يقدح؛ لكونها صحابية ولم يحتج إلى قوله قد عرفوها، وكذا يدلك على اشتراط ذلك في جميع الدرج: قوله في تضعيف خبر النبيذ في كتاب الطهارة ما لفظه: وخامسها أنَّه رواه أبو زيد، عن عبد اللّه وهو مجهول. انتهى. وروى عن القاضي العلامة محمد بن يحيى بهران الصعدي المحدث الشهير أن بعض معاصريه كتب إليه يستأذنه في الوصول إلى حضرته لسماع كتاب من كتب الحديث فأجاب بما لفظه منقولاً من خطه: وأما ما ذكرتم أن الكتاب من الصحاح في استعمال الحديث في الفقه، فنحن لا نعتمد إلاَّ ما رواه أئمتنا عليهم السلام في تيسير المطالب وفي أصول الأحكام والشفاء ومجموع زيد بن علي وسير محمد بن عبد اللّه النفس الزكية، وأما ما كان من كتب غيرهم فلا يستعمل من الحديث إلاَّ ما وافق حديث أهل البيت عليهم السلام (لأنهم قبلوا في كتبهم رواة جميع الصحابة)(1) والتابعين ومن خالف علياً كأبي موسى وعمرو بن العاص وكثير التابعين الذين قاموا وقعدوا في نصرة بني أمية ومع بني العباس، فإذا رجح لديكم تأمرون إلينا لننظر في حديثه وروايته فإن وجدناه ممن يقبل حديثه أجبنا عليكم ووصلتم لسماعة، وإن وجدناه قد استند إلى أعداء أهل البيت فلا فائدة في الاشتغال به. انتهى.
قال في الروض الباسم ما معناه: واعلم أن كل من تصدى للنظر في صحيح المذاهب وسقيمها ومعوج الأقوال ومستقيمها فلا غنى له عن الاحتراز عن خمس آفات:
__________
(1) ـ هذا التعليل لعدم قبول ما في الصحاح. تمت.(1/41)


الآفة الأولة: انتقاصه لمن وضع ذلك الكلام واعتقاده أنَّه لا يمكن أن يختص بمعرفة الصواب، وهذه الآفة لا تمكن من قلوب العارفين؛ لأنهم يعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال كما روي عن أمير المؤمنين، وقالت الحكماء: لا تنظر إلى من قال، ولكن انظر إلى ما قال، وقد شرع اللّه الإنصاف للعالمين، فقال في حق من يعلم عدمه للبراهين: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وفي حق من يعلم أنَّه من الضالين {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
الآفة الثانية: اعتقاد الناظر لقصور نفسه ومجاوزته للحد في استصغار قدره بحيث إذا سمع البرهان الصَّحيح الذي يقضي به عقله ويضطر إلى معرفته قلبه جوز أنَّه إنَّما استحسنه لقلة علمه وضعف فهمه واعتقد أنَّه لو كان أمامه المقلِّد حياً لأجابه وهذا خلل عظيم يختص بالمقلدين، ولو تدبروا لعرفوا أن عقولهم لو كان قد انتهت في عدم التمييز إلى هذه الغاية لسقط عنهم التكليف ولم يجب عليهم اجتهاد ولا تقليد وإلا فما أمن هذا المقلد أنَّه لقلة علمه وضعف فهمه اختار مذهب إمامه وحكم بفضله فإن كان قد وثق بحسن اختباره هنالك فما باله لا يثق بمثله هنا وإن كان قد شك فيما يقبله عقله هنا فما باله لا يشك فيما يقبله هناك ومن تمكن منه هذا الخلل وأصر عليه فقد سد طريق العلم على نفسه واتجه ترك مناظرته على خصمه، واعلم أن المقلد لو أنصف لعرف أن استعظامه لإمامه لا يمنعه من مخالفته كما أن استعظامه لإمام غيره لم يمنعه من مخالفته.(1/42)


الآفة الثالثة: أن يتقرر عنده ضعف في بعض مسائل ذلك الكتاب فيثور من ذلك سوء ظن بصاحبه فينفر عن بقية كلامه وهذه آفة يحرم بسببها معرفة خير كثير وعلم غزير، فإنك قلما تجد كلاماً أو كتاباً لا يستضعف بعض ما فيه ولهذا قال تعالى في الكتاب العزيز: {ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ولهذا قيل في كل كلام خطأ وصواب، لا يستبعد أن يكون الحق مع الباطل في كتاب واحد، فإن الدواء النافع قد يستخرج من الحية القاتلة.
الآفة الرابعة: أن يعرض لك سؤالاً وتسمعه من غيرك يقدح في الكلام الذي تنظر فيه وهذه من أعظم الآفات لاحتياج ذلك السؤال إلى برهان صحيح لا بمجرد عظم السؤال وحسن الظن بالمسائل، فإنك إن رددت ذلك السؤال عليه كنت قد أفرطت في جنبة القبول وإن اعتقدت صحته ببادي الرأي من غير تحقق كنت مفرطاً في جنبة الرد فيحتاج صاحب هذه الآفة إلى صفاء الذهن وصحة الفهم وكمال الإنصاف والخلوص عن شائبة الهوى والعصبية، فإن هذه الأوصاف هي باب العلم وأسباب الخير.(1/43)


الآفة الخامسة: القطع بصحة ما ينظر فيه أو بفساده ولا خلاف أن من قَطَعَ بصحة أمر أو فساده لم يمكنه النظر فيه، وأصل هذه الآفة أن يكون قد رسخ في نفسك بطلان أمر أو قبحه، وأنت لم تحط خبراً بمعرفة أدلة من يعتقد صحته وحسنه فحين تراه في الكتاب مصححاً مستحسناً وهو عندك ظاهر البطلان واضح القبح لا تصيره كما هو عادة البشر. قال الخضر لموسى صلى اللّه عليهما وسلم: {إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً} هذا وأوصيك أيها الناظر بكثرة الدعاء إلى اللّه والالتجاء إليه في الأوقات الفاضلة وعند رقة القلب أن يفتح عليك أبواب الفهم ويهديك إلى مناهج الحق، ثُمَّ بكثرة مراجعة العلماء الفضلاء أهل التواضع والإنصاف دون غيرهم، ثُمَّ بتكرار النظر في الفينة بعد الفينة، وإياك إذا عميت عليك مسالك الفهم أن تضرب عن النظر صفحاً فإن النظر يصفو بعد التكدر ويبسط بعد السئامة فمتى أحسست فهمك قد كل، وحده قد أفتل فلا تعاود النظر في المسألة وأرح خاطرك وفرح قلبك حتى تجد النشاط قد عاد إليك والفهم قد تاب إليك، وإياك أن تضجر متى قطعت بصحة أمر، ثُمَّ بان لك فساده فلن يصيب الرامي حتى يخطئ. انتهى. اللّهم صلي وسلم على محمد وآله، اللّهم إني أسألك بحقك فلا حق أعظم عليك منك وبحق أسمائك الحسنى عليك وبحق ما أنزلته على قلب نبيك محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وبحق السائلين عليك أن تيسر لنا صحيح ما نقل من سنة نبيك، وأن ترزقناه وتوفقنا له وتعرفنا به معرفة نافعة حتى تطمئن قلوبنا بذلك، وأن تصرف عنا غير الصَّحيح إنك سميع عليم.اللّهم صلي على محمد وآله.
[رواية كتاب الشفاء وأصول الأحكام وشرح التجريد](1/44)


واعلم أن الذي يرد على الأمير الحسين رحمه اللّه هو أنَّه أرسل الأخبار التي في الشفاء ولم يسند وليس لنا إلى معرفة رجالها إلاَّ بردها إلى أصولها من كتب الحديث وغيرها من كتب العترة، وكتب الحديث ليس لنا إلى معرفة عدالة رواتها إلاَّ منهم وهم منهم من يقبل المجهول، ومنهم من يقبل الصحابة مطلقاً ومنهم من يعدل المجروح ويجرح العدل، فإن قيل: قد صرح بأنه قد صح عنده سندها وضبط رواتها وعدالتهم قيل له: هذا لا يفيد فإنه ممن يعتقد أن معنى الصحة في الحديث وفي الإسناد هو أن يقرأ على شيخ ثقة ذكره السيد محمد بن إبراهيم، قال: وقد صرح به عليه السلام في الشفاء حيث ذكر أحاديث، ثُمَّ قال وهم لنا سماع ولكنهم من كتاب الفائق، ثُمَّ كتب في الحاشية على هذا الكلام في بعض النسخ أنَّه قد صح له الفائق بعد ذلك لسماعه له على بعض أهله، ويؤيد ما قاله السيد محمد: إن الأمير ذكر في ينابيع النصيحة أن رواية غير العدل الضابط مردودة بلا خلاف فعلى معتقده هذا يكفيه أن يروي عن الثقة والعهدة تكون عليه، وقد نقل عن كثير من العلماء أنَّه يقبل المجهول فحينئذ لم يتبين لنا من الشفاء المروي عن المجهول من غيره. وأيضاً فإنه قد روي عن المجروحين كالمغيرة وأبي موسى وعكرمة، فأبو موسى شهد عمار رضي اللّه عنه بأنه كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، وعكرمة كذبه خلق كثير. وأيضاً قد روى ما ضعفه (الفريقين)(1) الذين هم الزيدية وأهل الحديث كحديث من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر وحينئذ لا نأمن إن أخذنا ما أرسله ولم يذكر الصحابي وتركنا ما صرح فيه بالصحابي المجروح أن يكون الذي ما صرح فيه بالمجروح من طريقة المجروح فيضعف الخبر. وقد يجاب: بأن الشفاء في الحقيقة مسند؛ لأن الأمير قال في ديباجته: رغبت أن أجمع من عيون ما حفظته... إلى أن قال فيها: زبداً مما صحت أسانيدها فقد صرح عليه
__________
(1) ـ كذا والصواب الفريقان. تمت.(1/45)

9 / 12
ع
En
A+
A-