الكتاب : متن الكافل |
متن الكافل
... تأليف
... العلامة محمد بن يحيى بهران
... رحمه الله
... ضبط وتصحيح
... مركز النور للدراسات والبحوث
الطبعة الثانية
1418 هـ ـ 1997م
حقوق الطبع محفوظة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
وَبِهِ نَسْتَعِيْن
هُوَ عِلْمٌ بِأصُولٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتهَا التَّفْصيْليَّةِ وَيَنْحَصِرُ في عَشَرَةِ أَبْوَابٍ.
البَابُ الأَوَّلُ
فِي الأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَوابِعِهَا
وَهي: الوُجُوبُ، وَالحُرمَةُ، وَالنَّدْبُ، وَ الكَرَاهَةُ، وَ الإِبَاحَةُ، وَتُعْرَفُ بمُتَعَلَّقَاتِهَا.
فَالْوَاجِبُ مَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ بِفِعْلِهِ، وَالعِقَابُ بِتَرْكِهِ، وَالحَرَامُ بِالعَكْسِ، وَالمَنْدُوبُ مَا يُسْتَحَقُّ الثوَابُ بِفِعْلِهِ، وَلا عِقَابَ في ترْكِهِ. وَالمَكْرُوهُ بِالعَكْسِ. وَالمُبَاحُ مَالاَ ثوَابَ وَلاَ عِقَابَ فِي فِعْلِهِ وَلاَ تَرْكِهِ.
وَالْفَرْضُ والوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ؛ خِلافاً لِلْحَنَفيَّةِ.
وَيَنْقَسِمُ الوَاجِبُ إِلَى فَرْضِ عَيْنٍ، وَفَرْضِ كِفَايَةٍ. وإِلَى مُعَيَّنٍ، وَمُخَيَّرٍ وَإِلَى مُطْلَقٍ، وَمُؤَقَّتٍ. وَالمُؤَقَّتُ إِلَى مُضَيَّقٍ، وَمُوَسَّعٍ.
وَ الْمَنْدُوبُ وَالمُسْتَحَبُّ مُتَرَادِفَانِ، وَالمَسْنُونُ أَخَصُّ مِنْهُمَا.
وَالصَّحِيْحُ: مَا وَافَقَ أَمْرَ الشَّارِعِ. وَالبَاطِلُ نَقِيْضُهُ.
وَالْفَاسِدُ هُوَ الْمَشْرُوْعُ بِأَصْلِهِ، الْمَمْنُوعُ بِوَصْفِهِ، وَقِيْلَ: مُرَادِفُ الْبَاطِلِ.
وَالْجَائِزُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ، وَعَلى الْمُمْكِنِ عَقْلاً أَوْ شَرْعاً وَعَلَى مَا اسْتَوى فِعْلُهٌ وَتَرْكُهُ، وَعَلى الْمَشكُوكِ فِيهِ.(1/1)
وَالأدَاءُ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ المُقَدَّرِ لَهُ أَوْلاً شَرْعاً، وَالقَضَاءُ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الأَدَاءِ اسْتِدْرَاكاً لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجوُبٌ مُطْلَقاً. وَالإِعَادَةُ مَافُعِلَ في وَقْتِ الأَدَاءِ ثَانِياً لِخَلَلٍ فِي الأَوَّلِ.
وَالرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ لِعُذْرٍ مَعَ بَقَاءِ مُقْتَضَى التَّحْرِيم. وَ الْعَزِيْمَةُ بِخِلاَفِهَا.
الْبَابُ الثَّانِي فِي الأَدِلَّةِ
الدَّلِيْلُ: مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيْحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِالغَيْرِ، وأَمَّا مَا يَحْصلُ عِنْدَهُ الظَّنٌّ فَهُوَ أَمَارَةٌ، وَقَدْ يُسَمَّى دَلِيلاً تَوَسُّعاً.
وَالعِلْمُ هُوَ: المَعْنَى المُقْتَضى لِسُكُونِ النَّفسِ إِلَى أَنَّ مُتَعَلَّقَهُ كَمَا اعْتَقَدَهُ. وَهُو نَوعَانِ: ضَرُورِيٌّ وَاستِدْلاَلِيٌّ، فَالضَّرُورِيُّ مَالاَ يَنْتَفِي بِشَكٍّ وَلاَ شُبْهَةٍ. وَالإِسْتِدْلاَلِيُّ مُقَابِلُهُ.
وَالظَّنُّ: تَجْويزٌ رَاجِحٌ. وَالوَهْمُ: تَجْويزٌ مَرْجُوحٌ. وَالشَّكُّ: تَعَادُلُ التَّجْوِيزَيْنِ.
وَالإِعْتِقَادُ هُوَ: الْجَزْمُ بِالشَّيءِ مِنْ دُونِ سُكونِ النَّفْسِ، فَإِنْ طَابَقَ فَصَحِيْحٌ وَإِلاَّ فَفَاسِدٌ، وَهُوَ الجَهْلُ، وَقَدْ يُطْلقُ عَلَى عَدمِ العِلمِ.
فَصْلٌ: والأَدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ
هِيَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَالإِجْمَاعُ. وَالقِيَاسُ.(1/2)
فَالْكِتَابُ هُوَ: القُرآنُ المُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلًّمَ لِلإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ. وَشَرطُهُ: التَّوَاتُرُ، فَمَا نُقِلَ آحَاداً فَليْسَ بقرْآنٍ؛ لِلقَطْعِ بِأَنَّ العَادَةَ تَقْضِيْ بِالتَّواتُرِ فِي تَفَاصِيلِ مِثْلِهِ، وَتَحْرُمُ القِرَاءَةُ بِالشَّوَاذِّ، وَهِيَ: مَا عَدَا القِرَاءَآتِ السَّبْعِ، وَهِيَ كَأَخبَارِ الآحَادِ فِي وُجُوبِ العَمَلِ بِهَا. وَالبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ أوِّلِ كلِّ سُورَةٍ عَلَى الصَّحيحِ.
وَالمُحْكَمُ: مَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ. وَالمُتَشَابِهُ: مُقَابِلُهُ، وَلَيْسَ فِي القُرآنِ مَالاَ مَعْنَى لَهُ، خِلاَفاً لِلحَشْوِيَّةِ، وَلاَ مَا الْمُرَادُ مِنهُ خِلاَفَ ظَاهِرِهِ مِنْ دُونِ دَلِيْلٍ، خِلافاً لِبَعْضِ المُرْجِئَةِ.
وَالسُّنَّةُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ وَفِعْلُهُ وَتَقريرُهُ.
فَالقَوْل ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَقْوَاهَا.
وأَمَّا الفِعْلُ، فَالمخْتَارُ وُجُوبُ التَأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَ سَلَّم فِي جمَيْعِ أَفْعَالِهِ إِلاَّ مَا وَضَحَ فِيْهِ أَمْرُ الجِبِلَّةِ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، كَالتَّهَجُّدِ وَالأُضْحِيَةِ.
وَالتَّأَسِّي: هُوَ إِيقَاعِ الفِعْلِ بِصُورَةِ فِعْلِ الغَيْرِ وَوَجْهِهِ اتِّبَاعاً لَهُ أَوْ تَزْكِيَتَهُ كَذَلِكَ، فَمَا عَلِمْنَا وُجُوبَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ فَظَاهِرٌ، وَمَا عَلِمْنَا حُسْنَهُ دُونَ وُجُوبِهِ فَنَدْبٌ، إِنْ ظَهَرَ فِيْهِ قَصْدُ القُرْبَةِ، وإلاَّ فَإِبَاحَةٌ، وَتَرْكَهُ لِمَا كَانَ أَمَرَ بِهِ، يَنْفِي الوُجُوبَ، وَفِعْلُهُ لِمَا نَهى عَنْهُ يَقْتَضِي الإِبَاحَةَ.(1/3)
وَأَمَا التَّقْرْيرُ، فَإِذَا عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ بِفِعْلٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُنكِرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إَنكَارِهِ، وَلَيْسَ كَمُضيِّ كَافِرٍ إَلَى كَنِيْسَةٍ، وَلاَ أَنكَرَهُ غَيرُهُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَتِهِ.
وَلاَ تَعاَرُضَ فِي أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وَسَلَمَ، وَمَتَى تَعَارَضَ قَوْلاَنِ، أَوْ قَولٌ وَفِعْلٌ؛ فَالمُتَأخِّرُ نَاسِخٌ أَوْ مخَصِّصٌ، فَإِنْ جُهِلَ التَّأرِيْخُ فَالتَّرجِيْحُ.
وَطَرِيْقُنَا إِلَى العِلْمِ بِالسُّنَّةِ الأَخْبَارُ، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ، وَآحَادٌ.
فَالمُتَوَاتِرُ: خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفيدُ بِنَفْسِهِ العِلْمَ بِصدْقِهِ، وَلاَ حَصْرَ لِعَدَدِهِ، بَلْ هُوَ مَا أَفَادَ العِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَيَحْصلُ بِخَبَرِ الفُسَّاقِ وَ الكُفَّارِ، وَقَدْ يَتَوَاتَرُ المَعْنى دُوْنَ اللَّفْظِ، كَمَا فِي شَجَاعَةِ عَليٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَجُودِ حَاتِمٍ.
وَالآحَادِيُّ: مُسْنَدٌ، وَمُرْسَلٌ، وَلاَ يُفِيْدُ إِلاَّ الظَّنَّ، وَيجبُ العَمَلُ بِهِ فِي الفُروعِ، إِذْ كَانَ صَلى اللَّهُ عَليهِ وَآلَهُ وَسَلمَ يَبعثُ الآحَادَ إِلَى النَّواحِي لِتَبْليغِ الأَحْكَامِ، وَلِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رَضيَ اللَّهُ عَنهُمْ بِهِ.
وَلاَ يُؤخَذُ بِأَخْبَارِ الآحَادِ فِي الأُصُولِ، وَلاَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ البَلوىَ عِلماً، وَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ البَلْوَى عَمَلاً، كحَدِيثِ: مَسِّ الذَّكَرَ، خِلافٌ، وَشَرْطُ قَبُولِهَا العَدَالَةُ وَ الضَّبطُ، وَعَدمُ مُصَادَمَتِهَا دَليلاً قَاطِعاً، وَفَقْدُ اسْتِلزَامِ مُتَعَلَّقِهَا الشُّهْرَة.
وَتَثْبُتُ عَدَالَةُ الشَّخْصِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِشَهادَتِهِ حَاكِمٌ يَشْتَرِطُ العَدَالَةَ، وَبِعَمَلِ العَالِم بِرِوَايَتِهِ، قِيْلَ: وَبِرِوَايَةِ العَدْلِ عَنْهُ.(1/4)
وَيَكْفِي وَاحِدٌ فِي التَّعْدِيلِ وَالجرحِ، وَالجَارحُ أَوْلَى وَإِنْ كَثُرَ المعَدِّلُ، وَيَكْفِي الإِجْمَالُ فِيهِمَا مِنْ عَارِفٍ، وَيُقُبَلُ الخَبَرُ المُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ فيُبْطِلُه، وَيُرَدُّ مَا خَالَفَ الأُصُولَ المُقَرَّرَة.
وَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِالمَعْنَى مِنْ عَدْلٍ عَارفٍ ضَابطٍ، وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ فَاسِقِ التَّأْوِيلِ وَكَافِرِهِ.
وَالصَّحَابِيُّ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ مُتَّبِعاً لِشَرْعِهِ وَكُلُّ الصَّحَابَةِ عُدُولٌ إِلاَّ مَنْ أَبَى عَلَى المخْتَارِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ.
وَطُرُقُ الرِّوَايَةِ أَرْبَعُ: قِرَاءَةُ الشِّيْخِ، ثُمَّ قِرَاءَةُ التِّلْميذِ أَوْ غَيْرِهِ بِمَحْضَرِهِ، ثُمَّ المُنَاوَلَةُ، ثُمَّ الإِجَازَةُ.
وَمَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ سَمِعَ جُمْلَةَ كِتَابٍ مُعَيَّنٍ جَازَتْ لَهُ رِوَايَتُهُ وَ العَمَلُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ كُلَّ حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ.
(( تَنْبِيْهٌ ))
الخَبَرُ هُوَ الْكَلامُ الَّذِي لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ، فَإِنْ تَطَابَقَا فَصِدْقٌ، وَإِلاَّ فَكَذِبٌ. وَيُسَمَّى الخَبَرُ: جُمْلَةً، وَقَضِيَّةً، وَإِذَا رُكِّبَتِ الْجُمْلَةُ فِي دَلِيْلٍ سُمِّيَتْ: مُقَدَّمَةً.
وَالتَّنَاقُضُ هُوَ: اخْتِلافُ الجُمْلَتَيْنِ بِالنَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ، بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ صِدْقُ كُلِّ وَاحِدةٍ مِنْهُمَا كَذِبَ الأُخْرَى.
وَالعَكسُ المُسْتَوِي: تَحْويلُ جُزْئَيِ الجُمْلَةِ عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ. وَعَكسُ النَّقيضِ جَعْلُ نَقيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَكَانَ الآخَرِ.
فَصْلٌ: وَ الإِجْمَاعُ(1/5)