صفات النقص المتعلقة برحمة المخلوقين عنه تعالى كما أثبتنا له اسم الحي العليم الخبير المريد مع نفي نقائص المخلوقين في حياتهم المستمرة لجواز التألم بأنواع الآلام ثم للموت الذي لابد منه لجميع الاحياء من الانام وكذلك ينزه سبحانه عما في علمهم الناقص بدخول الكسب والنظر في مباديه والاستدلال والاضطرار في منتهاه الذي يستلزم الجسمية والبينة المخصوصة والحدوث ويعرض له التغير والنسيان والخطأ والشغل ببعض المعلومات عن بعض وكذلك تنزه ارادته عما في ارادتنا من استلزام الحاجة إلى جلب المنافع ودفع المضار ونحو ذلك وكذلك كل صفة يوصف بها الرب سبحانه ويوصف بها العبد وان الرب يوصف بها على أتم الوصف مجردة عن جميع النقائص والعبد يوصف بها محفوفة بالنقص وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه ولم يفسروه بنفي الصفات وتعطيلها كما صنعت الباطنية الملاحدة
ويدلك على قبح تأويل هذه الاسماء الشريفة في الفطر كلها إنك تجد المعتزلي يستقبح تأويل الاشعرية للحكيم غاية الاستقباح والاشعري يستقبح تأويل المعتزلة البغدادية للسميع البصير المريد غاية الاستقباح والسني يستقبح تأويل المعتزلة والاشعرية للرحمن الرحيم الحكيم غاية الاستقباح والكل يستقبحون تأويل القرامطة لجميع الاسماء الحسنى غاية الاستقباح ومتى نظرت بعين الانصاف وجدتهم في ذلك كما قيل
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وكذلك نجد كل واحد منهم يلزم المنكر عليه مثل ما ألزمه فان المعتزلة والاشعرية إذا كفروا الباطني بانكار الاسماء الحسنى والجنة والنار يقول لهم الباطني لم أجحدها إنما قلت هي مجاز مثل ما انكم لم تجحدوا الرحمن الرحيم الحكيم وإنما قلتم إنها مجاز وكيف كفاكم المجاز في الايمان بالرحمن الرحيم وهما أشهر الاسماء الحسنى أو من أشهرها ولم يكفني في سائرها وفي الجنة والنار مع أنهما دون أسماء الله بكثير وكم بين الايمان بالله وبأسمائه والايمان بمخلوقاته فاذا كفاكم الايمان المجازي بأشهر الاسماء الحسنى فكيف لم يكفني مثله في الايمان بالجنة والنار والمعاد يوضحه أن الاجماع منعقد على كفر من قال أن الله يأمر بالفسق والمعاصي حقيقة (1/128)


وقد قال الزمخشري بذلك مجازا في تفسيره أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ولم يكفر بذلك وكذلك قال بعض الاشعرية أن الله تعالى يحب المعاصي مجازا ولم يكفروه بذلك ولو قالوه حقيقة كفروا فدل على أن الايمان المجازي في موضع الحقائق كلا شيء فكما لم يضره من آمن بالامر بالقبائح مجازا فكذلك لا ينفع من آمن بالرحمن الرحيم الحكيم مجازا لأنهم بمنزلة الزمخشري في إيمانه بأمر الله بالفسق مجازا مع نفيه لذلك أشد النفي واعتقاده أنه كالعدم يوضحه أنه لا شك ولا خلاف في كفر من آمن بالنبوات مجازا ونفاها حقيقة فأسماء الله الحسنى المعلوم تمدحه بها في جميع كتبه أجل وأعظم من جنته وناره وأنبيائه فلا يكفي الايمان بشيء منها مجازا إلا أن يصح في ذلك اجماع قاطع وبرهان الله أقطع في بعض المواضع يؤمن معه من الوقوع في البدعة والفرقة المنهي عنهما بالنصوص والاجماع وكذلك يقول بعضهم لبعض فيما اختلفوا فيه كما يقول لهم الباطني
وكذلك محبة الله تعالى لأنبيائه وأوليائه التي هي أعظم فضل الله العظيم عليهم وأشرف ما يرجونه من مواهبه العظام وقد نص الله تعالى على ذلك في غير آية من كتابه الكريم كقوله تعالى يحبهم ويحبونه وقوله تعالى والله يحب الصابرين وكذلك كون الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وأكبر من ذلك أن الله تعالى اتخذ ابراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم خليلا بالنص القرآني واتخذ محمدا خليلا بالنص النبوي والحلة في اللغة العربية أرفع مراتب المحبة ولم تزل هذه النصوص مقررة مجللة معتقدة مع تنزيه الله تعالى من نقائصها مثل تنزيهه من نقائص علم المخلوقين وارادتهم في العليم المريد وغيرهما حتى فشت البدعة واجتمعت كلمة المعتزلة والأشعرية على تقبيح نسبة الرحمة والحلم والمحبة والخلة إلى الله تعالى إلا بتأويل موجب لنفي هذه الأشياء عن الله بغير قرينة وموجب تحريم اطلاقها إلا مع القرينة فيجوز عندهم أن تقول إن الله غير رحيم ولا رحمن ولا حليم ولا يحب المؤمنين ولا الصابرين ولا المتطهرين (1/129)


ولا اتخذ ابراهيم خليلا بغير قرينة ولا تأويل كما يجوز أن تقول في الجدار أنه ليس بمريد ولا يجوز ذلك الاثبات إلا بالتأويل والقرينة الدالة عليه
والمسلم بالفطرة ينكر هذه البدع وبالرسوخ في علم الحديث يعلم بالضرورة حدوثها وأن عصر النبوة والصحابة بريء منها مثل ما يعلم أن المعتزلة أبرياء من مذهب الأشعرية وأن الأشعرية أبرياء من مذهب المعتزلة وأن النحاة أبرياء من مذهب الشعوبية وأمثال ذلك فيجب تقرير ذلك وأمثاله مما وصف الله تعالى به ذاته الكريمة على جهة التمدح والحمد والثناء وسيأتي الجواب عن سبب تخلف الرحمة لكثير من أهل البلاء كما يتخلف العطاء عن كثير من الفقراء ولا يقدح ذلك في مدح الله بالجود والكرم حقيقة باجماع المسلمين لمعارضة الحكمة في الموضعين سواء وقد جود الغزالي القول في هذا المعنى في المقصد الامنى فلا حاجة إلى التطويل بنقل كلامه وموضعه معروف
والدليل على أنه لا يجوز القول بأن ظاهر هذه الاسماء كفر وضلال وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك أو فهموا ولم يقوموا بالواجب عليهم من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق لهم أمران الأول قاطع ضروري وهو أن العادة توجب في كل ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه من رسول الله ومن أصحابه يتواتر أعظم مما حذروا من الدجال الأعور الكذاب ولا يجوز عليهم مع كمال عقولهم وأديانهم أن يتركوا صبيانهم ونساءهم وعامتهم يسمعون ذلك منسوبا إلى الله وإلى كتابه ورسوله وظاهره الكفر وهم سكوت عليه مع بلادة الأكثرين ولو تركوا بيان ذلك ثقة بنظر العقول الدقيق لتركوا التحذير من فتنة الدجال فان بطلان ربوبيته أجلى في العقول من ذلك ألا ترى أن المتكلمين لما اعتقدوا قبح هذه الظواهر تواتر عنهم التحذير عنها والتأويل لها وصنفوا في ذلك وأيقظوا الغافلين وعلموا الجاهلين وكفروا المخالفين وأشاعوا ذلك بين المسلمين بل بين العالمين فكان أحق منهم بذلك سيد المرسلين وقدماء السابقين وأنصار الدين الثاني أنه قد ثبت في تحريم الزيادة في الدين أنه لا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج اليه من مهمات الدين (1/130)


وثبت أن الاسلام متبع لا مخترع ولذلك كفر من أنكر شيئا من أركانه لأنها معلومة ضرورة فأولى وأحرى أن لا يجيء الشرع بالباطل منطوقا متكررا من غير تنبيه على ذلك لا سيما إذا كان ذلك الذي سموه باطلا هو المعروف في جميع آيات كتاب الله وجميع كتب الله ولم يأت ما يناقضه في كتاب الله حتى ينبه على وجوب التأويل والجمع أو يوجب الوقف بل لم يأت التصريح بالحق المحض عند كثير منهم قط في آية واحدة تكون هي المحكمة ويرد اليها جميع المتشابه فان الله ذكر أنه نزل في كتاب آيات محكمات ترد اليها المتشابهات ولم يقل أن جميع كتابه متشابه فأين الآية المحكمة التي دلت على ما يقولون
وقد اعترف الرازي في كتابه الاربعين وهو من أكبر خصوم أهل الأثر أن جميع الكتب السماوية جاءت بذلك ولم ينص الله تعالى في آية واحدة على أنه منزه من الوصف بالرحمة والحلم والحكمة وأنه ليس برحيم ولا رحمن ولا حليم ولا حكيم ولا سميع ولا بصير وهذا خليل الله تعالى الذي مدح نبينا محمد بمتابعته يقول لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا إلى قوله إن الشيطان كان للرحمن عصيا فكيف يحسن تقرير الخلاف في ذلك كله بين المعظمين من علماء الاسلام من غير تحذير منه ولا زجر عنه وأمثال ذلك على ما ادعاه علماء الاثر وهو كذلك وإن لم يعترف به وهذه الكتب السماوية موجودة كلها
وهبك تقول هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء
فان قيل ورود المتشابه في القرآن معلوم مجمع عليه ولابد أن يكون ظاهر المتشابه باطلا وإلا لما وجب التأويل فما هذا التهويل
قلنا أما وروده فمعلوم لا ينكر وأما تفسيره بما يوجب أن يكون ظاهره باطلا فغير صحيح لقول الراسخين في العلم آمنا به كل من عند ربنا ولذم الله الذين في قلوبهم زيغ بابتغاء تأويله وقد تقدم هذا فلا نسلم قبح ظاهره بل هو محل النزاع بل نقول هو قسمان (1/131)


أحدهما لا ظاهر له ولا يفهم منه شيء فلا يضل به أحد وذلك مثل حروف التهجي في أوائل السور على الصحيح كما تقدم فحكمه الوقف في معناه وكذلك المشترك الذي تجرد عن القرائن في حق من لم يعرف قرينه مرجحة لاحد معانيه وما جري هذا المجرى وقد تقدم الوجه في جواز ورود السمع بمثل هذا ولا يجوز القطع على خلوه عن الحكمة لجواز فهم البعض له ولو رسول الله وحده أو لجواز أن تكون الحكمة فيه غير فهم معناه ولعدم الدليل القاطع على أنا مخاطبون بهذا الجنس
النوع الثاني من المتشابه ما كان له ظاهر يسبق إلى افهام أهل اللغة ولكن خفيت الحكمة فيه على العقول مثل عدم العفو عن المشركين في الآخرة وعمن شاء الله من المذنبين مع أن العفو أرجح وأحب إلى الله تعالى في جميع كتبه وشرائعه وأحكامه وأوامره فهذا نؤمن بظاهره ولا نقول أن ظاهره باطل بل نقول أن الحكمة فيه خفية ولو أنا علمناها لعرفنا حسنه بل نقطع أنا أجهل من أن نعلم جميع حكم الله في جميع أحكامه ولو علمنا الله تعالى نصف ما يعلمه لجاز أن تكون الحكمة في هذا النصف الذي لم يعلمناه كيف وقد صح أن جميع علم الخلائق في علم الله مثل ما يأخذه الطائر بمنقاره من البحر الأعظم
وأما المجاز المعلوم أنه مجاز مثل واخفض لهما جناح الذل من الرحمة فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فليس من المتشابه فان هذا يعرف معناه جميع أجلاف العرب ولا يصح دخول اللبس والاختلاف في معناه ولذلك لم يقل بنفي عمى الابصار لأن معنى الآية نفي عمي القلوب عن الابصار وأن عمي القلوب هو الحقيقي العظيم المضرة والابصار لا تعمى عنه إنما تعمى القلوب وكذلك الأمر بخفض جناح الذل معلوم أن المراد به الخضوع للوالدين واللطف بهما ونحو ذلك وكذلك كلما وضحت فيه احدى القرائن المجازية الثلاث (1/132)

25 / 83
ع
En
A+
A-