والأمان لأهل الأرض والسفينة المنجية من الهلكة والكهف الحريز، فإن أقوى أدلة حجيَّة إجماع الأمة أدلة حجية إجماع أهل البيت كما أوضحه والدنا الإمام المهدي عليه السلام في آخر المنية والأمل وفي باب الإجماع من شرح المعيار بما لا مدفع له أو بما صح وثبت بتصحيح أهل البيت الذين سلم تصحيحهم من آفات تصحيح غيرهم التي ذكرناها والتي لم نذكر، وذلك المذكور من المتواتر والمتلقى بالقبول أو الصَّحيح المقيدين بما ذكرنا قليل جداً، وسائر الأحاديث إنَّما يذكرها من يذكر إما للاستظهار بها مع ظاهر قرآن أو سنة صحيحة أو استشهاد بضم بعض إلى بعض من المحتملات أو تقوية قياس ثبت الحكم به في المسألة، أو زيادة ترغيب في طاعة أو ترهيب عن معصية أو قطع حجاج خصم يقول بقبول مثل ذلك الحديث الذي لا يقول به المورد له والمحتج به، أو لبيان فساد مثل ذلك الحديث من مخالفته لقاطع من عقل أو نقل أو صحيح من نقل أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة، وحين تحقق هذه القواعد تعرف أن طرق أهل البيت عليهم السلام في أمر الأحاديث النبوية وتخريجهم أصح الطرق وأحق التخاريج من حيث سلامتها مما لحق غيرها من فساد في الأصول والفروع، انتهى.
قلت: وقوله وإنما صح وثبت بتصحيح أهل البيت الذين سلم تصحيحهم من آفات تصحيح غيرهم...الخ، وذلك كالمجموع وأمالي أحمد وجامعي الهادي وما احتج به المؤيد بالله عليه السلام في شرح التجريد وما رواه قدماء أئمتنا عليهم السلام كما أشار إليه سيدنا العلامة أحمد بن يحيى حابس رضي اللّه عنه حيث قال ما لفظه: ولنا سلف بحمد اللّه صالح لا نجد لفقهاء العامة مثله يروون الحديث عن الآباء والأجداد الطاهرين، عن سيد المرسلين لا يشاركهم فيه مشارك إلاَّ من عرفوا عدالته من شيعتهم الأخيار كزيد بن علي ومحمد الباقر وجعفر الصادق والإمام أحمد بن عيسى وغيرهم، فهم اتخذوا من طرق الحديث أبهجها وأحسنها، انتهى.(1/26)


وقال الإمام القاسم عليه السلام ما لفظه: وما يجري في كتب أصحابنا وغيرهم من إيراد أحاديث من لا تقبل روايته عندهم، فإنما يوردونه لأغراض لا يلزم من إيرادها العمل بها مثل الاحتجاج بها على من يقبله، أو يقويه، أو الترجيح لما يوافق، أو المبالغة والاستئناس، أو تقوية قياس، أو ترجيحه على ما يساويه في الأساس، أو زيادة ترغيب أو ترهيب فيما لا يحتاج فيه إلى إثبات حكم من أحكام الشريعة من الأذكار والأوراد والطب والرقية وغير ذلك، انتهى.
وفي الجامع الكافي قال الحسن بن يحيى عليه السلام سألت عن سماع العلم من أهل الخلاف وذكرت أن قوماً يكرهون ذلك فالجواب: أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قد بلغ ما أمر به وعلم أمته ما فرض عليهم، وما سنه رسول اللّه صلى اللّه عليه على آله وسلم، ولم يقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلاَّ عن كمال الدين ودليله قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}، فقال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( اليوم نعيت إليّ نفسي )) فما روته العامة عن سنته المشهورة أخذت وحملت عن كل من يؤديها إذا كان يحسن التأدية مأموناً على الصدق فيها وما جاء من الآثار التي تخالف ما مضى عليه آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ترك من ذلك ما خالفهم وأخذ ما وافقهم ولم نضيق سماع ذلك من كل من نقله من أهل الخلاف إذا كان يعرف بالصدق على هذا التمييز.
قال: ولا خير في السماع من أهل الخلاف إذا لم يكن مع المستمع تمييز. وقال أيضاً: المخرج من الإتلاف في الحلال والحرام إتباع المحكم المنصوص عليه من كتاب اللّه سبحانه والأخذ بالأخبار المشهورة المتسق بها الخبر من غير تواطئ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، وعن علي عليه السلام أو عن أخيار العترة الموافقة للمحكم من كتاب اللّه، واتباع الأبرار والأتقياء من الأخيار من عترة رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، انتهى.(1/27)


وقال المرتضى لدين اللّه محمد بن يحيى الهادي إلى الحق سلام اللّه عليهما في بعض أجوبته: وقلت لأي معنى لم ندخل الأحاديث في أقوالنا. ولسنا ندخل من الحديث ما كان باطلاً عندنا، وإنما كثير من الأحاديث مخالف لكتاب اللّه سبحانه ومضاد له فلم يلتفت إليها ولم نحتج بما كان كذلك منها، وكل ما وافق الكتاب وشهد له بالصواب صح عندنا وأخذنا به، وما كان أيضاً من الحديث مما رواه أسلافنا أباً فأباً عن علي رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فنحن نحتج به، وما كان مما رواه الثقات من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قبلناه وأخذناه وأنفذناه وما كان خلاف ذلك لم نره صواباً ولم نقل به... إلى أن قال فيه رضي اللّه عنه: وفي الحديث الذي ترويه العامة ما لا يقوم به حجة ولا يصح به بينة ولا شهد له كتاب ولا سنة، وكل ما قلناه وأجبنا به فشاهده في كتاب اللّه عز وجل وفي السنة المجمع عليها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أو حجة من العقل يصدقها الكتاب فكل ما كان من هذه الطرق فهو أصح مطلوب وأنور حجة، انتهى.(1/28)


قال في الرسالة المنقذة: قال السيد محمد بن إبراهيم لما حكى قول من يقبل رواية كافر التأويل وفاسقه واحتج له ما لفظه: وما يلزم من ردهم من تعطيل علم الحديث والأثر كما يعلم ذلك من بحث عن رجال الصحيحين مع بلوغ الجهد في تنقية رواتهما. انتهى ـ يعني كلام السيد ـ، ولعمري ما علينا من بأس إن كان علم الحديث يتعطل باجتناب الكذب على اللّه وعلى رسوله، وليت شعري أي فائدة أو فضيلة إذا تكثر به إذا كان اللّه عز وجل أخذ علينا الميثاق أن لا نقول على اللّه إلاَّ الحق وحرم علينا أن نقول على اللّه ما لا نعلم، وقال عز وجل في الحجة التي آتاها إبراهيم على قومه وفيما أتى إبراهيم ونوحاً وذريتهما من الكاب والحكم والنبوءة: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين}، وأي حجة فيما ذكر الذهبي والسيد محمد بن إبراهيم؟ وهل هو إلاَّ كقول القائل إني لم أكذب لم أستطع أن أقول وإن لم أقل لم يؤثر عني شيء وإن لم يؤثر عني شيء لم يقل الناس إني عالم، والله المستعان. انتهى ما قاله في الرسالة المنقذة.
قال في جواب الأسئلة: وروي عن الإمام أبي طالب أنَّه قال: وكيف نقبل رواية من شرك في دمائنا وسود علينا، انتهى.
وفي شرح خطبة الأثمار رواه عن ابن حجر في جرح عكرمة روى عن ابن عمر أنَّه قال لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس... إلى أن قال فيها: عن يزيد بن أبي زياد، قال: دخلت على علي بن عبد اللّه بن عباس وعكرمة مقيد فقلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي.(1/29)


وسئل ابن سيرين عنه فقال: ما يسوؤني أن يدخل الجنة ولكنه كذاب. وقال عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: عكرمة يزعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم؟ فقال: كذب مَخْبَثَان، وقال عبد الكريم الجزري: قلت لسعيد بن جبير: إن عكرمة كره كراء الأرض فقال: كذب. وقال وهب بن مجالد: كان يحيى بن سعيد الأنصاري يكذبه. وعن معن بن عيسى وغيره كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه، وقال عثمان بن مرة: قلت للقاسم أن عكرمة قال كذا، فقال: يا ابن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثاً يخالفه عشية... إلى أن قال فيها: قال أبو طالب (ليس هذا أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني)(1) قلت: لأحمد: ما كان عكرمة كان ابن سيرين لا يرضاه، قال: كان يرى رأي الخوارج وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم ولم يترك موضعاً إلاَّ خرج إليه انتهى باختصار. إذا عرفت هذا فانظر بعين البصيرة واستعن بالله في هذا السابق وفيما سأذكر لك تنل إن شاء اللّه مأربك بعونه. قال السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم رحمه اللّه: الذي ذهب إليه علماؤنا وتجري عليه أصولهم أن في أخبار هذه الكتب ـ يعني أهل الحديث ـ الصَّحيح والمعلول والمردود والمقبول، والضابط في ذلك إنَّما صححه أئمتنا من ذلك فهو صحيح وما ردوه أو طعنوا في روايته فهو مردود لصحة اعتقادهم وسعة إطلاعهم وتحريهم في انتقادهم، انتهى.
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية كأنها من المؤلف رضي اللّه عنه.(1/30)

6 / 12
ع
En
A+
A-