغوي وقد أخرجه أحمد وأبو يعلى بسند البغوي المقدم وحسنه الهيثمي لشواهده وذكر مثله عن أبي هريرة وابن عمر وبسندين جيدين وعن ابن عمرو أيضا باسناد فيه رجل لم يعرف وقد تقدمت شواهده من القرآن
النوع الرابع الآثار الصحابية الموقوفة عليهم وأجودها ما لا تمكن معرفته بالرأي سواء رجعنا بالرأي إلى العقل أو إلى الاستنباط من اللغة وقد كانت عادتهم الاشعار بالرأي في ذلك وأمثاله كما ذكره أبو بكر رضي الله عنه حين فسر الكلالة برأيه ذكره البغوي وغيره
وقد ذكر السيد أبو طالب عليه السلام في المجزى ان عادتهم الاشعار بالرأي فاذا جزموا بالتحريم ونحوه كان دليلا على رفعه وكذلك ذهب كثير من المفسرين إلى مثل ذلك في تفاسيرهم المجزومة لا سيما من ثبت عنه تحريم (1/153)
التفسير بالرأي كابن عباس رضي الله عنه ولذلك اشتملت على هذا النوع من تفاسيرهم تفاسير أهل السنة لكن يحتاج إلى معرفة الاسناد اليهم فيما لم يكن مصححا عنهم في دواوين الاسلام الصحيحة المشهورة ومن مظان ذلك المستدرك للحاكم ففيه من ذلك الكثير الطيب وقد نقلته بحمد الله مع التفسير النبوي
النوع الخامس ما يتعلق باللغة والعربية على جهة الحقيقة فأما المتعلقات اللغوية فهي جلية وقد صنف فيها مصنفات مختصرة على جهة التقريب مثل كتاب العزيزي وليس فيه تنقيح كثير وأوضح منه وأخصر كتاب أبي حيان في ذلك لكنه ربما أهمل بعض ما يحتاج اليه والمعتمد في ذلك كتب اللغة البسيطة دون ما يؤخذ من كثير من المفسرين كما ذكره أبو حيان في أول كتابه ونبه عليه
وأما العربية فقد جود أبو حيان في ذلك وجمع الذي في تفسيره فجاء كتابا جيدا مستقلا وهو المعروف بالمجيد في اعراب القرآن المجيد وقد اشتمل على ما في الكشاف مع زيادة أضعافه وينبغي التنبيه في هذا النوع لتقديم المعروف المشهور على الشاذ وتقديم الحقيقة الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية ومعرفة المشترك لما فيه من الاجمال وأخذ بيانه من غيره كتفسير عسعس بادبر لان عسعس مشترك بين اقبال الليل وادباره وقد قال الله تعالى والليل إذ أدبر وفي قراءة إذا أدبر فدل على ان أفضل الليل السحر كما دلت على هذا أشياء كثيرة فيفسر بذلك عسعس وان كان مشتركا ويتفطن هنا لامور
أحدها الحذر من تفسير المشترك بكلا معنييه كتفسير عسعس بأول الليل وآخره كما توهم مثل ذلك في الالفاظ العامة فانه لم يتحقق ورود اللغة بذلك ولذلك لم يقل أحد باعتبار ثلاث حيض وثلاثة أطهار جميعا في العدة لما كانت القروء مشتركة
وثانيها معرفة ما يظن انه حقيقة وهو مجاوز من مظانه كتاب أساس (1/154)
البلاغة للزمخشري فانه جود القول فيه بل لا أعلم أحدا بين ذلك كما بينه ولذلك قيل انه من روائع مصنفاته وبدائع مخترعاته فاذا عرفت حقيقة الكلمة ومجازها لم يفسر فيهما معا أيضا
وثالثها الفرق بين دلالة المطابقة والتضمن والالتزام فالمطابقة هي اللغوية دونهما وهي دلالة اللفظ على معناه الموضوع له كدلالة غسل أعضاء الوضوء عليها جملة وان دل اللفظ على جزء المعنى فهو التضمن كدلالة آية الوضوء على غسل العين لانها بعض الوجه وما تحت الاظفار والخاتم لانه بعض اليد وان دل اللفظ على لازم ما وضع له فدلالة الالتزام كدلالة آية الوضوء على وجوبه وهما عقليتان فيقدم عليهما ما عارضهما مما هو أرجح منهما من الدلائل اللفظية على حسب القوة ألا تراهم رجحوا دلائل رفع السر والحرج على دلالة غسل العين من الوجه وكذلك اختلفوا فيما تحت الاظفار والخاتم لذلك
النوع السادس المجازي وتعتبر فيه قرائن المجاز الثلاث الموجبات للعدول اليه ولا حرم القول به والعدول اليه الاولى العقلية التي يعرفها المخاطب والمخاطب كقوله واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أي أهملهما ومنه جناح الذل و جدارا يريد أن ينقض وهو كثير وليس هو من المتشابه بل تعرفه أجلاف العرب الثانية العرفية مثل يا هامان ابن لي صرحا أي مر من يبني لان مثله في العرف لا يبني الثالثة اللفظية نحو مثل نوره فانها دليل على أن الله غير النور يهدي الله لنوره من يشاء فانها دليل على أن المراد نور الهدى ويتيقظ هنا لما كان من جنس تأويل الباطنية فيرد وان صدر من غيرهم فقد كثر جدا
وأما الدعوى الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن وأما ما يدعيه أهل الكلام من الادلة التي لم يتفقوا على صحة دليل واحد منها فلا يجوز (1/155)
تقليدهم في ذلك لا عندهم ولا عند غيرهم بل يجب البحث التام أو الامساك عن التأويل حتى يقع الاجماع كما مر موضحا
ومن العقلي الجلي المجمع عليه تخصيص وأوتيت من كل شيء على ما يناسب ملوك البشر من المعتاد في الدنيا دون العالم العلوي وأمور الآخرة والملائكة والنبوة ونحو ذلك
النوع السابع ما لم يصح فيه شيء من جميع ما تقدم ويختلف فيه أهل التفسير وأهل العلم مثل تفسير الحروف التي في فواتح السور وتفسير الروح ونحو ذلك مما لم يصح دليل لنا على تفسيره ولا معنا ضرورة عملية تلجئ إلى وجوب البحث عنه وقد يرتكب فيه مخالفة الظواهر ويبتني على أسباب مختلف في صحتها فالحزم الوقف فيه لما تقدم من حديث ابن عباس في وعيد من فسر القرآن برأيه وعن جندب مثله رواه أبو داود والترمذي وأوضح منهما قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم
وهذا النوع السابع قسمان
قسم فيه مخاطرة كبيرة وخوف البدعة والعذاب وهو ما يتعلق بذات الله تعالى ونحوه من المتشابهات وقد تقدم القول فيه في هذا المختصر وقد بسطته في ترجيح أسباب القرآن على أساليب اليونان وقسم دونه مثل تعيين الشجرة التي أكل منها آدم واسمها وأسماء أهل الكهف وأسماء سائر المبهمات وتطويل القصص والحكايات فهذا لا بأس بنقله مع بيان انه لم يصح فيه شيء وعدم تعلق مفسدة به ولا دخول شبهة في تحليل أو تحريم والله سبحانه أعلم
وأما التأويلات التي يدعى الاجماع على وجوبها سواء كانت من اجماع الامة أو العترة فاعلم أن الاجماعات نوعان أحدهما تعلم صحته بالضرورة من الدين بحيث يكفر مخالفه فهذا اجماع صحيح ولكنه مستغنى عنه بالعلم الضروري من الدين وثانيهما ما نزل عن هذه المرتبة ولا يكون الا ظنا لانه ليس بعد التواتر الا الظن وليس بينهما في النقل مرتبة قطعية بالاجماع وهذا هو حجة من يمنع العلم بحصول الاجماعات بعد انتشار الاسلام كما (1/156)
نص عليه الامام المنصور بالله في مجموعه والامام يحيى بن حمزة في المعيار والرازي وغيرهم بسطته في غير هذا الموضع
وهذا آخر القول في القسم الاول من هذا المختصر وهو في ذكر المقدمات العامة الجميلة ولو أفرد لاستقل بنفسه كتابا مفيدا ويتلوه القسم الثاني وهو الكلام في المبهم من المسائل التفصيلية المختلف فيها بين أهل الاسلام وذكر طرف صالح مما فيها من المباحث السمعية القريبة التي لا خطر في النظر فيها ولا غنى لاهل المرتبة الوسطى عن معرفة مثلها لتقر عقائدهم إذ يستحيل من أهل هذه المرتبة أن يطمأنوا إلى التقليد المحض وإنما يطمئن اليه من لم يدر قط ما لتقليد ولا دري انه مقلد ومعظمها مهان
المهم الأول مقام معرفة كمال هذا الرب الكريم وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى وذلك من تمام التوحيد الذي لابد منه لان كمال الذات باسمائها الحسنى ونعوتها الشريفة ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم ولذلك عد مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها من أعظم مكائدهم للاسلام فانهم عكسوا المعلوم عقلا وسمعا فذموا الامر المحمود ومدحوا الامر المذموم القائم مقام النفي والجحد المحض وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة قال الله جل جلاله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه وقال سبحانه وتعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى فما كان منها منصوصا في كتاب الله وجب الايمان به على الجميع والانكار على من جحده أو زعم ان ظاهره اسم ذم لله سبحانه وما كان في الحديث وجب الايمان به على من عرف صحته وما نزل عن هذه المرتبة أو كان مختلفا في صحته لم يصح استعماله فان الله أجل من ان يسمى باسم لم يتحقق انه تسمى به
وعادة المتكلمين أن يقتصروا هنا على اليسير من الأسماء ولا ينبغي (1/157)