كيف لغيره وذلك قوله إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق قال يا نوح إنه ليس من أهلك
وأما المحكم فهو ما عدا المتشابه وغالبه النص الجلي والظاهر الذي لم يعارض والمفهوم الصحيح الذي لم يعارض والخاص والمقيد وإن عارضهما العالم والمطلق ويلحق بهذا فوائد الاولى الصحيح في قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله الوقف على الله بدليل ذم مبتغى تأويل المتشابه في الآية وهو اختيار الامام يحيى في الحاوي واحتج بأن أما للتفصيل على بابها والتقدير وأما الراسخون بدليل قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ كما تقول أما زيد فعالم وعمرو جاهل أي وأما عمرو فجاهل يوضحه أن المخالف مسلم ان هذا هو الظاهر منها لكنه يقول أنه يجب تأويلها على أن المراد ذمهم بابتغاء تأويله الباطل فيقيد اطلاق الآية بغير حجة ويجعلها من المتشابه مع أنها الفارقة بين المحكم والمتشابه وهذا خلف
وقد روى الحاكم عن ابن عباس أنه قرأ ويقول الراسخون وقال صحيح ورواه الزمحشري في كشافه قراءة عن أبي وغيره ورواه الامام أبو طالب في أماليه عن علي علي السلام ولم يتأوله ولم يطعن فيه وهو في النهج أيضا وهو نص لا يمكن تأويله فان لفظه عليه السلام أعلم أيها السائل أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه رسوخا فاقتصر على ذلك اه بحروفه وأيضا فلا يجب علم جميع المكلفين بذلك عند الخصوم إذ في المتكلفين الامي والعجمي ونحوهم وإذا كان علم البعض يكفي ويخرج الخطاب بذلك عن العبث جاز أن يكون ذلك البعض هو رسول الله ومن شاء الله من ملائكته وخواص عباده والله سبحانه أعلم (1/98)


الفائدة الثانية إذا تعارض العام والخاص فالمحكم هو الخاص والبناء عليه واجب وفيه الجمع بينهما وفي العكس طرح الخاص مع رجحانه بالنصوصية وهي قاعدة كبيرة فاحفظها ولا خلاف فيها في الاعتقاد لعدم الفائدة في التاريخ فيه ولذلك أجمعوا على اثبات الخلة للمتقين وتأويل نفي الخلة المطلق فتأمل ذلك
الفائدة الثالثة إذا كان التحسين العقلي مع بعض السمع فهو المحكم والمتشابه مخالفه لما وضح من تأويل الخضر بموافقة العقل وفي مخالفة هذه القاعدة عناد بين وضلال كبير فاعرفها واعتبر مواضعها ترشد إن شاء الله تعالى (1/99)


فصل
إذا عرفت ما قدمت لك بما عرفته في هذا المختصر أو به ربما أرشدك إلى مطالعته مما هو أبسط منه في هذا المعنى مثل ترجيح أساليب القرآن وتكملته فاعلم أن معظم ابتداع المبتدعين من أهل الاسلام راجع إلى هذين الامرين الباطلين الواضح بطلانهما كما تقدم وهما لزيادة في الدين والنقص منه ثم يلحق بهما التصرف فيه بالعبارات المبتدعة بعد رسول الله وليس بأمر ثالث لأنه من الزيادة في الدين لكنه تفرد بالكلام وحده لطول القول فيه وعظم المفسدة المتولدة عنه
فمن الزيادة في الدين أن يرفع المظنون في العقليات أو الشرعيات إلى مرتبة المعلوم وهذا حرام بالاجماع وإنما يختلف الناس في التفطن لأسبابه وسيأتي ذكر أسبابه في آخر الكلام في الزيادة في الدين مقسوما موضحا في صور أربع يأتي بيانها بعون الله تعالى
ومن الزيادة في الدين أن يدخل فيه ما لم يكن على عهد رسول الله وعهد أصحابه رضي الله عنهم مثل القول بأنه لا موجود إلا الله كما هو قول الاتحادية وأنه لا فاعل ولا قادر إلا الله كما هو قول الجبرية وأمثال ذلك من الغلو في الدين وإنما وردت الشرائع بتوحيد الله في الربوبية وذلك بلا إله إلا الله له الاسماء الحسنى وتوابع ذلك المنصوصة والمجمع عليها كتوحيده بالعبادة ومن ذلك القول بأن الله تعالى صفة لم ترد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا هي من أسمائه الحسنى ولا من مفهوماتها ولوازمها وان معرفة هذه الصفة واجبة واختراع اسم لها وهي الصفة الاخص عند بعض المعتزلة ويسمونها صفة المخالفة أيضا وانها المؤثرة في سائر صفات الكمال الذاتية الاربع وهي كونه حيا قديما عالما قادرا (1/100)


وبها تخالف ذات الله سائر الذوات وقد كفى في رد ذلك أبو الحسين وأصحابه كما ذكره مختار في الباب السادس من خاتمة أبواب العدل من كتابه المجتبى
ومن ذلك اثبات أهل الاتحاد لمثل ذلك أو نحوه فانهم يفرقون بين الله تعالى وبين اسمه الاحد فيجعلون الأحد مؤثرا في الله الواحد وفي سائر أسمائه ويجعلون الأحد سابقا في رتبة الوجود على الله ويجعلون الله في الرتبة الثانية والاحد في الأولى ويسمون الثانية هم والفلاسفة باسماء مبتدعة منها الحضرة العمائية والواحدية والأحدية ومنها حضرة الارتسام ومنها مرتبة الربوبية والألوهية ومنها الحقيقة الانسانية الكمالية ومنها مرتبة الامكان كما حققه الفرغاني في شرح نظم السلوك وكثيرا ما يكررون الفرق بين الحضرة الأحدية والحضرة الواحدية ويعنون بالأحدية الوجود المطلق وهو عندهم الحق الذي لا نعت له ولا وصف كقول الملاحدة سواء في نفي أسمائه تعالى لكنهم يثبتون الاسماء الحسنى للواحد لا للأحد وهذا يلزمهم قول الثنوية لكنهم يعتذرون عنه بأن الله وأسماءه الحسنى كلها خيالية لا حقيقة لها ولا لشيء بعدها ولا وجود لها فكل ما عدا الوجود المطلق عندهم خيال كطيف الخيال في الأحلام من الأنبياء والجنة والنار ومن صح هذا منه فهو كفر بين وجهل فاحش فانه لا ثبوت للوجود المطلق في الخارج ألبتة وإنما المعلوم وجوده عقلا وشرعا هو ما نفوا وجوده من الله الواحد الرب الذي له الاسماء الحسنى والمثل الأعلى وما نفوه من حقيقة وجود جميع كتبه ورسله وخلقه ومعاده فالله المستعان
ومن ذلك ما انفردت به الأشعرية من دوام وصف الله تعالى بالكلام ووجود ذلك في القدم والأبد وجعله مثل صفة العلم لا يجوز خلوه عنه طرفة عين وقد أوضح الجويني القدح في ذلك في مقدمة كتابه البرهان في أصول الفقه كما سيأتي تحقيقه فالشرع لم يرد إلا بأن الله تعالى متكلم وأنه كلم موسى تكليما ونحو ذلك وما زاد على هذا فبدعة في الدين قد أدت إلى التفرق المنهي عنه وإلى الزامات قبيحة كما سيأتي
ومن ذلك ما اتفقت عليه الاتحادية وبعض المعتزلة بل جمهورهم وهو (1/101)


اثبات الذوات في القدم والأزل بل اثبات العالم كله فيهما ودعوى الفرق بين ثبوته في العدم ووجوده فيه فانهم يقولون هو ثابت غير موجود وقد جود الرد عليهم في ذلك صاحبهم الشيخ أبو الحسين وأصحابه مثل محمود ان الملاحمي في كتابه الفائق والشيخ مختار في كتابه المجتبى وكشفوا الغطاء عن بطلان ذلك وكفوا المؤنة ومن نظر في كلامهم في ذلك ما يلزم منه من الالزامات الصعبة الفاحشة تيقن مضرة الزيادة في الدين على ما جاء به سيد المرسلين
ومثال النقص من الدين قول من يقول ان الله تعالى ليس برحمن ولا رحيم ولا حليم باللام على الحقيقة بل على المجاز وقول من يقول أنه سبحانه ليس بحكيم على الحقيقة بل بمعنى محكم لمصنوعاته لا أن له في ذلك الاحكام حكمة أصلا والمقصود معرفة طريق النجاة بأمر واضح ولا يخفى على من له أدنى عقل وتمييز من المسلمين أن نجاة أهل الاسلام في اتباع الرسول ولزوم ما جاء به من غير تصرف فيه بزيادة ولا نقصان ولا ابتداع عبارة لم تكن وسواء كانت تلك الزيادة أو النقص حقا أو باطلا فان زيادة الحق المبتدع في الدين قد يجر إلى الفضول والباطل ويوقع في التفرق المحرم في كتاب الله تعالى بل قد صار ادخاله في الدين والمراء فيه بدعة من البدع المحرمة فالحزم في ترك هذه الأمور كلها وترك التعادي عليها وفي الوقف في حكم من زاد أو نقص وتأخير الفصل معه إلى يوم الفصل لأن غير ذلك يؤدي إلى التفرق المحرم بنص كتاب الله تعالى إلا من رد المعلوم بالضرورة من الدين وهو يعلمه ونحن نعلم أنه يعلمه فانه كافر حتى كان المكلفين ولا يجوز الوقف في أمره مع تواتر ذلك عنه وتحققه منه كما سيأتي في بابه وقد نزل قوله تعالى ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق
في رغبتهم إلى غير القرآن من محض الخير كيف بالرغبة فيما لا يؤمن شره كيف ما تحقق شره وفي نحو ذلك حديث معاذ الذي خرجه أبو داود في السنة (1/102)

19 / 83
ع
En
A+
A-