الثَّانِي عَشَر: عَدمُ انْضِبَاطِ الوَصْفِ كَالتَّعْلِيلِ بِالحُكْمِ وَالمَصَالحِ مِثْلُ المَشَقَّةِ فَإِنَّهَا ذَوَاتُ مَرَاتِبَ غَيْرِ مَحصُورَةٍ وَلاَ مُتَمَيِّزَةٍ وَتَخْتَلِفُ بِالأَحْوَالِ وَالأَشْخَاصِ وَالأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ فَلاَ يُمْكِنُ تَعْيِيْنُ القَدْرِ المَقْصُودِ مِنْهَا فِي جَوازِ الإِفطَارِ وَالقَصْرِ مَثلاً وَكَالزَّجْرِ فِي شَرْعِ الكَفَّارَاتِ وَالحُدودِ. وَجَوابُهُ بانضِبَاطِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَظِنَّتِهِ كَالسَّفَرِ.
الثَّالِثُ عَشَرَ: النَّقْضُ وَهُوَ عِبَارةٌ عَنْ ثُبُوتِ الوَصْفِ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدمِ الحُكْمِ فِيهَا. وَجَوَابُهُ بِمَنْعِ وُجُودِ الوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوْ بِمَنْعِ عَدَمِ الحُكْمِ فِيهَا وَذَلِكَ يَكوْنُ بِإِبْدَاءِ مَانِعٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اقْتَضَى نَقيضَ الحُكمِ كَمَا فِي العَرايَا إِذَا أُورِدَتْ فِي الرِّبَوِيَّاتِ لِعُمُومِ الحَاجَةِ إِلَى الرُّطَبِ وَقدْ لاَ يَكُونُ عِندَهُم ثَمَنٌ غَيْرُ التَّمْرِ فَالمَصْلَحَةُ فِي جَوَازِهَا أَرْجَحُ وَكَتَحْرِيْمِ أَكْلِ الميْتَةِ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا المُضْطَرُّ إِذْ مَفْسَدَةُ هَلاَكِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ المُسْتَقْذَرِ.
الرَّابِعُ عَشَرَ: الكَسْرُ وَحَاصِلُه وُجودُ الْحِكمَةِ المقصُودَةِ مِنْ الوَصْفِ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الحُكْمِ فِيهَا كَمَا لَوْ قِيْلَ أَنَّ التَّرخيصَ فِي الإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ لِحِكْمَةِ المُشَقَّةِ فَيُكْسَرُ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ فِي الحَضَرِ. وَجَوابُهُ بِمَنعِ وُجُودِ قَدْرِ الحِكْمَةِ لِعُسْرِ ضَبْطِ المَشَقَّةِ وَحِيْنَئِذٍ فَالْكَسرُ كَالنَّقْضِ فِي أَنَّ جَوابَهُ بِمَنْعِ وُجُودِ الحِكْمَةِ أَوْ مَنْعِ عَدَمِ الحُكْمِ أَوْ لِشَرْعِيَّةِ حِكْمَةٍ أَرْجَحَ كَعَدَمِ قَطْعِ يَدِ القَّاتِلِ لِثُبُوتِ القَتْلِ.(1/16)
الخَامِسُ عَشَر: المعَارَضَةُ فِي الأَصْلِ كَمَا إِذَا عَلَّلَ المُستَدِلُّ حُرْمَةَ الرِّبَى بِالطَّعْمِ فَيُعَارِضُهُ المُعْتَرضُ بِالكَيْلِ فَيَقُولُ المُستَدِلُّ لاَ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَكِيْلٌ لأَن العِبْرَةَ بِعَادَةِ زَمَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وَسَلَمَ وَلَم يَكُنْ مَكَيلاً يَومَئِذٍ أَو يَقُولُ وَلِمَ قُلتَ أَنَّ الكَيلَ مُؤَثِّرٌ وَهَذَا الجَوَابُ هُوَ المُسَمَّى بِالمُطَالَبَةِ وَإِنَّمَا يُسمَعُ حَيثُ كَانَ ثُبُوتُ الْعِلِّيَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ لاَ بِالسَّبْرِ فَلاَ تُسْمَعُ وَلِلْمُعَارَضَةِ جَوابٌ آخَرُ.
السَّادِسُ عَشَرَ: مَنْعُ وُجُودِ الوَصْفِ فِي الفَرْعِ مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي أَمَانِ العَبْدِ أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهلِهِ كَالعَبْدِ المَأْذُونِ فِي القِتَالِ. فَيَقُولُ المُعْتَرِضُ لاَ نُسَلِّمُ أَنَّ العَبْدَ أَهلٌ لِلأَمَانِ. وَجَوابُهُ بِبَيَانِ مَعْنَى الأَهلِيَّةِ بِأَنْ تَقُولَ أُرِيدَ أَنَّهُ مَظَنَّةٌ لِرِعَايَةِ المَصْلَحَةِ لإِسْلاَمِهِ وَعَقْلِهِ.
السَّابِعُ عَشَرَ: المَعَارَضَةُ فِي الفَرعِ بِمَا يَقْتَضِى نَقِيْضَ حُكْمِ الأَصْلِ بِأَن يَقُولَ مَا ذَكَرتَهُ مِنْ الوَصْف وَإِنْ اقتَضَى ثُبُوتَ الحُكْمِ فِي الفَرعِ فَعِندِي وَصفٌ آخَرٌ يَقْتَضِيْ نَقِيْضَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعنَى بِالمُعَارَضَةِ عِندَ الإِطلاقِ. وَجَوابُ هَذِه المعَارَضَةِ بِجَمِيْعِ مَا مرَّ مِنَ الإِعتراضَاتِ مِن قَبيلِ المعْتَرِضِ عَلَى المُسْتَدَلِّ.
الثَّامِنُ عَشَرَ: الفَرْقُ وَهُو إِبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الأَصْلِ هِي شَرطٌ أَوْ إِبْدَاءُ خُصُوصِيَّةْ فِي الفَرعِ هِيَ مَانِعٌ وَمرجِعُ هَذَا إِلَى المُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَقَدْ مَرَّ.(1/17)
التَّاسِعُ عَشَرَ: اخْتِلافُ الضَّابِطِ فِي الأَصْلِ وَالفَرْعِ وَهُوَ الوَصْفُ المُشْتَمِلُ عَلَى الحِكْمَةِ المَقْصُودَةِ. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ المستَدِلُّ فِي شُهُودِ الزُّورِ عَلَى القَتْلِ إِذَا قُتِلَ بِشَهَادَتِهِم تَسَبَّبُوا لِلْقَتْلِ فَيَجِبُ القِصَاصُ كَالمُكْرَهِ فَيَقولُ المُعْتَرضُ الضَّابِطُ مُخْتَلِفٌ فإِنَّهُ فِي الأَصْلِ الإِكْرَاهُ وَفِي الفَرعِ الَّشَّهَادَةُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ تَسَاوِيْهِمَا فِي الْمَصْلَحَةِ فَقَدْ يَعتَبِرُ الشَّارِعُ أَحَدَهُمَا دُونَ الآخَرِ. وَجَوابُهُ بِأَنَّ الضَّابِطَ هُوَ القَدْرُ المُشتَركُ وَهُوَ التَّسَبُّبُ أَوْ بِأَنَّ إِفضَاءَهُ فِي الفَرْعِ مِثْلُ إِفْضَائِهِ فِي الأَصْلِ أَوْ أَرجَحُ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
العِشْرُونَ: إِخْتِلافُ جِنْسِ المَصْلَحةِ فِي الأَصْلِ وَالفَرعِ مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ المُستَدِلُّ يُحَدُّ بِاللِّواطِ كَمَا يُحَدُّ بِالزِّنَا لأَنَّهُ إِيْلاجُ فَرجٍ فِي فَرجٍ مُشْتَهاً طَبْعاً، مُحَرَّمٌ شَرْعاً. فَيَقُولُ المُعتَرضُ اخْتَلَفَتِ المَصْلَحَةُ فِي تَحْرِيْمِهِمَا فَفِي الزِّنَا مَنْعُ اخْتِلاَطِ النَّسَبِ وَفِي اللِّواطِ دَفع رَذِيلَتِهِ وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَر الشَّارِعِ. وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ اسْتِقْلالِ الوَصْفِ بِالعِلِّيَّةِ مِنْ دُون تَفَاوتٍ.(1/18)
الحَادِي وَالعِشْرُون: دَعْوَى المُخَالَفَةِ بَيْنَ حُكْمِ الأَصْلِ وَحُكْمِ الفَرْعِ مِثَالُه أَن يُقَاسَ النِّكَاحُ عَلَى البَيْعِ أَوِ البَيعُ عَلَى النِّكَاحِ بِجَامِعٍ فِي صُورةٍ فَيَقولُ المُعترضُ الحُكْمُ مُخْتَلَفٌ فَإِنَّ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي البَيْعِ حُرمَةُ الإِنْتِفَاعِ بِالمَبَيعِ وَفِي النِّكَاحِ حُرمَةُ المُبَاشَرةِ وَهُمَا مُخْتَلفَانِ وَالجَوَابُ أَنَّ البُطْلاَنَ شَيءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدمُ تَرتُّبِ المقصُودِ مِنْ العَقدِ عَلَيْهِ.
الثَّاني وَالعِشْرُونَ: القَلبُ وَحَاصْلُه دَعوَى المُعْتَرضِ أَنَّ وُجُودَ الجَامِعِ فِي الفَرعِ يَسْتَلزِمُ حُكماً مُخالِفاً لِحُكْمِهِ الذَّي يُثْبِتُهُ المستَدِلُّ نَحوَ أَنْ يَقُولَ الحَنَفِيُّ الإِعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّومُ لأَنَّهُ لُبْثٌ فَلاَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً كَالوُقُوفِ بِعَرفَةَ فَيَقُولُ الشَّافِعيُّ فَلاَ يُشتَرطُ فِيهِ الصَّومُ كَالوُقُوفِ بِعَرَفةَ. وَهُوَ أَقْسَامٌ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى المَعَارَضَةِ.
الثَّالِثُ وَالعِشْرُوْنَ: القَولُ بِالمُوجَبِ وَحَاصِلُهُ تَسْلِيْمُ مَدْلُول الدَّلَيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ وَمِنْ أَمثِلَتِهِ أَنْ يَقوُلَ الشَّافِعِيُّ فِي القَتْلِ بِالمُثَقَّلِ قَتْلٌ بِمَا يَقتُلُ غَالِباً فلاَ يُنَافِي القِصَاصَ كَالقَتْلِ بِالخَارِقِ فَيَردُّ القَولُ بِالمُوجَبِ فَيَقُولُ المُعتَرِضُ سَلَّمْنَا عَدَمَ المنَافَاةِ بَيْنَ القَتلِ بِالمُثَقَّلِ وَبَينَ القِصَاصِ وَلَكنَّهُ لَيسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ لأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ وُجُوبُ القِصَاصِ لاَعَدَمُ المُنَافَاةِ لِلقِصَاصِ وَنَحوَ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ وَالعِشْرُون: سُؤَالُ التَّرْكِيبِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ حُكْمِ الأَصْلِ أَلاَّ يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ.(1/19)
الخَامِسُ وَالعِشْرون: سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ وَذَكرُوا فِي مِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ المُسْتَدلُّ فِي البِكْرِ البَالِغَةِ بِكْرٌ فَتُخَيَّرُ كَالصَّغِيرَةِ فَيَقُولُ المُعتَرِضُ هَذَا مُعَارضٌ بِالصِّغَرِ وَمَا ذَكَرْتَهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ الحُكْمُ إِلَى البِكْرِ البَالِغَةِ فَمَا ذَكَرتُهُ أَنَا قَدْ تَعَدَّى بِهِ الحُكْمُ إِلَىَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، هَذَانِ الإِعْتِرَاضَانِ يَعُدُّهُمَا الجَدَلِيُّونَ فِي الإِعْتِرَاضَاتِ وَلَيْسَ أَيُّهُمَا اعْتِرَاضاً بِرأْسِهِ بَلْ رَاجِعَانِ إِلَى بَعضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الإِعْتِراضَاتِ فَالأَوَّلُ رَاجِعٌ إِلَى المَنْعِ وَالثَّانِي إِلَى المُعَارَضَةِ فِي الأَصْل وَقَد تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
[ الأدلة المختلف فيها]
فَصْلٌ: وَبَعْضُ العُلَمَاءِ يَذكُرُ دَلِيْلاً خَامِساً وَهُوَ: الإِسْتِدْلاَلُ، قَالُوا: وَهُوَ مَالَيسَ بِنَصٍّ وَلاَ إِجْمَاعٍ وَلاَ قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْواعٍ.
الأَوَّلُ: تَلاَزمٌ بَيْنَ حُكْمَينِ مِنْ دُونِ تَعْيينِ عِلَّةٍ، مِثْلُ: مَنْ صَحَّ ظَهَارُهُ صَحَّ طَلاَقُهُ.
الثَّانِي: الإِسْتِصحَابُ وَهُو: ثُبُوتُ الحُكْمِ فِي وَقْتٍ لِثُبُوتِهِ قَبلَهُ لِفُقدَانِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِير، وَكَقَولِ بَعضِ الشَّافِعيَّةِ فِي المُتَيَمِّمِ يَرَى المَاءَ فِي صَلاَتِهِ: يَسْتَمِرُّ فِيهَا اسْتِصْحَاباً لِلحَالِ؛ لأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيهِ المُضِيُّ فِيهَا قَبْلَ رْؤيَةِ المَاءِ.(1/20)