قال في الروض الباسم: وها هنا لطيفة وهي: أن أصحابنا يقبلون مرسلات الحنفية، والحنفية يقبلون المجهول فقد دخل على أصحابنا قبول المجهول عل كل حال... إلى أن قال فيه: ويوضح ذلك ويبينه أن علماء الزيدية المتأخرين وأهل العناية بجمع علوم الاجتهاد معتمدون على كتاب الإمام أحمد بن سليمان المعروف بأصول الأحكام، وقد صرح في خطبته في بعض النسخ أنَّه نقله من كتب مسموعة ومن كتب غير مسموعة، ثُمَّ لم يبين الحديث المسموع من غير المسموع ولم يميز هذا من هذا بعلامة ولا بنسبة كل منها إلى موضعه... إلى أن قال فيه: وهذا الكتاب منقول كما ذكره في خطبته من المنتخب والأحكام وشرح القاضي زيد وهذه هي المسموعة، ومن كتاب الطحاوي وكتاب محمد بن الحسن الشيباني أو من كتاب المزني صاحب الشافعي ومن صحيح البخاري، قال: وهذه غير مسموعة، انتهى.(1/21)
قال الإمام محمد بن المطهر: ومالم يصح لمصنفه مما ذكره في ترجمة أصول الأحكام أنَّه لم يصح له فيه سماع ولا طريق فقد صح لي جميع ما ذكر، ثُمَّ قال في الروض الباسم: واعلم أن هذا الكتاب عمدة الزيدية من غير نزاع منهم، ومنه ينقل مصنفوهم مثل الأمير الحسين وغيره ممن صنف في الحديث وأدلة الفقه، ولو كان قد سمع هذه الكتب لكان في هذا غاية التساهل؛ لأن قبول كل ما روى الطحاوي ومحمد بن الحسن مشكل مع قبول الحنفية للمجهول... إلى أن قال فيه: وهذا مما يدل على أن علماء أصحابنا إذا قالوا: وروينا بالإسناد الصَّحيح فلا يثق به؛ لأنهم يعتقدون أن معنى الصحة في الحديث وفي الإسناد هو أن يقرأ على شيخ ثقة، ولقد صرح بهذا المعنى الأمير الحسين في كتاب الشفاء، وقد ذكر حديثين(1) ثُمَّ قال: وهم لنا سماع، ولكنهم من كتاب الفائق ـ يعني فائق البستي ـ قال: وهو مشهور عند الشفعوية يشير بذلك إلى قراءتهما، ثُمَّ كتب في الحاشية على هذا الكلام في بعض النسخ أنَّه قد صح له الفائق بعد ذلك سماعه له على بعض أهله ورأيت ذلك في نسخة حي جدي المرتضى وهي معنا إلى الآن وهي مسموعة على الإمام محمد بن المطهر أحد محدثي أصحابنا وقد كتب يحيى جدي المرتضى في هذا الموضع المذكور: وأنا أيضاً قد صح لي كتاب الفائق، أو قال: الحديثان لسماعي لكتاب الفائق على مولانا أمير المؤمنين محمد بن المطهر، وكان حي جدي المرتضى من علماء الزيدية المصنفين المدرسين العارفين بالأصول والفروع... إلى أن قال فيه: وهذا التساهل في الحديث مختص بالمتأخرين من الزيدية التأخر الكبير لا التأخر العرفي عند المحدثين فقد كان لقدماء الزيدية من العناية الكبيرة بالحديث وسماعه وتصحيح طرقه مثلما للمحدثين، ولكن هؤلاء المتأخرين اشتغلوا بعلوم المعتزلة واكتفوا بما اشترطوه في صحة الرواية من قبول المراسيل والمجاهيل ومن أحب
__________
(1) ـ صوابه ثلاثة أحاديث كما ذلك في الشفاء ولعله من الناسخ. تمت منه(1/22)
معرفة ما لأوائل الزيدية في ذلك فلينظر في كتبهم مثل كتاب علوم آل محمد وهو المعروف بأمالي أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام، وبعده الجامع الكافي وبعدهما شرحي السيدين الإمامين أبي طالب والمؤيد بالله عليهما السلام شرح التحرير وشرح التجريد وقد اشتملا على مافي الجامعين المنتخب والأحكام للهادي عليه السلام بزيادة تنقيح وتصحيح فمن لم يجدهما فليطالع المنتخب والأحكام مع ما تقدمها من علوم آل محمد، فإنه يكتفي ويشتفي، انتهى.
قلت فمن لم يجدهما فليطالع الأسانيد اليحيوية. وفي الإقبال ما لفظه: وقد اعتنى القاضي العالم عبد اللّه بن محمد بن حمزة بن أبي النجم بأحاديث الجامعين فجمعهما في مصنف مفرد سماه (در الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية) انتهى.
قلت: الصَّحيح أنَّه ما استكمل فيها أحاديث الجامعين وإنما روى فيها ما صح له سماعه مما رواه الهادي عليه السلام فاعرف. قال في آخر الأسانيد: وقد أتيت على جملة ما حفظت روايته وتيقنت سماعه وحكايته من أخبار يحيى بن الحسين عليهم السلام التي رواها ولم أتعرض لكثير مما رواه عليه السلام مما لم يصح لي سماعه. قلت: وكذا يطالع مجموع زيد بن علي عليهما السلام، قال السيد محمد بن إبراهيم: وبالجملة فمن روى حديثاً من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم فإنه لا يجوز القول بصحة الحديث لمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إلاَّ بنص على صحته وحده أو صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية، فأما مجرد الرواية فليست طريقاً إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك، ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الأحاديث الضعيفة، انتهى.(1/23)
وقال في الروض الباسم: وأما المعرفة الثانية وهي في بيان ما يدل على قبول الصحاح من كتب الزيدية في الفروع فذلك كما قال الزمخشري: معروف لا يدفع مكشوف لا يتقنع. وقد وصلت رسالة إلى المنصور بالله وهي المعروفة بالخارقة ونقم صاحبها عليه عدم المعرفة بالصحاح، فأجاب المنصور بالله عليه السلام على صاحب الخارقة بكتاب الشافي وتنزه عن الجهل بالصحاح وذكر سماعه لها وعلى من سمعها من المشائخ، وكتبه مشحونة بذكر أحاديثها والاحتجاج بما فيها. وقال عليه السلام: إذ هذه الكتب هي التي توجد في أيدي الأمة سبيلاً إلى ربها، وقال: فالذي رويناه من طريق العامة هو ما صحت لنا رواية عن الفقيه العالم أبي الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلبي يرفعه إلى رجاله مما رواه من كتب العامة بالأسانيد الصحيحة هذا لفظه هو صريح في تصحيح أسانيدهم... إلى أن قال فيه: وقد نقل الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام في كتابه أصول الأحكام من البخاري كما ذكره في خطبة كتابه في بعض النسخ. وقد نقل الأمير الحسين منها في كتابه شفاء الأوام، وهذان الكتابان هما عمدة الزيدية في أحاديث التحليل والتحريم، انتهى.(1/24)
قال في شرح خطبة الأثمار في أمر أهل الحديث ما لفظه: فإن أهل البيت وأتباعهم وغيرهم ينازعونهم في قواعد كثيرة من أمر الجرح والتعديل بحيث أن كثيراً مما يعده أهل الحديث جرحاً يعده غيرهم من شروط العدالة والعكس، ويعتقدون وهو الاعتقاد الصَّحيح الذي لا محيد عنه أن المتسمين بأهل الحديث أخلوا بأصل عظيم هو أصل الأصول في الحقيقة وهو النظر في أحوال الرواة والنقلة ممن يعتقدون أنَّهم صحابة النبي ممن قد رآه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وسمع منه، فحين يصلون إلى الصحابي لا ينظرون له في حال ويقطعون بعدالة كل الصحابة، وهذا معلوم الاختلال والفساد لموافقتهم لنا في المصرحين بالارتداد والكفر والفسق من الصحابة وبالأدلة الواضحة في ساقطي العدالة من غير المصرحين، وضعف الدليل الذي تعلقوا به في تعديل الصحابة ومعارضته بما ظاهره الإبطال له، ولم يلج أول من عني بهذه الشبهة المضلة إلاَّ كراهة أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه وكراهة أهل بيته حين عرف أنَّه لا يتم لهم هذه الشبهة لم يبق لهم أي طريق في التفضيل لغير علي كرم اللّه وجهه عليه ولا أي طريق في عدم تفسيق من خالفه وخالف أهل البيت عليهم السلام ولا أي ترخيص في الخروج عن سننهم القويمة وصراطهم المستقيم، فإنه لم يكن لهم طريق يدلون بها في هذه المذاهب الباطلة إلاَّ ماكان من رواية المجروحين من الصحابة أو ممن اعتمد على أحاديثهم وبنى على تعديلهم وجرى في العداوة والبغضاء لمن جعلهم اللّه سبحانه له على عباده المحجة البيضاء وأوجب لهم المحبة والولاء مجراهم، فإذا عرفت هذا مع أن غيره مما يشق ذكره أكثر في شأن الحديث النبوي وكثرة ما روي منه وقع التساهل فيما يحتاج إليه ضرورة فاعلم أنَّه لا يعتمد على شيء من الحديث إلاَّ على ما ثبت تواتره لفظاً أو معنىً أو ثبت تلقيه بالقبول من الأمة لا سيما من جماعة أهل الحل والعقد من أهل بيت الرسول الذين جعلهم اللّه سبحانه قرناء الكتاب العزيز(1/25)